#سارة
#الجزء_الثاني
كان الجو غائما مكهربا لكن بنظري جد رومانسي وشاعري ، أوقف السائق السيارة أمام المقهى ، قدمت له ورقة نقدية و قلت :
ــ إحتفظ بالباقي .
أجاب و الدهشة تعلو وجهه المجعد :
ــ لكن هذا مبلغ كبير !!
ــ ربما هذا يوم سعدك.
إبتسم إبتسامة وشكرني لكني كنت قد إبتعدت ، قدماي فوق عتبة المقهى ، في الداخل رأيتها تجلس فوق مائدة قرب النافذة ، حين رأتني دعتني للجلوس بعد مصافحتي ، صوفيا في الثلاثين من عمرها لكن من يراها لأول مرة لن يصدق ذالك ، لازالت في أول شبابها ، تطرقنا للحديث في عدة مواضيع ، كنت أراقبها وهي تمسك بفنجان القهوة و تضعه على شفتيها ، إبتسامتها ساحرة ، عندما تلتقي نظراتنا صدفة أشعر بالخجل و أبعد عيني ، تكرر ذالك عدة مرات.
سألتني وهي تفتح علبة السجائر مبتسمة :
ـ إذن أيتها الشاعرة الخجولة أين هي كتاباتك ؟
أتبعتها بإبتسامة ، أخرجت لها بعض الأوراق قدمتها لها ، عندما أخدتها بين يديها أثارها عنوان الصفحة الأولى " حادثة سير، ألم و أمل " . قامت بتحويل نظرها إلي مندهشة ، حينها قلت مسرعة :
ــ أرجوا أن تقومي بقرائتها وأنت بالمنزل تتطلب وقت طويل
لاحظت خجلي الشديد وإرتباكي ، قالت مبتسمة :
ــ لك ذالك.
لم أرد لهذا اللقاء أن ينتهي لكن الوقت داهمنا ، تمنت لي ليلة طيبة طبعت قبلة على خدي الأيمن وإنصرفت، إستجمعت قواي وغادرت أنا الأخرى بعد مرور عشر دقائق .
داخل غرفتي أخدت علبة سجائري أدخن الواحدة تلوى الأخرى وكل تفكيري بصوفيا ، إبتسامتها الساحرة ، خوفها ، حزنها ، كلماتها.. إلى أن غفوت.
مرت الأيام وأنا أنتظر إتصالها لكن دون جدوى ، إنقطعت أخبارها و هاتفها مقفل. صباح هذا اليوم وقبل شروق الشمس إستيقظت مذعورة على حلم مزعج ، قمت من سريري فتحت النافذة توقفت أمام المرٱة ، كان وجهي شاحبا ، قلبي يكاد يتوقف من الخوف ، شربت قهوتي على عجل لم أكن قادرة على الأكل أو فعل أي شيئ ، غادرت المنزل متجهة إلى المقهى تناولت قلمي و أوراقي وغصت في الكتابة و صوفيا تغزو تفكيري.
تشير ساعة الحائط إلى العاشرة ، قررت الذهاب إلى مقر عمل صوفيا متمنية أن أراها ولو من بعيد للإطمئنان عليها ، بساحة المؤسسة سألت عنها بعض الطلبة لكن كل محاولاتي باءت بالفشل ، لم يتعرف عليها سوى أحد طلابها أخبرني أنها متغيبة منذ خمسة أيام إثر تعرضها لوعكة صحية.
شعرت ٱنذاك بحزن شديد ، و أنا التي كنت أظن أنها نسيتني ولا تريد صحبتي وقد قامت بالتخلص مني فور شفائي ، فجأة أرعبني رنين الهاتف إلتقطته مسرعة ويداي ترتجف ، إنها هي ، إنها صوفيا.
ــ ٱلو أنسة صوفيا كيف حالك ؟ هل أنت بخير ؟ أين أنت ؟ ..
قاطعتني مبتسمة تحاول إخفاء مرضها :
ــ سارة هوني عليك أنا بخير عزيزتي ، مجرد نزلة برد لذا لم أتصل بك طوال هذه الأيام
ــ كيف أصبت الٱن ؟
ــ بأفضل حال ، لا تقلقي .
ــ أين أنت الأن ؟ أريد أن أراك وأطمئن عليك
ــ أنا بمنزلي وأختي تقوم برعايتي ، إذا أردت يمكنك القدوم عزيزتي
ــ أود ذلك ، لكن ..
ــ لكن ماذا !؟
ــ تعرفين كم أنا خجولة ومنطوية ، ولا أستطيع التواجد بأماكن تعج بأناس لا أعرفهم.
ــ أعرف ذلك ، أختي ستغادر هذا المساء لرعاية زوجها و أطفالها ، يمكنك المجيء وقتها
ــ أجل أود ذلك
ــ حسنا سأدلك على العنوان
لا أستطيع وصف سعادتي تلك اللحظة ، سارعت بأخد حمام دافئ حملت أوراقي وإتجهت نحو عنوان بيتها ، رن الجرس فتح الباب ، ظهرت فتاة مبتسمة شعرها طويل يميل لونه إلى البني الفاتح ، عينان واسعتان وكأنها نسخة عن صوفيا ، إبتسمت لي وقالت :
ــ مرحبا
ــ مرحبا ، أنا سارة صديقة الأنسة صوفيا .
دعتني للدخول ، سرنا خطوات إلى الأمام إستدارت نحوي :
ــ لقق أخبرتني صوفيا بقدومك ، لم أستطع المغادرة إلى أن تصلي ، كما تعرفين صوفيا طائحة الفراش ولا تستطيع النهوض لفتح الباب لك.
ــ أقدر لك ذلك ، شكرا أنسة..
ــ لجين ، إسمي لجين
قاطعنا صوت صوفيا من بعيد :
ــ لجين أهذه سارة من أتت ؟
أجابتها لجين :
ــ نعم صوفيا
حولت نظرها إلي من جديد قائلة :
ــ حسنا أيتها الممرضة لقد حانت مناوبتك
وإنصرفت ، سرت خطوات مستكشفة مكان قدوم صوت صوفيا ، دخلت إحدى الغرف وجدتها مستلقية فوق سريرها والإبتسامة تعلو وجهها محاولة إخفاء تعبها ، طبعت قبلة على خدها وأخدت كرسي وضعته بجانب سريرها قدمت لها باقة وروود وقلت :
ــ كيف حالك آنسة صوفيا ؟
ــ بخير ، أحسن من ذي قبل
نظرت إلى باقة الزهور وتابعت قولها :
ــ شكرا على الورود
أخدنا الحديث ، كان صوت قطرات المطر ترتطم بالنافذة حين قالت :
ــ لقد قمت بقراءة جميع الأوراق ، تكتبين بشكل جميل ، كلماتك رقيقة و حساسة ، تابعي أعدك أن أقرأ كل ماتكتبين.
ــ يسعدني ذلك أنسة صوفيا
ــ لكم لم كل كتاباتك عن المرأة ؟ أين مكانة الرجل ؟
ساد الصمت الغرفة ، شبكت أصابع يدي بشدة وقلت :
المرأة هي الأصل فهي نصف المجتمع ، تحتل لائحة مقدساتي ، تضحي بعملها و مستقبلها من أجل طاعة زوجها ، تعيش تحت وصاية و طاعة والديها وبعد الزواج إلى طاعة زوجها و أبنائها ، ألهذه الدرجة تعتبر المرأة كائن ضعيف ؟ جسدها ملك لزوجها وجسده ملكه هو ، أ لأنه إنسان وهي لاشيء ، كما أن الرجل لايحتاج لمن يقف في صفه ، يكفي الدين و القانون و المجتمع.
صوفيا تنظر إلي وتنصت لكل كلمة بحرس شديد ، قالت مبتسمة :
ــ أتدركين ياسارة ثاني شيء أحبه فيك غير خجلك ؟
ــ وهل تحبين كوني خجولة؟
ــ أ هناك عيب في ذلك ؟!
ــ لا أعرف.. أخاف أن يفسره البعض على أنه ضعف أو عدم ثقة.
ــ أيهمك كلام الناس ؟
ــ المقربين فقط.
ــ إذن من يعرف سارة عن قرب لن يعتبره ضعف
ــ حسنا وماهو الشيء الٱخر؟
ــ إنسانيتك.
كانت كلمات صوفيا معلقة في ذهني تحمل في معناها الكثير ، أرت معانقتها وضمها إلي بشدة ، فجأة رن الهاتف إعتذرت منها وتوجهت إلى غرفة مجاورة كانت أمي هي المتصلة طال حديثنا وعند عودتي إلى الغرفة كان قد غلبها النعاس وغفت ، جلست قربها وأنا أنظر إلى هيئتها المتبعة ، كنت أركز في عينيها تلك اللحظة ، إلى أن غفوت أنا الأخرى لكن لم أستطع النوم ، تذكرت موعد الإمتحان ، قمت للمطبخ أحضرت سلطة وبيض وفنجان قهوة وضعت الصينية بجانب السرير ، وردة حمراء و ورقة كتبت عليها : " لدي إمتحان لم أشأ أن أوقظك من نومك ، تناولي طعامك ودوائك ، وإن إحتجت إلي شيء لاتترددي بالإتصال بي " وإنصرفت.
في منتصف الطريق لم أجد هاتفي ، نسيته بمنزل صوفي و لضيق الوقت لا أستطيع العودة لأخده ، عند إنتهائي من الإمتحان صادفت نور بباب الجامعة ، نور حبيبتي السابقة ، فتاة جميلة ، لكن مع مرور الوقت أيقنت أنها فتاة لعوب ومصدر إزعاج لي لذا أنهيت علاقتي بها ، أخبرتها أنني على عجلة من أمري وبصعوبة كبرى تخلصت منها وغادرت مسرعة.