*أشواق*
الحلقة الأولي:
حافظة .. صورة .. ورقة .. خاطرة .. هذا كل ما دار برأسه وما فرغه عقله الباطن أثناء نومه
فتح عيناه بتثاقل وتمطء بالفراش ثم أنتصب جالسا علي فراشه وتناول ساعة يده التي وضعها ليلة أمس بجواره .. نظر فيها فإذا بالعقارب قد قاربت علي الواحدة ظهرا ..
نفض الكسل والخمول عن سائر جسده وعقله ووضع ساعته جانبا ثم وثب قائما متجها نحو شرفته
نظر إلي السماء حيث بدأت خيوط الشمس تتسلل من النافذة تاركة وراءها ظلا لطيفاً مشوبا ببرودة ناعمة داعبت وجنتيه النابتتين ببوادر لحيته ثم نظر من النافذة وإذا بقرص الشمس يوشك أن يتوارى في الأفق البعيد وراء البيوت القديمة والمباني الحديثة التي تحيط به
أخذ يستنشق عبق الهواء النقي مغمض العينين وإبتسامة خفيفة تطفو علي شفتيه
وإذا به يسمع همسا ناعما هادئا:
-تعالي .. أمشي .. سيبني .. سيبلي ضلك .. يراقبني .. أملكه .. ويملكني ...
لا اراديا التفت بنظره نحو مصدر الصوت .. اضطرب منه قلبه وأرتعش جسده .. فأخذت تتراءي له الأفكار؛ .. تلك الفتاة التي يحتفظ بأغراضها البسيطة تحديدا بحافظتها التي وجدها بمحطة القطار منذ يومان والتي تحتوي علي صورتها وورقة بدت له بعد أن قرأها أنها خاطرتها .. لا يعلم ماذا حل به لدي رؤيتها ..
لولا أنه انجذب لصورتها لكان ترك حافظتها ومضي في سبيله غير عابئا بها .. ولكنه ما أستطاع .. فهي لها مفعول السحر عليه بالرغم من أنه لم يراها أبدا إلا بصورتها وبأحلامه فقط ..
سأل نفسه كيف أستطاعت أن تأخذ حيزا كبيرا من تفكيره ومن عواطفه في هذان اليومان؟!
أيمكن أن يكون حب؟! .. هراء هراء .. قال لنفسه ..ولكنه في كل مرة كان يخلو فيها الى نفسه كان يتساءل السؤال الأهم: هل ذهبت إلي محطة القطارلأعشق حلماً او خيالاً؟؟وهل حقا جننت لأعشق من خلف قضبان الأحلام فتاة تظهر وكأنها سراب؟
أستسلم لأسس العلم وفلسفة العلماء واقنع نفسه أن ما راوده ما هو إلا خيال وما صاحبة الوجه الجميل بالأحلام هذه إلا وهم بعيد المنال غير خاضع حتي لمجرد التفكير فيه و أن وجودها لا يخضع لأي إحتمال
ومع هذا وفي لحظات الجد كان فكره وخياله يسرح فيما يري كان لا يصحو على نفسه إلا وهو يكتب اشعاراً لها ويرسم لعينيها ما رق من الكلام حتى وجد نفسه في نهاية المطاف ينظم عواطفه في خيوط من نور جمالها الأخّاذ الذي تعجب من رؤيته بوضوح لدي أحلامه ..
أهي مس من الجان؟! أم ملاكا هبط من الجنان؟! لا يعلم وهكذا علي مدار هذان اليومان أصبح أسير محبة فتاة حلمه فأحببها حبا لا يعرفه إلا من هزت جدران قلبه اشعة الحب وسحره الذي لاينضب...
حتي إنه كاد يجزم أنه أصيب بالجنون ..
أقنع نفسه أخيرا أن الحلم لا بد أن ينتهي وأن ما عاشه بأحلامه إنما هو حلم يقظة والعلم يؤكد: إن مر إنسان بتجربة كتلك فإنها تكون بداية مرض نفسي عنده وعليه أن يخضع للعلاج وخصوصاً إذا وصل به الأمر لدرجة الافراط في التخيل والتصورات ... ومن أسباب هذه الظاهرة المرضية إحساس الشخص في المجتمعات التسلطية والسلطوية بالحرمان والأنقياد والقهر والعجز...
خلقت الحياة لتستمر لا لتتحنط أوتحفظ في ثلاجة الموتي بهذا كان يواسي نفسه فيحاول اشغالها بكل شيء حتى لا يترك لنفسه مجالا أو ثغرة يتسرب منها ذلك المرض اللعين إليها ..
مضي عليه هذا الوقت كله وهو غارقا في بحر تخيلاته .. فأفاق من شروده وأعتبر أن شيئا لم يكن حاول أن يقاوم صورة وجهها الجميل وغنائها البديعي وإبتسامتها العذبة الملائكية .. فدلف إلي حمامه وأخذ حماما باردا يطفئ به شعلة تفكيره الحارقة بخاطره وما أن أنتهي حتي خرج وأرتدي ملابسه فتناول فطوره ثم وجد هاتفه يعلن عن إتصال أحدهم بتصاعد رنينه ..
فتناول هاتفهه بعدما علم من المتصل ثم أجابك
-ألو.
-إيه يابني إنت فين؟؟
-في الدنيا يا سعيد.
-إيه يا أحمد مالك؟؟ ..صوتك مش عاجبني.
-والله مخنوق أوي ياسعيد عندي مشاكل هتفرتكلي دماغي من كتر التفكير ده غير الضغط إللي علي أعصابي.
-طب أنزلي ع القهوة ونتكلم أنا مش فاهم منك حاجة في التليفون ولا وراك حاجة؟؟
أبتسم بسخرية ثم قال:
-هيكون ورايا إيه يعني .. ما أنا مبلط في البيت أهو ليل نهار بقالي يومين.
-طب تعالي يلا مستنيك.
-ماشي نزلك.
ثم أغلق الخط وسحب مفاتيحه وهبط من شقته متجها إلي المقهي الذي يتوسط شارعه والذي يقع في حي شعبيا حيث الاطفال يلعبون ويهللون ويتشاجرون والأمهات تتعالي أصواتهن من بين مزاح وضحك وغيره
ظل يمشي بين كل هؤلاء إلي أن وصل عند صديقه الجالس علي مقعد أمام المقهي وبيده كوب من الشاي وسيكارة عالقة بين أصابعه:
-أهلا يا أبو حميد كرسي هنا ياحسن.
قال"صديقه"هذه الجملة مرحبا به فتهلل وجهطأحمد"بأبتسامة باهتة أثر شقائه المعتاد فقال وهو يجلس:
-مزاجك عنب علي طول إنت .. يابختك ياسيدي.
-إيه يا أحمد مالك أحوالك في اليومين دول مش عجباني .. في إيه ومابشوفكش بتروح كليتك ليه؟؟
-أنا أحتمال أترفد من الكلية أساسا ياسعيد.
فتوقف"سعيد"عن الشراب بسرعة ثم قال:
-ياليلة سودة .. ليه؟؟
فأمتقع وجه"أحمد"قائلا وهو ينظر لـ لاشئ أمامه:
-ما أنت عارف البير وغطاه ياسعيد .. الفلوس إللي بتجيلي من أبويا في البلد يادوب بتكفي إيجار الشقة ومصاريف البيت .. وباجي في نص الشهر بحتاس .. مابقدرش أروح الكلية مابيبقاش معايا تمن تذكرة القطر عشان أروح ولا حتي تمن الكتب إللي محتاجها .. مش عارف أعمل إيه ياسعيد أنا إللي مضايقني أحساسي بالفشل في عدم تحقيق حلم أبويا .. كان نفسه يشوفني دكتور لكن بالطريقة دي مش هحصل تمرجي.
ألقي"أحمد"أخر كلماته بخيبة أمل ثم وضع رأسه بين كفيه بينما ربت"سعيد"علي ظهره قائلا:
-بس بس وحد الله ياجدع كل مشكلة وليها حل.
-لا إله إلا الله ياسيدي.
-أهدا كده بس أنا كنت عايزك في موضوع زي كده أصلا إن شاء الله هتتفك علي إيدي وهاتشوف.
فنظر إليه بسرعة ثم قال:
-موضوع إيه ياسعيد؟؟
-فاكر لما قولتلي إنك بتدور علي شغل يناسبك بس مش لاقي؟؟
-أه فاكر.
-أنا شفتلك شغلانة كويسة وتناسبك أوي.
فقال بلهفة:
-إيه هي؟؟
-عارف الأستاذ عباس إللي ساكن في البيت إللي جنبك؟؟
-أه عارفه.
-أهو ده بقي بيشتغل مدرس تاريخ في المدرسة إللي علي أول الشارع أنا كلمته من قيمة يومين عشانك فقالي ان ممكن تشتغل عندهم مدرس أاا .. مدرس أاا ..مش عارف مدرس إيه كده بس هي حاجة ليها علاقة بدراستك وكده.
-مدرس أحياء؟؟
-الله ينور عليييك هو كده ..صحيح ياولاد العلم نور.
-أيوه ياسعيد بس المدرسة دي مدرسة بنات.
-وماله ياجدع ماتصرف حالك وإللي يطلعلك منها تمشي بيه نفسك مش أحسن من مافيش؟!
-ياعم أنا فاضي أربي بنات مشغبة .. ده انا عايز إللي يربيني.
-يا أخي إنت هتخلص شغلك في كام ساعة وبعد كده هتروح مش شغلانة يعني!
ثم ساد الصمت قليلا فقال"سعيد":
-هاه .. قلت إيه؟؟
فنظر إليه مليا ثم قال:
-موافق.
-هو ده الكلام .. خلاص جهز نفسك بقي ممكن تروح الصبح معاه.
فتنهد"أحمد"بشئ من الأرتياح وجعل يفكر في المستقبل القريب الذي مالبث أن أقتحمه صورتها لتعود وتتسيد عقله وقلبه من جديد .. تلك الفتاة التي لم يعرفها .. كل ما يربط بهما صورة .. ورقة .. خاطرة .. وغناء بالأحلام ...يـــــــــتبع ....

أنت تقرأ
,, أشواق '' + 🔞
Fantasíaمقتبسة عن قصة حقيقية .. انتصب بمكانه، حينما أظلمت الغرفة من حوله حتي إنه عجز عن رؤية بصيص من النور ..سمع صدي صوتها، يحاصره حضورها حتي بدت كجنيات الأساطير، كانت تقف علي مقربة منه .. تنثر له أبيات من عطر غرامها، بدا كالمسحور لدي سماع صوتها، ولكنه لم ي...