مدينة أحياء أموات.

183 6 4
                                    

"  أهم شيء في هذه الحياة هو الأمان ; إن حصلت عليه حلت حياتك و إن فقدته ، ... "

" قديمًا ، أقصد قبل سنوات قليلة ، كُنّا نقول : الناس صنفان ؛ طيب و خبيث ؛ فقير و غني ؛ شرير و لطيف ؛ متعلم و جاهل ... ، أمّا يومنا أصبحنا نقول : الناس صنفان ؛ أحياء و أحياء أموات "

في هذه الأثناء إنعدمت الحياة الهادئة و المثالية ، ساد الدمار و الخراب ، انتشر الجوع .. الفقر.. المجاعة .. كوريا البلد الذي طالما كان واققا متفطنا في مثل هذه المواقف و الفترات سقط صريعًا ، و بالرغم .. بالرغم من كل هذه الأحداث ، لا يزال بريق حياة يدوي في شوارع سيؤول .. لا يزال الشاب الطويل ذو البشرة الشهبة يجول في الشوارع حاملًا بندقيته البنية ، و يصيب بها كل حيّ ميت يسير .. بل يركض عنده كالحيوان عندما يرى فريسته و يحاول أن ينقض عليها ، و لا زالت أنا قابعة في تلك الغرفة المظلمة كالجبانة ، و أراقبه كل يوم ؛ كل صباح و مساء و أنا متكئة أمام النافذة و أنظر بقلبي لا بعيني للفتى الشجاع إذ أسمع صوتًا كصوت ذئب قادمًا من الأسفل .. من الطابق السفلي .

" أبي ، هل هذا أنت ؟ " 
تتكلم نايون و لا أحد يرد .
بصوت أقوى و نبرة جدية
" أبي .. هل دخلت ؟ " 
تعيد و لا مجيب .
بصوت أعلى و نبرة خائفة 
" أبي .. أبي .." 

تصمت لتسمع صرخات و تأوهات قادمة من الأسفل مجددا ، إذ بشيء يتقدم نحو الباب .. إنه ليس إنسان عادي .. و لا حيوان مفترس .. 
ما إن تصل إلى الباب لترى بشريّا مغطى بالدماء عيونه سوداء و الهالات أكثر سوادًا ، و يجري بطريقة غريبة نحوها ؛ ليست غريبة بالنسبة لنايون فهي تشاهد هذه اللقطة يوميَّا ؛ 

" لم أحس يومًا بهذه الرهبة حتى يوم أذيع أن كوريا أصبحت مزبلة أحياء أموات و لا حتى يوم رأيتهم يأكلون إنسًا ، أول ما فكرت به هو إغلاق الباب فآتيت كرسياًّ خشبيًّا و لا يزال الغريب يصر على الدخول لأكلي .." لأكلي .. !! " لم أخمن يومًا. أني سوف أقولها .. أني سأقول أن شابًا غريبًا .. حيّ ميت يجري خلفي ليأكلني .. ليت بلادي كانت أكثر أمانا .. ليتنا لم نعش في هذا الجحيم .. ليتها تمحى من ذاكرتنا .. ليتنا نعود لأيام نستيقظ براحة و متى نريد .. لا على صرخات أنصاف موتى .. و لا على صرخات ضحاياهم .."
و لا يزال الغريب يحاول الدخول و الكرسي يمنعه .. تسمع أصوات أقدام تقترب شيئا فشيئا .. و يتزايد الدفع .. أيقنت حينها نايون أنّه لن يكن غريبًا واحدًا و لا إثنان ، نظرت هنا و هناك و لم تجد مخرجًا غير النافذة .. وقفت عندها من رآها ظن أنها تحاول الانتحار .. صمتت قليلًا و الدفع يشتد و يشتد .. لتقفز نحو الأرض في نفس اللحظة يفتح الباب .. من حسن حظ نايون أنها سقطت في مسبح و من سوء حظها أن الفصل شتاء و الأكثر سوءًا أنّ الغربيون سيرمون أنفسهم من النافذة أيضًا ، فهم بدون عقول .. تسارع بالخروج من المياه و. تركض من دون ضوابط كأنها حية ميتة لتبحث عن مكان يقيها من الحثالات .. كما كان والدها يسميهم .. تلتفت فتجدهم أكثر من عشرة يسقطون من نافذتها في المسبح و آخرون في الأرض فيتمزق دماغهم ، آخرون يخرجون كالوحوش من جميع الأماكن .. من الدكان و من منازل الجيران .. 

مجموعة قصصيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن