#سارة
#الجزء_الثالت
كانت الساعة العاشرة صباحا، نهضت بصعوبة رغم آلامي أستند على حافة السرير لأستطيع النهوض، وقفت لثواني عاجزة عن الحركة قبل أن أستجمع قواي و أتحرك ببطئ، فتحت النافذة لأسمح بدخول أشعة الشمس، و زقزقة العصافير، سقيت الزهور على حافة نافذتي وتناولت قهوتي المعتادة، يبدو كل شيئ باهت أمام عيني هذا اليوم، على الرغم أنه يوم سفري إلى اليونان، المكان اللذي لطالما حلمت بزيارته و الإستقرار تحت سقفه. لقد مرت أربع سنوات، أنهيت دراستي بالجامعة حققت نصف ما كنت أحلم به، كما أنني أصبحت كاتبة، اليوم سأنتقل إلى اليونان بصفة نهائية لبداية حياة جديدة.
في الليالي المنصرمة كنت وحيدة، عشت سنوات كالأحياء الأموات، كنت أفتح عيني في الظلام و أرتعش، عندما رحلت الأنسة صوفيا أصبحت كرضيع فطمته أمه، لم أنساها يوماً، لسنوات ظللت أفتش عنها بلا فائدة، منذ رحيلها أصبحت مجرد جسد فارغ بدون روح أو أحاسيس مجرد طيف. يا ترى أين هي الأن!؟ ماذا جرى في غيابي؟.
في حدود الساعة العاشرة ليلا حطت الطائرة، و بعد إتخاد إجراءات أمنية و تفتيش طويل أخدت سيارة أجرة، توجهت إلى مسكني الجديد اللذي إقتنيته قبل سفري، منزل بسيط رائع الشكل، خشبي دافئ، ضوء خافت و مدفأة و شرفة تطل على البحر. وضعت حقائبي أخدت حمام دافئ، جلست أمام الشرفة و أنا أحمل سيجارتي على أنغام السيدة فيروز :
بتذكر آخر مرة شفتك سنتا
بتذكر وقتا آخر كلمة قلتا
و ماعدت شفتك
و هلق شفتك
كيفك إنت ملا إنت.
أخدت الحافلة في الصباح الموالي، كان الطقس حار جدا، أكلت وجبة الغداء في إحدى المطاعم، قمت بزيارة المدينة للتعرف على بعض مناطقها و حضارتها و عندما شعرت بالتعب جلست في إحدى المقاهي المطلة على البحر، صفت الكراسي و تراكمت فناجين القهوة، رائحة الليل بدأت تتسلل، فنجان قهوتي أشعرني ببعض الدفئ، حملت قلمي و شرعت في الكتابة.
عدت للمنزل بعدها، لم أكن أشعر بالنعاس بعد، كان صمت الغرفة يرهقني من وقت لآخر، جلست على مكتبي و صب تفكيري نحو صوفيا، طوال هذه السنوات لم تغادر مخيلتي أبدا، فأنا أحبها و لا يحق لها أن تجادلني في شعوري. في كل ليلة أشعر بها أمامي، ألمس يدها و أخبرها كم أحبها. منذ رحيلها أصبح مزاجي متقلب، لا أتحدت بالقدر الكافي، أشعر بأن طريقي طويل و صعب، يعتريني الإحباط و البؤس و التشتت لكنني لم أستسلم قط، لكن إلى مــــتــــى سأظل تحت تأثير هذه الغائبة الحاضرة.
دام شهر على مجيئي إلى هنا، إعتدت على المدينة و جوها الساحر و أناسها الطيبون، لم أعقد صداقات لحتى الأن و لا أنوي ذالك، فما من صديق يضحي لأجلك إلا و أن ينتظر منك مقابل، إذ أحبك و إقترب منك فذالك من أجله هو و ليس من أجلك ليصبح هو سعيد و ليس أنت، الوحيد اللذي يستمع إلي و يسعدني و أتحدث إليه هو قلمي، و بالحديث عنه لقد نسيته بالمنزل هذا الصباح. في مقصورة القطار حملت كتاب ذو طابع روائي أتصفح نهايته في إنتظار المحطة الأخيرة، في المقصورة كنت أنا و سيدة عجوز في الثمانيات من عمرها، بعد قليل دخل شخص آخر، كنت بالمقدمة لذا لم أستطع فرز جنسية ذالك الشخص، إستدرت لكي أطلب قلم و كانت المفاجئة..