مطلع فجر البطل

389 13 32
                                    

ها نحن قد أخذتنا صفحات التاريخ للعام التاسع من الهجرة و الذي دعاه المسلمون بعام الوفود ، و ها هي مدينة رسول الله ﷺ تفتح صدرها الرحب لإستقبال كل صباح وفداً أو أكثر قدموا عليهم من انحاء الجزيرة العربية ليعلنوا إسلامهم بين يدي النبي ﷺ و يبايعوه على السمع و الطاعة .

و في أقصى المدينة غدا القعقاع بن عمرو يجوب أطرافها على صهو جواده القوي ببنيته الفتية التي قد زينتها الملابس العربية الفاخرة لتضفي على هيئته الفخامة و الهيبة المحمودة ، و في أثناء تجولاته بصحراء الجزيرة العربية أوقف رحلته البرية مرتجلاً عن صهو حصانه العربي على مشارف المدينة متقدماً بخطوات الفارس الواسعة نحو ناقة قد أنهكها الظمأ في وسط تلك الصحراء القاحلة غير قادرة على الحركة من شدة التعب ، حاملاً بيده قارورته ثم ساعدها برفق في ري ظمأها .. ليقطع تلك اللحظة صوت رجل قائلاً :
- جزاك الله خيراً .
إلتفت القعقاع ليجد نفسه في مواجهة رجل حبشي تتسم ملامحه السمراء بالطيبة و اللين ليسمعه يتابع قائلاً :
- من أي العرب أنتَ يا أخي ؟
و لكنه لم يجبه و توجه نحو فرسه معتليا صهوة و هم بالرحيل ، ليوقفه صوت الرجل قائلاً :
- هل تجد غضاضة في ذكر قومك ؟!
فإرتفع رأس القعقاع بشموخ قائلاً :
- انا تميمي و لي الفخر .
إبتسم الرجل قائلاً :
- نعم النسب .
فإرتفع حاجبا القعقاع متسائلاً بدوره :
- و أنتَ ؟
اتسعت ابتسامة الرجل و لكن بتواضع هذه المرة ليجيب قائلاً :
- أنا عبد من عبيد الله .
صمت القعقاع قليلاً و قد تعرف على أسلوب ذلك الحديث ليقول :
- من أتباع محمد ؟
فأجاب الرجل بفخر قائلاً :
- نعم ، و أحمد الله الذي من علىّ بهذا و أسأل الله لك الهداية .
لم يجبه القعقاع ليشد لجام فرسه مبتعداً و لكن صوت الرجل عاد ليوقفه قائلاً :
- ليجزيك الله جراء ما فعلت في هذا المخلوق .
كانت تلك العبارة كفيلة لتجعل من القعقاع يستدير مواجها الرجل متسائلاً بفضول :
- أدينك يقول هذا ؟
إعتدل الرجل في وقفته و قال :
- أخبرنا رسول الله ﷺ أن رجلاً إشتد به العطش فوجد بئراً فنزل فيها و شرب منها ، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل ؛ لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغنيه فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقي الكلب فشكر الله له فغفر له .
لم يتفهوه القعقاع ببنت كلمة فتابع الرجل بحماس قائلاً :
- فقال له المسلمون يا رسول الله و إن لنا في البهائم لأجرا ؟ ، فقال " إن في كل ذات كبد رطبة أجر "
فردد القعقاع بن عمرو متسائلاً :
- في كل ذات كبد رطبة أجر ؟
فأجاب الحبشي بثقة :
- نعم ، هذا ما قاله الصادق الأمين .
مرت لحظات من الصمت قطعها القعقاع قائلاً :
- ما قالت العرب مثل هذا الحديث !
ثم تابع :
- لعمري ما سمعت كلاماً أشد وقعا على النفس منه .
لم يكتف الرجل بهذا فأضاف قائلاً :
- و لك في كل حاسة حسنة .
فتعجب القعقاع قائلاً :
- إذا نفضت الغبار عن جوادي أثاب ؟!
فإختتم الحبشي كلامه قائلاً :
- نعم ، هذا ما أخبرنا به رسول الله ﷺ .
ليترك بطلنا القعقاع متخبطا في أفكاره و معتقداته التي نشأ عليها و التي تتصارع بعنف مع ما سمعه للتو من كلام هو أشد ما وقع في نفسه منذ نعومة أظافره ، فينتهي به المطاف منتصراً على ماضيه مقبلا على مدخل المدينة لينضم إلى رجال قبيلته الذين سبقوه لدخول المدينة .

القعقاع بن عمرو التميمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن