_الجو بارد.
تحرك و جلس بجانبها.
_نعم، الجو بارد لكن لا أحد يستطيع إنتزاع الدفء الذي نملكه بداخلنا.
نظرت إليه، ظل صامتاً. كأنه يفكر بالذي سيقول.
_سارح بأفكارك؟
استهزأت منه.
_لا أحب الاختلاط مع الآخرين لسبب آلمني، تغيرت منه، أنت قلت ذلك..!
شعرت به قد أحاطها بنظراته. التقطت ورقة من الأرض و قربتها من أنفها.
_رائحة اشجار الكاليبتوز.
عرضتها عليه أخذها.
_لماذا تتهربي؟
عيونه لم تبرح مكانها، لمحت رجفة سريعة في جفنه لكنها أسرعت بالرد.
_أريد ذلك..
الفصل الأول:مثل الرياح
هي كالعادة تتأمل أشجار الكاليبتوز العالية، مرت عليها سنين و هي ما تزال واقفة تعايش سنينها الماضية، أوراقها تتحرك مع كل نسمة هواء بارد. في هذه اللحظة تذكرت نفسها، كان يوم عيد ميلادها التاسع عشر و لم تستمتع بأي شيء من حولها. تسائلت لما كل هذا الحزن بداخلي؟ ضحكت على تفكيرها. هي تسأل نفسها دائماً هذه الأسئلة ولا تعرف الإجابة..! كانت نسمات الهواء الباردة تلامس شعرها الأسود، الغيوم تسللت و رسمت نفسها في السماء و كوب القهوة الساخن يعطي الدفء ليديها المتجمدة، أغمضت عينيها و حدثت نفسها.
_رائحة المطر.
_عطر الشتاء الفاتن..!
صوته تغلغل داخل أذنيها، تسللت الراحة إلى قلبها، كان أملها الوحيد كي لا تبقى وحيدة كعادتها.
_أتيت..!
غرقت بخواطرها التي إنسابت داخل عقلها، الرياح الباردة تعطيها السكون عندما تمس وجهها الجاف. مزق السكون صوته.
_وهل كنت تنتظرين؟
تصنمت برهة، كأنما هي تعود بذاكرتها إلى الماضي.
_لم أنتظر، و لن أنتظر يوماً.
سادت فترة من الصمت المربك، حتى تحدث.
_إذا لم تنتظري اليوم، سوف تنتظرين غداً..!
أردت التكلم، لكنها فكرت بالإجابة التي ستقولها، إكتفت بالصمت. لم تفتها لمحة سريعة في عينيه النجلاوين تدل على التشفي أو ربما الارتياح..تسألت لما التشفي؟ لكنها تظاهرت بأنها لم تر شيءً.
_وهل لازلت ترفضين قول إسمك؟
ضحكت على سؤاله، أجالت النظر إلى الأشجار العالية، كانت تضغط على مخارج الألفاظ وهي تقول.
_قلت لك إنني لا أملك إسماً.
كعادتها هي تتهرب من هذا السؤال، لم تفكر يوماً لماذا؟ لكن الذي تعرفه إنها تكره الحديث عن نفسها، تحركت و تركت مكانها حتى أوقفها صوته.
_سوف تأتين غداً؟
_لا أعلم...
سارت في الطرقات الفارغة، كانت تنصت لأصوات خطواتها على الأرض، هي تشبه هذا الصوت بالوحدة "حياتها" وصلت إلى البيت. فتحت النافذة ليدخل الهواء البارد، نسماته مست وجهها الجاف.
_رائحة المطر...عطر الشتاء الفاتن.
أرخت عضلاتها على الأريكة، ظلت تحملق بالسقف. تفكيرها تغلب على تعب عينيها. كان الجو رتيب، أنصتت إلى صوت ميل الساعة و هو يتحرك، صوته أشعرها بالضياع..! هي معتادة على منزلها الفارغ، المظلم، البارد.
_وحيدة دائماً...
دموعها ملأت مقلتيها. في هذه اللحظة تمنت شخصاً بجانبها، يربت على ضهرها، أو حتى يفتح أضواء بيتها العاتم..!
تقلبت كثيراً حتى غفت..