" قاطعت نظرات التحدي و الللوم بينهما نغمات موسيقى tango assassin's و الضوء الذي سقط وسط القاعة على راقصي التانغو ..لم يمضي على لقائهما سوى بضع دقائق.. كانت كفيلة بإيقاض بركان داخلي .. أخمدته سنوات من المكابرة و العناد..
التفتت اليه بكبرياء ممزقة حاجز الصمت بينهما..
_ تشبهنا رقصة التانكو أليس كذلك؟
نظر اليها بفراسة محاولا فهم قصدها..
-فعلا ..ففي كل مرة كان علي أن أتاقلم مع خطواتك المتقلبة و الغير محسوبة..
أبعدت ناظريها و ابتسمت نصف ابتسامة تهكمية ..لم يكن الجواب صاعقا بالنسبة لها لأنهما تعودا على هذا النوع من النقاشات الاستفزازية..
-أنت لم تتغير !
-فعلا أنا لم.. قاطعته قائلة :
-لم تفهم قصدي.. كالعادة !
-ابتسم ابتسامته الخاصة.-ابتسامة الجوكر- قائلا:
كان هذا سريعا.. إذن ما كان قصدك عزيزتي ؟
ضحكته الجوكرية و عيناه الواسعتان الثاقبتان كانتا كفيلتين بإستفزاز كبرياءها الأنثوي.. لكنها اختارت المتابعة ببرود..
- نحن نرقص على نغمات كبرياءنا.. نحب حتى الكره و نقترب حد التنافر.. تماما مثل راقصي التانغو..
شرد و هو ينظر إلى الراقصين.. كم كان التشبيه قريبا!
مد يده نحوها و عيناه تحتجز عينيها.. تعالي لنرقص.. "
ابتسمت وهي تنهي قراءة كلماتها التي مضت على كتابتها أشهر طويلة.. طويلة.. لم تنجح في أن تغير الكثير بينهما.. (إن كانت قد غيرت شيئلً أصلا).
قاطعها صوت ورورد رسالة نصية انضافت في شاشة الهاتف إلى الرسالة السابقة التي لم تقرأها بعد..
لقد كانت رسالة منه.. فتحتها دون تفكير:
" لا تخبريني أنك تقرئين كلماتك عن راقصَي التانغو.. كالعادة "
"ك.. كيف استطاع.. ؟" لم تكد تنهي الجملة داخل رأسها حتى بدأت قطع الأحجية بالتجلي داخل رأسها..
مدت يدها نحو حقيبة يدها من جديد لتخرج بطاقة الرحلة - تلك التي عليها صورة نهر الجراند كانال - التي فازت بها دون أن تذكر انها شاركت في أي مسابقة من هذا القبيل..
الستائر وديكور الغرفة الأحمر والأسود الذي أعد تحت الطلب: كان جواب الشركة المضيفة بأن اعتذروا على انتهاك خصوصيتها عن طريق استعمال معلومات ذات طبيعة غير حميمية من أجل عرض أكثر ملاءمة..
اللقاء - الذي بيدو مصادفة - أمام هذا المقهى.. صورة صوفيا لورن بالداخل "لابد أنه زار المكان مرة سابقة على الأقل"..
كتاباته التي يحملها معه..
موسيقى فرنسية بقلب إيطاليا.. ؟!!
ابتسمت شاردة وهي تستحضر برنامج الرحلة...
تأخذ الهاتف بين يديها لتكتب رسالة نصية: متى؟
يجيب بعد عدة ثوان مرت عليها كألفية: متى ماذا؟
_ الرقصة يا غبي!
_ أية رقصة؟؟؟؟
بدأت أفكارها تتداعى وأسئلة جديدة بمحاصرتها حينما جاءت رسالة جديدة:
_ أتقصدين تلك الرقصة التي حجزتها لنا هذا المساء على الساعة الثامنة؟ كما حجزت لك موعدا مع مصففة الشعر قبل ذلك بساعتين..
وفستان أسود مع 'حذاء ساندريلا' كريستالي ستجدينه بغرفتك حال عودتك..
هل هي by any chanceالرقصة التي تقصدين؟
_ غبي ...
_ أنا أيضا [...]
تفقدي أسفل الطاولة من جهتي..
أراك هذا المساء .
وجدتْ ظرفا أُلصق تحت الطاولة يحمل اسم la vedova Nera.. مزقته لتجد بطاقة تحمل عنوان المكان مع رسالة صغيرة:
ستدفعين شِقك من الفاتورة لاحقاً.. فأنا مجرد كاتب فاشل..
ألم أخبرك أن السجين - من الفيلم - قد عانق الحرية في النهاية؟
سأكون في انتظارك على الجانب الآخر من الجدار..
رسمت ابتسامة جوكرية على وجهها: "غبي" ثم انفلت منها ضحكة طفيفة ومزيج من دموع الفرح - المكتومة منذ أشهر طويلة - والغضب غير المبرر.. ذاك الغضب اللذيذ الذي يخبرك أنك أحببت شخصاً أكثر من اللازم...
(وأن لقاءاتها معه لم تخلق لتتخطى خمس دقائق.. أو أمسية كاملة في حالة رقصة كرقصة هذا المساء.)