جلست دونا هدسون تتأمل ذلك المنظر الطبيعي الخلاّب بدهشة واعجاب شديدين , كانت سيارة الأجرة القديمة تجتاز تلك الطرقات الضيقة صعودا , حتى بدت كأنها معلقة في الهواء , فوق مجموعة كبيرة من الصخور البحرية الضخمة , لم يبد على السائق الأيطالي أي توتر أو أزعاج أطلاقا , وكان يوجّه اليها بين الحين والآخر ملاحظات لم تفهمها ولكنها تصوّرت بأنها تطمينات اليها.
شعرت دونا في تلك المناطق الجبلية الوعرة بأنها خلّفت المدينة وراءها ... في تلك المنحدرات المنخفضة لجنوب أيطاليا , حيث كروم العنب وحقول الزيتون واللوز وبساتين الفاكهة , أما في تلك المرتفعات , فلم تكن هناك سوى البرية والعظمة , أحست دونا بروعتهما .....ز وبالخوف منهما , وفجأة أدار السائق وجهه الى الوراء وقال لها:
" فيللا أمبراتوري".
توتّرت أعصابها بعض الشيء لمجرد علمها بأنها على وشك الوصول الى المكان الذي تقصده , لم تتوقع أن يكون منزل الممثلة المتقاعدة سيرافينا نيري في هذا الجزء من ايطاليا , كانت تتصوره فيللا جميلة في ضواحي روما الغنية ..... قصرا فخما تحيط به التماثيل البيضاء والنوافير المنعشة , وقالت لنفسها أن منزلا في هذه المنطقة الجبلية النائية لا بد أن يكون بدائيا ..... وربما رومنطيقيا.
تحوّل السائق بسرعة الى طريق جانبية أدّت الى بوابة حديدية كبيرة , محكمة الأقفال , خرج حارس يرتدي الثياب المدنية من منزل حجري صغير يقع بين مجموعة من الأشجار , وراح يتبادل الحديث مع سائق السارة , مرّت بضع دقائق قبل أن يستدير السائق نحوها ويقول لها بلكنة أيطالية قوية:
" جواز السفر , يا آنسة ! أنه يريد رؤية الجواز أولا!".
" يريد التأكد من حقيقة هويتي!".
أخرجت جواز السفر من حقيبتها وأعطته للسائق , الذي أعطاه بدوره الى الحارس , تأمّل الرجل الجواز بدقّة وتمعّن , ثم طلب من الآنسة هدسون أن تسمح بالخروج من السيارة كي يتأكد نهائيا من أنها هي الآنسة المنتظرة.
نزلت دونا وهي تشعر كأنها وصلت الى حدود دولة صغيرة تحكمها سيرافينا نيري, الممثلة السينمائية العالمية التي تقاعدت وأختارت العزلة ضمن جدران قصر يحميها فيه حراسها الشخصيون ...... ليس فقط من الصحفيين والمصورين والفضوليين , ولكن أيضا من خطر الأختطاف ودفع الفدية , أقنعت دونا نفسها بأن هؤلاء الأشخاص مضطرون لأتخاذ كافة التدابير الوقائية , ولكن هذا الحارس يرى بالتأكيد أنه ليس معها أي مسدس أو آلة تصوير , تفحصها بدقة بالغة من رأسها حتى أخمص قدميها , ثم أعاد اليها جواز سفرها وتحدّث ثانية مع السائق وهو يلوّح بيديه بعصبية واضحة , فهمت دونا ماذا يجري بين الرجلين , لأنها سرعان ما شاهدت السائق يخرج من سيارته ويفتح صندوقها ثم يضع الحقائب على الأرض ويمد يده طالبا أجرته , أحست بأن الحارس سيسمح لها بدخول البوابة ...... ولكن سيرا على قدميها , يبدو أن لديه أوامر مشددة بألا يثق بأحد......
أعطت السائق أجرته , فأطلق لسيارته العنان مخلفا وراءه عاصفة من الغبار , وقفت دونا تراقب بهدوء , فيما الحارس يفتش حقيبتها تفتيشا دقيقا للغاية , أغمضت عينيها ورفعت وجهها نحو الشمس لتنعم بالدفء , وبتلك المسحة الخفيفة من اللون البرونزي على وجنتيها.
لم تكن ظروف عملها في تلك الفيللا مشجعة كثيرا , لا بل أنها في بعض متطلباتها مزعجة ومثيرة للأشمئزاز , ولكن دونا كانت تتحرق شوقا للوصول ال أيطاليا وتمضية بعض الوقت في مدنها وقراها الساحرة , حصلت على وظيفتها هذه , لأن والدها مصور سينمائي مشهور , وعمل بضع مرات بنجاح باهر في أفلام سيرافينا نيري , تذكرت سيرافينا أسم هدسون فحصلت دونا على وظيفة هامة , ألا وهي مساعدة الممثلة العالمية في كتابة مذكراتها.
كانت دونا تقوم بمثل هذه الأعمال سابقا وتفضّلها على الأرتباط بوظيفة مكتبية دائمة , ولكنها تعرف أن لهذه المهام المؤقتة مشاكلها ومصاعبها , ساعدت مرة فكاهيا ذائع الصيت في كتابة قصة حياته , فلم تجد أي فكاهة ومرح في محاولاتها الدائبة والجاهدة للبقاء بعيدة عن مغازلته ويديه , ولكنها ستعمل هذه المرة مع أمرأة أما هي فأن أحتمالات فقدانها لصبرها... أقل بكثير من أي وقت مضى.
أخذت حقيبة يدها من يد الحارس ولوّحت بها قائلة له كلمة الشكر الأيطالية الجميلة التي تعرفها , حدّق بها برهة ثم أنفرجت أساريره وأنحنى لحمل الحقائب , أشار اليها بأن تتبعه , ففعلت ذلك بدون تردد , وسارا على ممر ضيق بين صفين طويلين من الأشجار الباسقة , كانت العصافير تزقزق وتقفز على الأغصان بفرح ظاهر , مضيفة مزيدا من العزلة الى هذه المنطقة النائية , كيف يكون شعور الأنسان أذا كان غنيا وجميلا وذا شهرة عالمية ...... ويعيش في خوف دائم من الأختطاف؟ هل تشعر سيرافينا بأثارة من نوع ما وهي لم تعد تظهر على شاشة السينما , بل تعيش على أمجاد الماضي....... وحيدة؟ وتمتمت دونا بمجرد وصولها الى باحة الفيللا:
" رائعة كأنها من صنع الخيال!".
أنت تقرأ
خاتم الإنتقام
Romanceالأخلاص يجعل الأنسان يسير بحياته ومواقفه أحيانا الى درجة التضحية بالذات دونا الوردة البيضاء , الآتية من بلاد الضباب الى ايطاليا , للعمل كسكرتيرة للمثلة المشهورة سيرافينا نيري , تلتقي في روما رجلا غامضا , يعلق في أذنه ( خاتم الأنتقام ) , لفّها بسحرة...