نهاية البداية

1.1K 159 346
                                    


نريد الأماني.. فيأبى الزمان ونحمل للظل لحنًا قديما نعيش عليه الخريف الطويلْ وندرك بين رماد الأماني بأنَّ الحقيقة.. شيء ثقيلْ .

-فاروق جويدة

بسم الله 🌼

____


"وداعًا أبي، وداعًا أمي "نطقت الفتاة الصغيرة بصوت متحشرج من البكاء وهيَ تأبى مفارقة أحضان والدتها الحنون.

"لا تخافي، وتذكري دائمًا أني هنا في قلبك " تمتمت الأم وهي تحاول إخفاء دموعها التي أوشكت على الهطول من شدّة الألم.

"وتذكري أن الأملَ في النفوس مهما طال الشقاء" أردفت وهيَ تدفع الفتاة بألم نحو أخيها ، فهي تدرك جيداً أنها لن تراهم مرة أخرى.

-فقد كانت تودعهم على حافة الموت، فسفينة الهجرة هي بحد ذاتها سفينة الموت.
هذه هيَ الحرب تجرفُ الناس للفراق والشقاء، وتظلم ُأناسًا ليس لهم أي ذنب، حربٌ ليس لها أي هدف سوى سفك دماء البشر، وطمس معالم البراءة لطفلٍ صغير .

"لا أريد حياةً بلا أمي، أريد أمي "
تحدثت الصغيرة بصوتٍ تخلله الأسى وهي تخفي وجهها الحزين، فقد ارتعدت وهيَ ترى أناسًا يكادون يصبحون جسدًا واحدًا من الإلتصاق، أناسًا يتدافعون بلا رحمة أملاً في النجاة.

"تمسكي بي جيدًا ،ولا تخافي سأحميك ما دمتُ حيًا"

تكلم أخوها اليافع وهوَ يحتضنها بحنو لمْ تستطعْ الحرب أن تطمسَ معالمه .

"لن أستطيع اللعب مع أمي مره أخرى اليس كذلك؟ "
تمتمت بأسى وهيَ تتشبث بذراع أخيها خيفة أن يفارقها هوَ الآخر بين زحام البشر في هذه السفينة.

"ولن نستطيع سماع حكايات أبي عن بلاد العجائب اليس كذلك؟ "
أردفت بعد صمت طويل، ومازال الصمت مستمرًا.
فقد أدرك أخاها اليافع أن الحرب تنسف الجميع؛ فالحرب لا تترك طفلًا رضيعًا ولا كهل عاجز،حتى هي التي جعلت أباهم الفقير يذل نفسة ليدفع تكاليف هذه الهجرة "غير الشرعية"
ظنًا منه أنها ستؤَمن لأطفاله حياة كريمة .

"لا عزيزتي، سنرجع ونلعب إلي أن نشعُرَ بالملل"
كذبة مؤلمة خرجت من فمه، لتجعل اخته الصغيرة تنظر له بأسى فقد أدركت جيدًا أنه يكذب ،ليشعر بعدها ببعض العتاب يتخلل كيانه.

"لمَ هناك حرب ؟ لمَ يجب علي أن افارقَ موطني؟ "

جعل هذا السؤال اخوها يجفل لبرهة؛ فلم يتوقع يومًا أن يخرج مثل هذا السؤال من فم فتاة لم تتجاوز الحادية عشر من عمرِها ،لينظر إليها وهو يترقب كل حرف يخرج من بين شفتيها.

ضياعُ وطنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن