الكابوس !!

1K 112 106
                                    

بعد يوم عملٍ طويل لم يجني فيه سوى بعض القطع التي لا تكفي لتملأ معدته ، قرر العودة إلى منزله فقد تأخر الوقت ... كان يعد الأوراق النقدية و التي لم تتجاوز العشر فرنكات بأسفٍ بالغ

لم تمضِ فترة طويلة حتى وجد الشاب نفسه أمام باب منزله ، ظلّ يحدق في الفراغ و هو يتساءل كيف يمكن لهذه الفرنكات القليلة أن تضمن له العيش ؟

انغمس في أفكاره حتى أنه لم ينتبه لشقيقته التي تُطل برأسها من شق الباب الموارِب و تنادي باسمه بينما نظرات الدهشة لا تفارقها!

- "أليكس ؟ ؟ .. أليكس هل تسمعني ؟ "

صوت أنثوي عذب تسلل إلى طبلة أذنه بكل خفّة ، استجاب لها بعد أن بدد صوتها تلك الظلمات التي كاد يغرق فيها ... نظر إلى عينيها ليرى انعكاس وجهه الشاحب و كأنه لا يعرف الشخص الذي انعكس فيهما!

- " آه .. أجل أسمعكِ ، هل يجب أن تفجري طبلة أذني ؟ "
- " إن كنت كذلك فلِم َ لا تجيب ؟ "

إجابتها التي أطلقتها بنبرة مشبعةٍ بالغضب.
تجاهلها المدعو أليكس ليزفر بضيقٍ شديد بعد أن ولجَ إلى الداخل بالفعل! ..

سحب الكرسيّ الخشبي من زاوية الغرفة ليضعه أمام الطاولة الخشبية المهترئة و التي بالكاد تتكئ على أربع أرجلٍ دون مساعدة من رجلٍ خامسة

جلس بتمللٍ واضعاً راحة يده على خده .. اقتربت منه شقيقته و على شفتيها ابتسامة حانية ، رمقها بنظراته الحادة كعادته .. لم تكن نظرته كافيةً لتزعزع ابتسامتها ، بل توسعت أكثر من ذي قبل وراحت تبعثر تلك الخصلات الفحمية

احمرت وجنتاه و تلعثم قبل أن يقول بغضبٍ مصطنع بينما يحاول إبعاد يدها :

- " توقفي ، راشيل...لم أعد طفلاً "

كان يحاول جاهداً إخفاء تلك الضحكات التي كادت أن تتسلل من بين شفتيه.. أبعدت يدها عن رأسه ليعيد ترتيب خصلاته المبعثرة من جديد ، جلست على الكرسيّ بجانبه ثم أبعدت خصلاتها البنيّة المحمرة عن كتفيها لتسأله بمرح:

- " لا بد أنك جائع ، هل تريد تناول العشاء ؟"

أومأ برأسه دليلاً على الموافقة بدون أن ينبس بحرف ، فنهضت من مكانها.. ثوانٍ حتى عادت و هي تحمل الأطباق بين يديها.. رصّتها على المائدة ثم نادت شقيقها الذي ذهب ليبدل ثيابه

تفاجأ فور دخوله بتلك المائدة التي تضم اللحم بين أصنافها!!..
كيف لأناس فقراء كأمثالهم أن يأكلوا مما لذّ و طاب ؟ لا سيما أن ما يجنيه من المال لا يقيهم ذاك الكابوس المسمى بالفقر!!

- " من أين حصلتِ على المال لشراء اللحم ؟ "

كان ذاك السؤال هو أول ما خطر في باله فور ولوجه إلى غرفة المعيشة .. إلتفت إليه و قد توسعت ابتسامتها التي لا تفارق شفتيها ، و بحماسةٍ جلية في نبرتها قالت له:

فراشاتُ الموت !! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن