2- المطلوب رقم واحد

3.3K 60 0
                                    

قالت المربية بريغس وهي تحمل صينية الشاي الى غرفة الجلوس :
- افترض انه بعد ان عض هاري على جرحه وقبل بك شريكا له بقيت هنا بسبب تلك الشابة الفائقة الجمال التي جاءت الاسبوع الماضي لتشكرك على مساعدتك امها على الطريق .
بدا على جيثرو نفاد الصبر. فهو لايدري مالذي جعله يبقى هنا ومن المؤكد انه لا يريد التحدث في هذا الموضوع وراح يسترجع في ذهنه احداث الايام الثمانية الماضية فعند وصوله كان ينوي القيام بزيارة خاطفة فحسب ولكن اذا به يجد هاري على فراش الموت يتأوه ويئن وقد اقعده المرض كما ان سيارته الفان تحتاج للتصليح فكيف له ان يصلحها وهو بحالته هذه وان يتسلق السلالم وهو لا يكاد يستطيع الوقوف على قدميه ؟
فوجد جيثرو نفسه مضطرا الى اخذ السيارة الى الكاراج يبعد عدة شوارع عن البيت واثناء عودته عثر على امرأة انيقة رشيقة منهارة على الرصيف علم فيما بعد انها والدة آلي .
وعندما افاقت اخبرته انه لم يغم عليها من قبل فأوصلها الى منزله واصر على ان يعد لها فنجان شاي ويبقى عها حتى تعود اختها من عملها .
كانت المراة تدعى لورا برانان ولم يكن قد عرف بعد صلتها بألي وعلى الرغم من ضعفها وشحوبها خيل اليه انها كانت في صباها آية في الجمال ولكن لحزنها الذي في عينيها اثار قلقه فاستغل فرصة وجوده لوحده مع اختها ليقول لها :
- لا اريد ان ابو متشائما لكنني ارجو منك اقناعها باجراء فحوصات طبيه عامه .
- سأبذل جهدي لكنها لا تريد ان تتوقف عن العمل ولو انها تعلمت مهنة جيده بدلا من الاعتماد على رجل عديم النفع لما اضطرت لتنظيف بيوت الناس طوال النهار والمكاتب حتى منتصف الليل مرتدية ثيابا بالية .
بدا واضحا ان الاخت فران تكره الرجال ...
ودعها وغادر المنزل نابذا هذه الحادثة من ذهنه ولكن في اليوم التالي وبينما كان واقفا على السلم الالمنيوم يغسل نوافذ مربيته بريغس اذا بالمرأة التي شغلت ذهنه خلال الاشهر الـ12 الماضية تتوقف على مقربة منه لتشكره على مساعدته امها .
ذهل لرؤيتها مرة اخرى وعجز لسانه عن الكلام ولكنه ما ان تمالك نفسه حتى حسم امره فهو لن يتركها تفلت منه من جديد ولن يدع العمل يحول دون ملاحقته لها .
وعند المساء قرر اخذ اجازة من العمل فارتدى سروالا قديما تعلوه قميص بالية اللون وهي الملابس التي يرتديها عادة في بيته الريفي حين يتفحص الاسيجة او يساعد البستاني .. ثم اجتاز تلك المسافة القصيرة التي تبعده عن منزلها حيث تعيش مع امها حاملا معه باقة ازهار لهذه الاخيرة .
وامضى بعد ذلك ساعه في الثرثرة وشرب الشاي فرحة الام بالازهار وعرفان جميلها لأنه ما زال يتذكر بيتها مسه ضميره لاسيما عندما بدا واضحا انها ظنه منظف نوافذ يكافح في سبيل لقمة عيشه .
خلال زيارته تلك اكتشف بعض الامور فأليسا ستبقى في المنطقة عدة اسابيع ولم تشأ له ان يعرف نوع مهنتها لأنها اقفلت الموضوع تماما عندما ابتدأت الام لورا تتحدث عن الازياء .
بدا له وكانها لا تريد منه ان سرى الناحية المتألقه من حياتها كي لا ينظر اليها نظرة رجل لامرأة ولكنها لاتعلم كم تبدو الآن مثيرة في تنورتها القطنية وبلوزتها المحتشمة .
وشعر بغصة امام انوثتها الفائقة اذ لم ير يوما شيئا يضاهي جمال مشيتها هذه . والحقيقة انه لم يستطع ان يسلخ نظراته عن قوامها الرقيق وعينيها الخلابتين الداكنتي الزرقة اللتين تزينهما اهدابها الطويلة وشفتيها الممتلئتين .
ولكم ازدادت فرحته حين تلقى دعوة الى العشاء في الليلة التالية . على الرغم من النظرة السريعه العابسه التي رمقت بها آلي امها وابتسامتها الضجره عندما قبل الدعوة لم يمنعه ما رأى منها القبول فهو يعشق التحدي .
عاد الى منزل مربيته وهو يقسم انه سيمحو ذلك الضجر من شفتيها.
سألته مربيته وهي تناوله القهوة السوداء الثقيلة التي يحبها:
- هل افهم من التذمر البادي عليك انك لم تحصل على اكثر من تناول الشاي مع امها ؟
هز رأسه وهي تضع طبق البسكويت على المنضده آملا ان تقفل الموضوع لكنها استمرت بالكلام قائلة:
- خلال الاسبوع الماضي كنت تخرج كل مساء تقريبا للاطمئنان عن حال السيدة برانان لتعود بعدها عابسا وعلى وجهك ملامح التصميم ولا يمكنك ان تنكر ذلك .
لكنه لم ينكر فعندما قبل دعوت لورا الى العشاء احرز تقدما مع آلي اما حين كان يزورها للاطمئنان عن حالها فحسب املا ان تقبل آلي دعوته للتنزه على ضفاف النهر او لمرافقته الى سوق المدينه فقد كانت ترفض بأدب .
لكن رفضه هذا زاده اصرار وعزما على جعلها تغير رأيها به فتابدله المشاعر الملتهبة نفسها التي يكنها لها .
ولكن في الليلة الماضية اخبرته لورا ان آلي عادت الى لندن ولمحت له بطريقتها الرقيقة بأنها آسفة للغاية لأنه يضيع وقته فابنتها لا تهتم بالرجال .
وكان المعنى واضحا وهو ان آلي فتاة تكره الرجال .
وراح يقطع الشوارع المضاءة بنور الشفق بخطوات متثاقله وقد تملك الغضب .. الغضب من نفسه اكثر منه من آلي لأنه كان موضع سخرية فدفعه ذلك الى ان يستعجل هاري ليقبل به شريكا ممولا .
- انها خطة التوسع اشتر فان في حاله جيده واكتب اسمك ورقم هاتفك على جانبه واستخدم عاملا ودربه على العمل فإن لم تفعل ذلك فلن يتحسن عملك ابدا .
سيهتم محاسبوه بالامر حتى لا يكتشف الرجل العجوز ان ارباحه تأتي من حساب جيثرو الخاص فهو يريد ان يضمن مستقبل مربيته .
بعد انتهاء المناقشة ذهب هاري الى الفناء ليتفحص الفان الي يكاد يكون جيدا بينما دخل جيثرو ليحزم حقائبه محاولا ان يبعث الحماسه في تلك الاجازة غير المستعجله وان ينسى اليسا برونان ايضا .
لكن المربية كان لها رأي اخر فقالت له بجفاء :
- عليك ان تحسن مظهرك ياسيدي الصغير ارتد ملابس انيقة عندما تذهب لزيارتها واحمل لها باقة زهر وعلبة حلوى .
انها تعلمه كيف يغري النساء ولكن كي له ان يقول لها انه لم يجد يوما صعوبة في الوصول الى المرأة بل الصعوبة هي في ابعادهن عنه ؟
ماكان ليتعذر عليه ان يشتري لآلي مصنعا من الشوكولاته وحقلا من الازهار او حتى ان يطال القمر ويضعه بين يديها !
ان كفاحه الشاق في الحياة وخبرته في النساء جعلاه يعلم ان ملاينه ستسهل عليه طريق الوصول اليها لكنه ارادها ان تحبه لنفسه وليس لثرائه هذا ما كان يسعى اليه قبل ان يعلم انها تكره الرجال وشعر بأنه احمق رجل في العالم .
ابتلع جرعة من قهوته قبل ان يهب واقفا فراحت المربية تنظر اليه مذهولة وهو يدور في انحاء الغرفة يسوي الستائر وو شارد الذهن يحاول حتما ايجاد طريقة يصلح بها حياته العاطفية .
كان على وشك ان يعلن عن رغبته في احضار سيارته الجاغوار والتوجه الى التلال عندما سمره صوت المربية مكانه .
- يبدو لي ان ملاحقتك لهذه الفتاه ليست من طرف واحد لأن السيدة التي يهمك امرها على وشك ان تقرع جرس الباب .
*&*&*&*&*&*&*&*
لم يسبق ان شعرت آلي بمثل هذا التورت من قبل. فمنذ رأت سيارة جيثرو الفان القديمة متوقفه امام المنزل رقم 182 اخذت تذرع الرصيف ذهابا وايابا محاولة استجماع افكارها لمقابلته .
كانت قد صممت على ان تسلم جدته رساله تطلب منه فيها ان يزورها بعد الانتهاء من عمله لأنها تريد منه خدمة .
كانت تعلم انه يعيش مع جدته لأنهه سألته اثناء تناوله العشاء في منزلها عما اذا كان يسكن لوحده قأجابها قائلا :
- اعيش حاليا مع ....
توقف فجأة عن الكلام مما جعلها تظن انه يشعر بالخزي لأنه يسكن مع شخص في مثل سنه لأنه غير قادر على دفع اجرة المسكن لنفسه .
ويوم اصطحبت امها الى السوبر ماركت في سيارة فران وضعت يدها على ذراعها بعجله عند وصولها اما منزل جدته قائلة :
- قفي يا آلي ذلك هو الشاب الرقيق الشهمم الذس نقلني الى البيت بعد ان اغمي علي في الشارع .لم استطع يومها ان اشكره كما يجب واريد ان افعل ذلك الآن .
العجوز الصغيرة الجسم البيضاء الشعر التي تقف عند اسفل السلم تصدر له تعليماتها وتنبهه الى الزوايا اشرق وجهها عندما شرحت لها لورا ماحدث وصاحت له بشكرها الى اعلى السلم وحذت آلي حذوه فكل من يسدي معروفا الى اها يستحق شكرها .
بدا على الرجل الواقف في اعلى السلم وكأنه تلقى صدمة تاركا السيدة العجوز تؤكد على ان جيثرو يتمتع بقلب كبير , وانه تمت تربيته تربية حسنة ولكن عليهما ان يعراه لأنه لم ينزل عن السلم فهو جديد في العمل مع انه سريع التعلم .
استنتجت آلي عند هذه النقطه ان جيثرو رجل خجول الى حد لا يستطيع معه ان يتحدث عن نفسه وربما ليس ذكيا فشعرت بالاسف العميق نحوه .
فهو في بداية الـ30 من عمره ويحاول تعلم تظيف النوافذ بينما وسامته البالغة ورجولته النابضة وشعره الاسود الناعم وقامته الرائعه تتيح له ان يكسب ثروة طائلة من العمل في حقل عرض الازياء فاستعجلت امها بالذهاب لتوفر عليه مزيدا من الارتباك .
لكن رأيها فيه تغير كليا عندما زارهن حاملا باقة كبيرة من الزهر لأمها وجلس مسترخيا بالغ الثقة بنفسه وفي كل مره كان يرفع فيه نظره اليها كان يخيل اليها وكأنه يأكلها بعينيه وفي كل مرة دعاها للخروج كانت ترفض آمله ان تجعله يفهم انها لا تهتم ابدا لما يدور في ذهنه وها هي الآن نريد ان تطلب منه ان يتزوجها .
شعرت بالغثيان وعصر اللألم قلبها لكنها ما لبثت ان تمالكت نفسها لتقف اما الباب بكل ثقة بالنفس .
خطر لها انها تترك له رساله حتى يتسنى لها الوقت الكافي للتفكير في ما ستقوله له .
لكن لماذا بقي اليوم في المنزل ولم يذهب الى العمل ؟ اتراه تأخر في النوم ؟ ام خسر زبائنه لعدم كفائته ؟ او لعل ذلك الفان القديم قد تعطل ؟
مهما كان السبب فهو سينتهز الفرصة ليكسب مبلغا من المال .ولم يكن امامها سوى ان تطلب منه ذلك الآن . ففي الامس وصلت متأخره الى شروزباري ووجدت امها مستيقظه تشاهد التلفزيون فاضطرت ان تشرح لها ما حصل عند محامي عمها فابيان وتعيد عليها الحديث كلمة كلمة .
كانت تفكر ان تؤدل الموضوع الى ان تحل هذه المشكلة او تتخلى عن الفكرة برمتها لكنها لم تستطع ان تكذب على امها .
منظر السعاده على وجه امها حين علمت ان شقيق زوجها قد ترك قصر ستدلي لابنتها آلم آلي اكثر من الاحباط الذي بدا في تينك العينين الزرقاوين وهي تخبرها عن الشرط . تنهدت لورا قائلة :
- هكذا اذن .. لطالما كان متحجر القلب .
ضمتها آلي في تلك اللحظة بين ذراعيها وقد ازدادت تصميما على ان تحقق حلم امها وتعيد لها ذلك المنزل الجميل الذي امضت سنوات طويلة تحن اليه .
- لا تنبسي ببت شفة امام احد ولا تندهشي لما قد يحدث اظنني اعرف الطريقة المناسبة لاستعيد البيت .
خرجت تلك الكلمات من فمها بسهولة في غمرة العواطف ولكن الامر تغير تماما في وضح النهار .
لم يكن امامها سوى المحاولة ويمكنه ان يرفض ان شاء ...
استقامت في وقفتها ودست خلف اذنها خصلة شعر افلتت من العقده التي تربطها .
فتح الباب قبل ان ترفع اصبعها عن زر الجرس وقالت لها جدته :
- الانسة برانان اليس كذلك ؟ تفضلي بالدخول .
بعث مظهر السيده الاطمئنان في نفس آلي فقد كانت ترتدي مئزرا يغطي جسمها البدين وملامح وجهها الرزينه تتناقض مع عينيها الباسمتين وراحت آلي تفكر بأن جدته امرأة يمكن لأي فناة ان تطمئن اليها ثم قالت بسرعه :
- لا اريد ان ازعجكم هلا سلمت هذه الرسالة لجيثرو .
- ولم لا تسلمينه اياها بنفسك .
وتنحت جانبا لتدع الفتاة تمر .
حاولت ان تهدئ من خفقان قلبها وهي تتخطى العتبة وبدا ان السيدة العجوز لا تحبذ المضطربين اذ قالت لآلي وهي تسير امامها:
- من هنا لو سمحت قولي ما عندك واريحي الفتى المسكين من تعاسته بأي طريقة كانت .
ودفعتها بيد حازمة الى غرفة الجلوس التي تعج بمقاعد ثقيلة الوزن من طراز العهد الفكتوري سمعت الباب ينغلق خلفها ووجدت نفسها تحدق الى ظهر جيثرو كول .
بدا مستغرقا في تأمل المناظر من النافذه ولكنها لم تكن واثقة ما اذا كان بامكانه ان يرى شيئا من خلال تلك الستائر السميكة , وتذكرت فجأة كلام جدته والحاحها عليها ان تريحه من تعاسته ولما حاولت حل هذا اللغز ازداد اضطرابها حدة .
اخذ قلبها يخفق فتنحنحت لتنبهه الى وصولها وعندما استدار نحوها ببطء شديد شعرت وكأنها تنظر الى انسان غريب فذلك الرجل البسيط الظريف الجذاب اختفى ليحل محله رجل صلب الملامح بشكل متغطرس في عينيه نظرة بارده لا مبالية .
وعلى الرغم من انه كان يرتدي سرواله القديم وقميصه البالي استطاع ان يحيط نفسه بهالة من السلطه واتسعت عيناها وهي تراه اكثر ارهابا من جدته التي لاتهزم .
اسبل جيثرو جفنيه وتلاشت الابتسامه التي كانت تحاول ان ترسمها على ثغرها وبدا القلق في العينين الواسعتين الداكنتي الزرقة لأول مرة تبدو ضعيفة الى هذا الحد حتى الهدوء البارد الذي كان يلازمها امحى بطريقة بأخرى .
رفعت يدها الى فمها لتخفي شبه ابتسامه استحالت الى عبوس فجاءت هذه الحركة لتناقض رشاقتها المعتاده اذ كانت اقرب الى الارتباك الاخرق .
اخمد رغبة ساورته في ان يزيل قلقها بكلماته الرقيقه وليقول لها انه مستعد لحل كل مشاكلها فهي ليست له ولن تكون له ابدا لأن مشاعرها تأخذ منحنى مختلفا .
مال الى الخلف وسألها بفتور محطما جدار الصمت بينهما :
- كيف يسعني خدمتك ؟
ثم نظر الى ساعته وكأنه يعد الثواني التي يمكنه ان يمكنحها اياها.
جاهدت آلي لتتمالك نفسها . ماهذا ؟ انه مجرد رجل .. لم يستطع أي رجل ان يرهبها من قبل وهو لا يختلف عن غيره وتلك الملامح الخشنة الكئيبة قد لاتكون اكثر من مجرد نكد وشراسة ولعل غروره مجروح لأنها رفضت بعناد الخروج معه .
حسنا ستقدم اليه الآن اكثر من مجرد مواعيد سخيفة والمال , المال الكثير .
عدلت كتفيها تحت قميصها القطني الذي كان يعلو سروالا اخضرا فضفاضا قديما لا يثير فيه أي مشاعر ثم اخذت نفسا عميقا وقالت بهدوء :
- اريد منك خدمة وسأدفع لك في المقابل مبلغا كبيرا .
ثم نطقت بالمبغ الذي لديها وهي تراقبه بدقة لتسجل تغير ملامحه ولكنه لم يبد أي اهتمام بالامر . كانت واثقة تماما من انه سيطير فرحا لحصوله على هذه الثروة الصغيرة ثم يبدأ بطرح الاسئلة عما تريده منه وشعرت بخيبة امل كبيرة ما لبثت ان تحولت الى احساس بالانزعاج .
كانت تبذل جهدا بالغى للتفاهم مع هذا الانسان الضخم المرعب ! ولابد ان جدته العزيزة مسمرة خلف الباب تسترق السمع . فقالت بصوت يلفه القنوط :
- افضل ان نذهب الى مكان اخر حيث يمكننا ان نتحدث على حريتنا . ولكن علي ان اخبرك ان المبلغ الذي ذكرته لك غير قابل للزياده .
قالت هذا حتى لا يخطر بباله ان يرفع الملبغ .
فاكتفى برفع حاجبه قليلا مما اثار سخطها لماذا لا يقول لها لا . شكر. اذهبي من هنا وينتهي الامر ؟
- ان كان الامر لا يهمك فكن صريحا معي حتى لا اضيع المزيد من وقتك الصمين !
ادرك انها على وشك ان تنفجر غضبا وهذا ماكان يتمناه فرؤية تلك المرأة التي طاردها بكل جوارحه تلك المرأة التي لم تمنحه قط نظرة خاصة هذه الرؤية اثارت طباعه والشعور بأنه كان احمق .استدارت على عقبيها ونفاذ الصبر باديان عليها فقال لها :
- الامر يهمني .
ثم لعن نفسه لأنه لم يدعها ترحل وتغيب عن بصره وعقله . لكنه اضاف بعد ان رأى الارتياح على وجهها وهي تعود فتستدير نحوه .
- يتملكني الفضول لمعرفة الخدمة التي ستفعين لأجلها هذا المبلغ .. هل نخرج ؟
تركها منتظرة في الردهة دقيقة او اكثر بينما ذهب حسب ما خيل اليها لخبر جدته بخروجهما معا . ستطلب منه تلك السيده العجوز ان يخبرها ان كان وماذا فعل ؟ اتراها تبالغ في حمايته بسبب ضعفه وعدم مهارته او مبالاته ؟
لم تستطع ان تقتنع بذلك خصوصا بعد دخولها الى الغرفة واحساسها بتلك الهالة من السيطرة التي تحيط به ورؤيتها تلك النظرة البارده المتفحصة في تينك العينين الذهبيتين .
وارتجفت لدى سماعها صوته :
- جاهزة ؟
- نعم .
ولحقت به ولكنها توقفت عندما فتح لها باب الفان القديم وقالت:
- من الافضل ان نذهب سيرا على الاقدام الى الحديقة العامة ونجلس على مقعد خشبي .. ما من داع للذهاب في سيارة .
بدت لها السيارة على وشك ان تنهار وفكرة ان تصعد فيها معه زادت من توترها .. ستشعر براحة اكبر في الهواء الطلق وبين الناس .
وقفت مسمرة مكانها على الرصيف ولكنه قال برفق :
- ارى ان نذهب بالسيارة لارتشاف فنجان قهوة في مقهى اعرفه له حديقة خلفية تطل على النهر . وان طال حديثنا نبق على الغداء .
ولوى شفته مضيفا :
- اتخشين ان يراك احد في سيارة كهذه ويسئ الى صورتك كعارضة ازياء مشهورة ؟
انه يعلم اذن! ولن تسأله كيف الا انه مس وترا حساسا فيها , فراحت شفتاها ترتجفان وقالت بغضب وهي تربت على بنطلونها الفضفاض :
- اتظن انني كنت سألبس ثيابا مماثلة لو انني اخشى ذلك ؟
ثم صعدت الى السيارة لتبرهن له ولكنها ما لبثت ان ندمت على ذلك وتمنت لو انها اصرت على مرافقته سيرا على الاقدام الى الحديقة العامه .
حتى قرقعة محرك السيارة لم تخفف من الصمت الذي ساد بينهما مما زاد من اضطرابها. في الواقع لم تفهم آلي ما اصابه .
فطوال الاسبوع الماضي اظهر حماسة ولهفة لصحبتها وقد بدا جليا انه مفتون بها ويريد الخروج معها . واذا به يتصرف الآن وكانه يكرهها كل الكره هي التي ظنت انها عثرت على الرجل المناسب خالي الوفاض من المال والآمال بعيد عن غرور الرجال الذي يجعلهم يظنون ان المرأة تنصاع لإرادتهم من نظرة واحده .
تنهدت من دون وعي فرفع جيثرو نظره اليها واذا بالالم يعتصر فؤاده وهو يتأمل وجهها الشاعري وجبهتها العريضة وانفها الصغير المستقيم وشفتها العليا الممتلئة وفمها المثير وبشرتها النقية التي لا تشوبها شائبة وشعرها الذهبي المضموم الى الخلف ليكتشف عن جيدها الطويل الرقيق .
منتديات ليلاس
عاد يحدق في الطريق اماه وقد توترت ملامحه كان عليه ان يخبرها بانه لا يهتم لمالها ويتركها تذهب في سبيلها فقد جعلت منه رجلا احمق من دون ان تقصد حقا . فما الذي يجبرها على تعليل سبب كرهها للرجال غريب ؟
شعر بالضيق والانقباض وهو يوقف السيارة في فناة مقهى جميل على ضفاف النهر .
لقد جاءا لارتشاف فنجان قهوة فحسب فما الداعي الى الغذاء ؟ ولماذا البقاء طويلا معا ؟ عاجلا او اجلا ستطرح مشكلتها ليقدم لها النصيحه المناسبة ثم يعيدها الى بيتها ونسى كل شيء عنها وعن مشاعره نحوها .
كان يدس يده في جيبيه ليخرج ثمن القهوة عندما رآها تفتح حقيبة كتفها وهي تقول بهدوء :
- دعني ادفع ذلك .
ثم اعطت الموظف ورقة مالية اراد جيثرو ان يغادر المقهى على الفور اذ لم يعتد ان تدفع عنه امرأة وكره الاستعلاء الذي تعامله به لأنها ستدفع له اجر خدماته ولكن قبل ان ينتهي هذا النهار البائس سيخبرها عن نفسه ومن يكون .
كلمات قليلة منه تدرك هي بعدها ان النقود التي وضعتها على المائده اجرا لخدماته قد تكون في نظرها كثيرة لكنها بالنسبة اليه مجرد فكة يضعها في جيبه .
وبينما كان مستغرقا في افكاره اشار الى باب يؤدي الى حدائق تغمرها اشعة الشمس وتشرف على النهر .
تبعها الى المائدة الوحيدة ذات المظلة وانعكس ظل المظلة الخضراء على آلي فبدت بمظهر خلاب ويداها الرقيقتان تسويان خصلات شعرها الذهبي وتدسانها خلف اذنها مما جعله يشعر بغصة في حلقة واأسفاه عليها !
لكنه عاد فذكر نفسه بحزم ان ليس بامكانها ان تغير ماهي عليه وأسف لجمال هذا الوجه وتقاسيمه هذا الوجه الجميل الذي خلق للحب .
اخذ يزمجر بصمت وهو ينتظر تقديم القهوة فاستقام في جلسته ليدخل صلب الموضوع لأن الانتظار اصبح ضربا من التعذيب النفسي . كان يريد ان تخرج من حياته .. تخرج منها الى غير عودة .
- والآن ماهي الخدمة التي تريدين ان تعطي عليها اجرا ؟
توقفت آلي عن العبث بخصلات شعرها وامسكت بطوق حقيبتها لتخفي ارتجاف يديها لقد حانت اللحظة وبصراحه كانت مذعورة للغاية . اذ ليس من السهل ان يمتثل رجل مثله لرغباتها . هذا الرجل المقطب الجبين لايقدم على عمل لا يريده وليكن الله بعون كل من يحاول ان يحمله على ذلك .!
لكنها سبق ان خطت الخطوة الاولى فلتمضي قدما اذن .
وقالت :
- اريدك ان تتزوجني .

كذبة بيضاء_روايات عبيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن