أستيقظت دونا على أصوات زقزقة العصافير وحفيف أوراق الشجر , فتحت عينيها بدون أن تحرك رأسها , فتمتعت بمنظر أشعة الشمس الذهبية التي كانت تغطي سقف غرفتها الملون , شعرت أن الأسابيع الخمسة التي أمضتها في الفيللا جعلتها تتعلق بهذه الغرفة...... وأثاثها الجميل , وستائرها التي حيكت باليد , وبمحاذاة غرفتها , كانت هناك قاعة صغيرة تضم مكتبة وطاولة عمل وكنبة مريحة , وشرفة صغيرة تطل على الأسطبل , ومع أن دونا لم تتضايق من رائحة الخيل , ولكنها عرفت أن هذا هو السبب لتخصيصها بهاتين الغرفتين الرائعتين.
بروز يزور الفيللا بين الحين والآخر عدد كبير من الضيوف , وكانت دونا تشاهد بعضهم يركب الخيل تحت شرفتها ويتوجهون الى التلال القريبة , وعندما تذهب سيرافينا في أي من هذه انزهات المتعددة , يكون ريك معها , كان يرتدي دائما ثياب العمل وكأنه متوجه الى الحقل , هل يفكر بأشجار الزيتون القليلة التي كان يملكها والده في جزيرة صقلية ؟ وهل يفكر بأن سيرافينا لا تنوي أبدا أن يشاركها أحد فيه ؟ كانت دونا تتأملها بحرقة كبيرة لأنهما يبدوان مناسبين جدا لبعضهما , وفيما كانت تراقب الزوار ومضيفتهم بعد ظهر يوم جميل , وهي شبه مختبئة وراء حافة الشرفة , سمعت صوتا قاسيا يناديها بإسمها , لم يكن صوت عاشق رشاب , بل رجل قوي يطالبها بإظهار نفسها فورا , ظلت قابعة في مكانها , آملة في ذهابه خلال لحظات , ولكنه أقترب من الشرفة وناداها مرة أخرى.
" دونا !ّ أنا أعرف أنك فوق , وأشعر أن أغصان هذه الشجرة قادرة على تحمل وزني , هل أتسلّقها وأصعد اليك؟".
" لا !".
هبّت واقفة بسرعة وأسندت ذراعيها على حافة الشرفة , فشاهدته يجلس بكبرياء واضح على حصانه الجميل ويوجه اليها إبتسامة مرحة , قال لها بهدوء:
" أنني متأكد من أن رد فعل جولييت لم يكن خجولا الى هذه الدرجة , عندما أراد روميو الصعود الى شرفتها".
" ربما لم تفكر جولييت بأن الشاب النحيل سيقع قبل وصوله الى الشرفة ويدق عنقه".
" آوه ! هل تمك سلامتي الى هذه الدرجة , أيتها الحبيبة؟".
" لا تستخدم هذه الكلمة معي ! أحتفظ بكلمات الحب والغزل للسيدة نيري , التي لن يسرها أبد أن تضبطك وأنت تتحدث الي بهذا الشكل".
" الحقيقة أنني أريد الأعتذار لك عن الطريقة التي حدثتك بها هذا الصباح , أرجو أن تفهمي.......".
" غنني أفهم جيدا , يا سيد , أحس بأنك توليني بعض الرعاية والأهتمام , ولم يعجبها ذلك أطلاقا , كان الأمر طبيعيا للغاية .... أنك بالتأكيد تعجبها , وهي تعتمد عليك , ولا أريد أن أكون سبب أي أحتكاك بينكما , أفضّل أن أترك وشأني ..... خاصة بالنسبة اليك".
" بالنسبة الي , لكن ليس بالنسبة لأدوني ؟ أنك تتوددين اليه كثيرافي الآونة الأخيرة , أليس كذلك؟ عزف وغناء بينكما تلك الأمسية في الحديقة , وأنت تعزفين جيدا ! ماذا بشأن هذه الأمسية ؟ ماذا خططتما لها؟".
" سيأخذني الى حفلة راقصة تقام على يخت أحد أصدقائه ".
حاولت دونا أن تتحدث بطريقة عادية جدا , ولكنها لم تتمكن من أخفاء التوتر والأرتعاش في صوتها , فعندما فكرت بموضوع الرقص , تذكرت تلك الليلة العجيبة في روما وكيف أنها أمضت تلك الساعات الطوال بين ذراعي ريك , حاولت..... حاولت يائسة أن تفكر بأدوني على أنه ريك , ولكنها لم تنجح , شعرت بأنها تريد مراقصة ريك على ذلك ايخت , وأن تلتصق به وتحتمي بقوته , تألمت كثيرا , خاصة أن أوجاع الحب أشد وطأة بكثير من الأوجاع الجسدية , نظرت اليه وهو يفتح فمه ليحدثها , فلاحظت أن ملامح وجهه تحولت الى ما يشبه الفولاذ , قال لها :
" أرجو أن تتوخي الحذر معه , يا دونا , أدوني شاب متمرس جدا في هذه المجالات , وهو يعرف كيف يستغل جاذبيته وسحره , لا أريد لك أي أذية عندما تذهبين الى ذلك اليخت , الكثير من أصدقائه لا يحظون بموافقتي التامة".
أرغمت نفسها على الضحك , وقالت :
" يا لهذه اللهجة المتغطرسة ! أنني أعتبرك أشد خطرا من... من أدوني".
قطب ريك حاجبيه وشعت عيناه ببريق خاطف غامض , قفز قلبها من مكانه وتمنت أن تكون فاتته زلة لسانها , علّق على كلامها بحدة , قائلا:
" أنا أعرف أدوني طوال حياته , أما معرفتك أنت به فتقتصر على أسابيع قليلة , أنه أنفعالي ولا يتصرف ألا حسب رأيه , رأيته كيف ينظر اليك ...... شاهدت الرغبة في عينيه !".
كانت دونا على أستعداد لتصدّق أن أدوني يشكّل بعض الخطر , وتعرف عمن ورث أرادته الذاتية , ورثها , كبعض ملامح وجهه وجسمه , عن أبيه... ريك , تظاهرت بالهدوء واللامبالاة , وقالت:
" لا يوجد سبب لأن تقلق نفسك بشأني يا سيد , أعرف تماما كيف أعتني بنفسي , وأعتقد أن أدوني تعلّم أحترام مشاعري".
كانت تخفي سرورها لأنها أحست بأن ريك يغار من أدوني , وسمعته يسألها بحدة:
" وما هي مشاعرك هذه يا دونا ؟ لا تسايري هذا الشاب , ما لم تكوني عازمة على تلبية ... توقعاته".
" ماذا...... ماذا تعني بذلك"
" أعتقد أن المعنى واضح تماما , أنت ليست طفلة , وكذلك أدوني , وأتصور أنك سوف تتصرفين بحكمة إذا بقيت بعيدة عن هذه الحفلة.......".
أغضبتها كلماته وطريقة تصرفه معها وكأن له الحق في ذلك , فقالت/
" إياك أن تحدثني بهذه اللهجة الآمرة ! أنت لا تستخدمني ولا تملكني , وسوف أذهب في أوقاع فراغي حيثما أريد وبرفقة من أريد , إحتفظ بموافقتك الأستبدادية هذه ل..... لسيرافينا".
" أنا أعرف تماما أنه لا حقوق لدي بالنسبة اليك , ولكنني لا أريدك أن ....... تتضرري".
أنت تقرأ
خاتم الإنتقام
Romanceالأخلاص يجعل الأنسان يسير بحياته ومواقفه أحيانا الى درجة التضحية بالذات دونا الوردة البيضاء , الآتية من بلاد الضباب الى ايطاليا , للعمل كسكرتيرة للمثلة المشهورة سيرافينا نيري , تلتقي في روما رجلا غامضا , يعلق في أذنه ( خاتم الأنتقام ) , لفّها بسحرة...