الجزء4 والأخير

1.9K 63 44
                                    

#سارة
#الجزء_الرابع #و_الأخير

ما إن وقع بصري عليها حتى تسمرت في مكاني،  لم أصدق عيناي،  ترتدي فستان أحمر و حذاء عالي الكعب،  تحمل حقيبة سوداء،   تطلعت إلي بشدة و تمتمت :
- س..س..  سارة !؟
- صوفيا؟  أ هذه أنت؟ 
يا لغبائي،  و هل نسيتها يوماً كي أسأل هذا السؤال الغبي!؟ 
إرتميت في أحضانها للحظات و غبت عن الزمان لبرهة،  تندفع الدموع من عينيها و أنا بين يديها،  أقبل رأسها و أستسلم لأحظانها مرة أخرى،  ربتت على كتفي و هي تتمالك نفسها،  مسحت دموعي بيديها،  بدأت أسمع صوت تنفسها و قلبها ينبض بقوة أكبر و لكنه ينبض بألم و حزن، تصلبت يداي و برزت الشرايين منها،  فجأة قاطعنا صوت المرأة العجوز،  لم أفهم من كلماتها سوى القليل إبتسمت لها و حولت نظري إلى صوفيا.
تبادلنا الحديث أو بمعنى أصح هي تتكلم و أنا أستمع لنبرة صوتها،  آه كم إشتقت لحديثها و لإبتسامتها تلك، جمالها،  عفويتها و تعابير وجهها المرسومة. أخبرتني كيف أمضت تلك السنوات و كيف إنتقلت من الديار الكندية إلى اليونان قبل سنة. غادرنا محطة القطار متوجهين إلى أقرب مقهى،  مرت أربع ساعات أخدنا الحديث و الحنين،  أوصلتها إلى منزلها طبعت قبلة على خدي الأيمن و تمنت لي ليلة سعيدة على أمل أن نلتقي غدا.
لم يكن أحد على الشاطئ صباح هذا اليوم،  كانت الشمس ساطعة و أمواج البحر تعلو،  نتقدم أحيانا لتبتل أقدامنا و تارة نهرب من الأمواج الكبيرة،  مسكت صوفيا يدي و قالت:
- ماذا تفعلين طوال اليوم؟ 
- و ماذا يفعل الكاتب يا ترى؟
- لا أعلم
- يجد الجمال و يمدحه يا عزيزتي.
إبتسمت ثم تمسكت بذراعي،  كنا نتقدم بخطوات و قصرت المسافة بيننا،  مشينا طويلا على الشاطئ و عند غروب الشمس عدنا إلى المنزل.
توالت الأيام،  نلتقي كل يوم  تحولت حياتي إلى جنة.  إلى أن جاءت تلك الليلة الممطرة ،  كان يبدو على صوفيا التعب الشديد،  وجهها باهت،  تنظر إلي بإنتباه و بشيئ من الحزن،  تظل صامتة معظم الوقت،  كنت أدرك أنها تخفي شيئ ما،  هناك عاصفة آتية لا محالة. كانت تدير لي ظهرها حين قالت من غير أن تنظر إلي:
- أحبك.  استدارت نحوي ثم أكملت:
- سارة أريدك أن تقبليني.
إختلط علي كل شيئ،  دماغي أصبحت منتشية،  إبتسمت هي،  أما أنا فلم أقل شيئا و لم أقم بأي حركة تسمرت في مكاني،  كانت المرة الاولى التي تصارحني بمشاعرها أمامي،  كانت تبدو هادئة و جميلة كعادتها،  فجأة إقتربت مني،  رفعت بيديها وجهي إليها طبعت قبلة على فمي،  أخدت أتحسس شفتي بيدي،  قامت بإعادتها لكن هذه المرة طالت القبلة، قبلتني بعنف،  إستجبت لها،  أشعر بأصابعها النحيلة تلامس شعري،  يقشعر جسدي كله و يرتجف،  لففت ذراعي كله نحوها و أنا أتأملها،  رفعت الشال من على كتفيها دون أن تعترض،  إقتربت منها حتى إلتصقت بها،  أغمضت هي عينيها طبعت قبلة على شفتيها بينما كانت تتسارع أنفاسها،  همست في أذنها:
- آخر مرة قمت بتقبيلي غادرتي و تركتني،  هل ستفعلين الأمر نفسه!؟ 
أجابت و الحزن يعتمر وجهها:
- هناك أشياء لا أحب قط التحدث عنها،  أريد أن نشعر بحب بعضنا ،  هذه الليلة  ليلتنا.
