1

68 1 16
                                    

في أحد الأزقة المطلة على ال Grand Canal..

 ووسط تيارين متقطعين من السياح القادمين من اتجاهين متعاكسين.. يتماهيان بخفة دون أن يشكلا لُحمة متصلة مكتضة..

وفي أحد تلك الفجوات الكثيرة التي تتخلل الخطين المتقطعين, تظهر نقطة وحيدة تتحرك نحو الأمام... بينما تتقدم نقطة وحيدة أخرى من الاتجاه المعاكس.

توقفا بعد تجاوزا بعضهما والتفتا ليعودا أدراجهما نحو نقطة اللقاء.

_م.. مرحبا"

خرجت الكلمة من فمها بتثاقل ودهشة.. بينما بدأ دماغها بتحميل ملفهما الضخم بسرعة قياسية.

_ مرحبا! أجاب دون أن يخفي الفرحة من على وجهه.

تبادلا نظرات صامتة أغنتهما عن الكلام..

ثم بحركة تلقائية متناغمة - كخطوات راقصين تقدما لوسط الحلبة - اندمج خطا سيريهما لينعطفا نحو أقرب مقهى.. اتفق أن التقيا أمامه تقريباً..

أخذا مقعدين على الكراسي الخارجية.

أخرج أوراقه الفوضوية وبعثرها على الطاولة أمامه.. ليحول هذه الأخيرة إلى نسخة مبسطة جداً عما يحاول إضفاء نوع من النظام عليه داخل رأسه.

ثم انتبه فجأة فقام ليحضر طاولة أخرى - من باب اللباقة - وضعها أمام رفيقته.

انهمك في نبش أوراق مسوداته في تجاهل طفيف لها.. ثم لم يلبث أن دفع نحوها دفتراً أخذته دون أن تسأل أو تضيف أي تعليق..

وانهمكت في قراءته.

بينما غاص هو في كتابته بعد أن وضع سماعات الأذن..

أتمت القراءة بعد دقائق فانعثت من جديد في حالة من الصمت والخدر والانتشاء كما لو أنها عادت من حلم بعيد..

أخذت نفساً عميقاً استعداداً للغوص مرة ثانية.. رفعت يديها اللتان كانتا تطبقان على الدفتر خوفا من أن يفتح فيطير ما يقبع بداخله بعيداً.. (بالطبع لاحظ ذلك بطرف عينيه)

فتحت الباب من أجل رحلة ثانية.. ففقدت صلتها بما حولها.

 وقف النادل الشاب أمامهما لما يقارب الدقيقة دون أن ينتبه إليه أي منهما.. حافظ على لباقته وابتسامته غير المصطنعة, تململ في مكانه وأحدث صوتاً خفيفاً.. ثم أعلى، قليلاً.. فأعلى.. حتى انتبه إليه الكاتب المنهمك..

__ Benvenuto signor..

ابتسم هذا الأخير في وجهه.. فكر تلقائياً في استعراض بعض الجمل الاعتيادية المحفوظة لكنه سرعان ما تخلى عن الفكرة لأنه سيبدو مثل عشرات "السياح المبتذلين المتلعثمين"، كما لأنه يخشى أن ينقطع حبل أفكاره..

__ Tè turco por la bella signora !

"أقصد la vedova Nera " أضاف في سره.

لقاء فينيسياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن