أول خطوة

297 21 14
                                    

الفصل الثالث: مثل الرياح

خَيط مِنْ الظَلام استوطن السَماء، كان هنالك نَسمة منعشة بالهواء تجلبُ الارتياح، معَ رائحة الكاليبتوز المُذهلة والهدوء كانَ سكوتٌ عقيمٌ بينهما، فلم يأخذ الحديث مَجراه، كانت تَشعر بشيء مِنْ الراحة والين ومنْ جانب آخر فَتجده مُظلماً، أَسوداً كالحفرة العَميقة!

حاولت عَدم الاكتراث وإعطائهُ نقطة من الاهتِمام  لكنها فَشلت!

ارخت عَضلاتها على المَقعد وسَحبت يدها بِبطء، أما هو فقد كان ساكتاً، لَم ينطق بِحرف واكتفى بالنظر فقط!

حتى كسر الصَمت المُحرج سؤاله.

_هل ترتبطين بشيء، اقصد إن كنتِ منشغلة فعليكِ الذهاب فالوقت تأخر!

إستمعت لكلاماتهِ وعلتْ ابتسامة على وجهها تظهر جمال عينيها اللامعة..

_لم يتأخر الوقت، ثم انني كلَ يوم اختلي هُنا، عليّ اهرب من العالمِ للحظة!

_نعم، العالم المخيف.. لكن أوهل تَعلمين ان التَملص مِنْ وجعناً ليس بحل.. 

_الذين يهربون، قد تأذوا وتألموا ولم يجدوا نقطة رجوعٍ، فأختاروا الاختباء وعدم المواجهة! لأنهم يعرفون لا يوجد حَل واحد قد يَستطيع ارجاعَ ايامهم!

فكر بكلامها، واشاح بوجهه، عندها عَرفتْ بأن الحديث قد انتهى فأرادت النهوض حتى تَكلم..

_ولماذا انتِ حزينة دائماً؟

تَعجبتْ مِنْ سؤاله ونبرته المُندفعة، كان بمثابة اول حديث متعمق قد دار بينهما، تأملت وجهه وذهبت بعالمٍ آخر بِعينيه!

فقد كانت عَيناه سوداء صارمة لكن بها شيء من الراحة، بَشرته سمراء معَ فكهُ المشدود، ملامحه شَرقية. لم يسبق لها ان رأته هكذا مِنْ قَبل! رغم انها تراه يَومياً..!

السرور بدى واضحاً على الشاب، فقد اعجبه مدى سرحها بملامحه. اجابته بعدما شعرت بالاحراج الكبير الذي وقعت بشباكه.

_القَدرّ يكتبُ الحزن لنا ودائماً..

ثم اردفت.

_طابَ مَساءك يا سيدي، يومكَ جميل.

_ستَذهبين! اوهل سَتأتين غداً؟

_لا أعلم..

_نَفس الإجابة!

_ودائماً..

خَطت خطوة، لكن يدهُ اوقفتها، فقد جذبها إليه.

_حسناً، عينيك الحزينة قد اذابتني.. اوه... لا أعلم!

كان يتأتأ بِكلامهِ، لم يسيطر على عواطفه وعمق انفعالاته الّتي كان يخفي كل آثارها، لعنَ ذاتهُ اثر كلماتهِ فقد كانت كالرياح العاصفة البارِدة الّتي تأتي بغير موسمها بعزِ حرِّ الصَيف!

عدة ثواني تَمر وكلاهما لم يَنطقا حَرفاً! هبتْ نسمة هواء وتوقفتْ انفاسهما، وقد سَكن كل شيءٍ حولهما! لم يشأ أي احدٍ منهما قطعَ هذه الّلحظة. أخذ كلاهما ينظر لعيني الآخر، كأنهما بعالمٍ بعيدٍ أو حتى ببحرٍ هائج بين قيود الحيرة والخوف مِنْ الواقع..

_أنا لا.. لا أعلم ما بيّ..!

تكلمَ مع رجفةٍ بكلماتهِ، ابتعدت خطوة عنه ولم تنطق بأي كلام، لَمْلمَ شتات نَفسهُ مُحدثاً.

_كنت أريد القول، هل لديكِ الوقت للذهاب لنزهة؟

فكرتْ بذهنها، ودارَ حوار داخلها.

هيَ لم تخرج للتنزه مُنذ أمدٍ بعيد، ضحكت بِسرها فهي غالباً قَد نَسيت كلمة "نزهة"

رفعتْ نظرها إليه، وتكلمت.

_بالحقيقة، أنا لا…

قاطعها قائلاً.

_لا أريد إعتذاراً، غداً سأنتظركِ هنا مثل كل يوم، ولن أغادر إلا وانتِ معي..

كان وجهها متحيراً، وتفكيرها مشتت. لَم يعطيها أيُّ مجالٍ للرَفض، اردف قائلاً.

_لماذا كل هذهِ الحيرة المرتسمة على وجهكِ؟ انها نزهة فقط، صدقاً أن نيتي ليستْ سيئة..

_حسناً، غداً سأكون هنا! لكن، الى أينَ سنَذهب؟

بَصيص مَنْ السعادة أنارَ وجههُ الأسمر.

_مَكانٌ يَفتنكِ..

مثل الرياححيث تعيش القصص. اكتشف الآن