ثم جذبتني فوق سريرها،  و إستسلمت لها.
في الصباح الباكر و على أنغام تيريز سليمان:
لما إدينا تلتقي
تمّي ع تمّا شو بقي
غير انّو الدّنيا تبطّء حركتها والدّوران
كلّ الطّبيعة بتنحني لما بجسما تحني
في سر بجسما وريحتا
ياما غنّى عنّو الشّتا تفاصيل كتيرة
دخلت صوفيا المطبخ،  حين رأيتها إرتجفت،  لاحظت ذالك،  إبتسمت لي و طبعت قبلة على خدي،  ناولتها فنجان القهوة تسمرت عيناي في الأرض،  خطت نحوي ثم توقفت كأنها لم تجرأ على التقدم أكثر،  و قالت بصوت متعب:
- أتريدين معرفة سبب مغادرتي فجأة إلى كنذا !؟  هززت رأسي بالإيجاب ثم أكملت:
- سارة أنا مصابة بالسرطان.
أرميت بنفسي  لأقرب كرسي يقابلني،  لم أعد أسمع ضوضاء الموسيقى،  تدريجيا بدأ يكسو اللون الأحمر عيناي،  تسارعت دقات قلبي،  أصبت بالبكم لم أستوعب بعد،  لم أستطع إخفاء حزني،  نزفت عيناي دون موعد،  إقتربت منها حتى إلتصق جسدانا و عانقتها و غبت لبرهة،  إستعدت وعيي حين سمعت صوت صوفيا و هي تكمل حديثها عن إصابتها بالمرض و المعانات التي واجهت خلال فترة المرض،  إستمعت لكل كلمة بدقة و عيناي تنزف.
لم أستطع النوم ليلتها،  مرت الأيام قاسية جدا و مرهقة،  و بعد فترة قصيرة إشتد مرض صوفيا مما أدى إلى دخولها  إلى المستشفى،  كنت لا أفارقها،  أريد أن أنعم بحضورها معي،  كان يبدو عليها التعب الشديد و يزداد ألمها مع مرور الوقت،  جلست على السرير بجانبها في المستشفى أداعب خصلات شعرها حينها قالت الممرضة :
- لا داعي للجلوس هنا،  أعطيت للمريضة مهدء ستنام طيلة هاته الليلة،  أقترح أن تذهبي إلى منزلك لنيل قسط من الراحة.
إبتسمت لها ثم هززت رأسي بالإيجاب ،  هممت بالرحيل أدرت ظهري لأرى صوفيا و هي ممدة على السرير و كأنه آخر لقاء لنا ثم غادرت.
في الصباح الباكر بالمستشفى كانت تقف الممرضة و إلى جانبها الطبيب المشرف على صوفيا،  لم تكن مستلقية على سريرها كعادتها،  كان فارغ و مرتب،  عند وصولي إقترب مني الطبيب و قال بصوت يكاد يسمع :
- أنا آسف فعلنا كل ما بوسعنا،  تعازي الحارة. ثم غادر الغرفة،  تصمرت في مكاني ربتت الممرضة على كتفي و قدمت لي مغلف من جيبها و قالت :
- هذا المغلف تركته لك الأنسة صوفيا،  طلبت مني أن أسلمه لك عند الضرورة.
كانت يداي ترتعش،  شفتاي ترتجف،  وجهي شاحب،  سرت خطوات بصعوبة، ألقيت جسدي فوق السرير  و أنا أعانق الوسادة التي كانت تضع صوفيا رأسها عليها أشم ما تبقى منها،  فتحت المغلف:
" عزيزتي سارة..  لا أعلم ما هو الحب!  لكنني أعلم  جيدا أن ما كان بيننا هو الحب. عندما تشتاقين إلي انظري إلى السماء و اختاري نجمة تكون هي روحي تحدثي إليها،  قولي لها كم تحبينني و كم إشتقت إلي،  العبث  يا عزيزتي سارة هو أن تتغير الفصول من دونك و أن تبهت كل الألوان التي رسمتي لي، أحيانا لنرتاح علينا أن نؤذي بعض الناس عن غير قصد.  في الأونة الأخيرة كنت أغط في النوم بعينيين مفتوحتين و كل تفكيري بك،  لطالما إنتظرتك..
عزيزتي سارة كوني بخير من أجلي..  أحبك ياصغيـــرتـــي.❤😢

🎉 لقد انتهيت من قراءة سارة 🎉
سارةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن