جزء بلا عنوان 6

52 8 21
                                    

في بعض الأحيان يشعر المرء بأنه يقف على حافة جرف سحيق , أو يقف حائراً أمام مفترق الطرق لا يدري أي الطريقين يسلك , شعور بالضياع يتشبث به ويستسلم لليأس والظلمة بأعماقه , لكن صوت خافت سيظنه ظهر من العدم ليدله على الطريق السليم .

يأخذ بيده بعيداً عن ذلك الجرف المغلف باليأس , ويرشده للطريق الصحيح بمفترق الطرق ليبعد الضياع عن قلبه , فصاحب ذلك الصوت لم يكن ولن يكون سوى العناية الربانية بك .

فالله دائماً من سيرسل لك شخصاً يمد يده ليخرجك من قاع اليأس والضياع لحياة مليئة بالأمل و الثقة بأن كل شيء ومهما صعب أو سبب الألم لن يكون إلا الأفضل لك !.

*****

فتح عيناه العسليتان بإرهاق شديد, نظر حوله ليرمش عدة مرات بمحاولة منه لإستعادة تركيزه ومعرفة كيف إنتهى به المطاف هنا, وماذا يريد عامر منه حقاً ؟ فهو قطعاً لم يعده للماضي لإنه رغب بذلك فقط وإنما هنالك أمر آخر يفكر به والسؤال الأهم هو كيف يعرف ذلك الرجل ماضيه وماضي أسرته فهو لم ينهي رحلة الذكريات تلك إلا عندما جعله يرى ردة فعل أسرته أيضاً .

وكأنه علم تماماً بأن ردة فعلهم كانت سبباً رئيسياً لما حدث بحالته النفسية لاحقاً وليست فقط الصدمة من موت شقيقته الصغرى , تنفس بعمق ليعتدل بجلسته وهو لا يدرك أنه امضى ما يقارب اليوم والنصف نائماً , إلا أنه قد شهق بخفة فهو ما إن نظر للأمام حتى رأى عامر يجلس بهدوء أمامه وابتسامة غامضة تعلو ثغره , تحدث هيثم بتوتر ملحوظ :" ماذا تفعل أنت هنا ؟ وما بال هذه الابتسامة البلهاء ؟"

ضحك محدثه بخفة وهو يجيبه:" أتريد ان ترى منظرك بالمرآة الآن ؟ أعني لماذا أنت خائف مني ؟"

تنفس بعمق شديد وقد أظهر القليل من البرود المصطنع وهو يجيبه :" لا شيء , ولكن أنا حقاً لا أظن أنك مجرد طبيب نفسي صحيح ؟"

ابتسم عامر بخفة وهو ينهض من مقعده ليجلس بالقرب من هيثم بالرغم من توتر الأخير الملحوظ وهو يتحدث :" لا , أعني لم أعد كذلك منذ زمن ( راقب عيناه اللتين ازدادتا حيرة ليكمل باستمتاع ) :" الحقيقة أنا فقط تخرجت من الجامعة بشهادة طبيب نفسي لكنني لم أعمل بها قط !"

إبتلع رمقه بتوتر ملحوظ :" وماذا تريد مني ؟ أعني أنت لماذا تعرف الماضي الخاص بي ؟ "

تنفس بعمق وهو يتحدث بإنزعاج :" لماذا على الجميع أن يخافوا مني بالنهاية ؟ ( وبصوته الهادئ ):" حسناً لا تقلق , الحقيقة أنني أريدك لتنضم لي بمهمة ما ولكن علي التأكد من أنك قادر على القيام بها وأنك تجاوزت أمر الماضي وتلك الحادثة تماماً "

نظر له وقد قطب حاجباه بتفكير فأي مهمة هي هذه التي سيرغب هذا الشخص بضمه لها ؟ الواقع هو أنه غير قادر على فعل أي شيء مطلقاً , وأيضاً عامر هذا لديه القصر في منطقة ذات شأن مرموق من الحكومة ولديه سفينة كانت تستخدم لتدريب الجيوش كملكية خاصة فماذا يريد من فتى مثله ؟ .

رحلة مع الذكريات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن