*أشواق*
الحلقة الثالثة:
أفاق من شروده بل من دوامة أفكاره وخيالاته علي هذا الصوت:
-باين معندكش حصص دلوقتي.
ألتفت ليجدها أمامه .. فأبتسم ببساطة قائلا:
-أهلا ياأنسة شيرين .. فعلا ماعنديش حاجة دلوقتي.
فسحبت مقعد وجلست قبل أن تقول مبتسمة بدلال:
-أنا كمان ماعنديش حاجة دلوقتي .. تصدق مافيش فرصة أحسن من كده نتعرف فيها علي بعض.
أعتدل في جلسته بتوتر بينما عادت تقول:
-خليني أنا أبدأ الأول .. أنا ياسيدي أسمي شيرين طارق عمري 25سنة من عيلة ميسورة الحال والدي متوفي وعندي أختين أصغر مني بشوية وخريجة كلية علوم وعاملة دراسات علية في بعض اللغات ومنها الأنجليزي يعني قلت عشان لما أجي أشتغل زي دلوقتي كده داخلي يبقي كويس .. وأنت؟؟
أطمئن"أحمد"قليلا حيالها بعد أن بثت له نبذة عن حياتها الماضية والحاضرة أدرك أنها تملك شيم حميدة غلبت توقعاته فأبتسم ثم قال:
-أنا أسمي أحمد مختار عمري 26سنة من عيلة متوسطة أبويا وأمي قاعدين في الشرقية أنا أصلا من هناك بس جيت القاهرة هنا عشان دراستي أنا طالب في كلية الطب فاضلي سنة كمان وهتخرج إن شاء الله.
لمح نظرات الأعجاب به تتقافز من عينيها بينما سألته بإندهاش:
-طيب لما إنت بتدرس طب إيه إللي جابك تشتغل هنا وتضيع وقتك إنت المفروض تكرس وقتك كله للدراسه.
هز كتفيه بخيبة ثم قال:
-حكم ربنا .. كان لازم أشتغل أي حاجة عشان أعرف أسد إحتياجاتي.
هزت رأسها بتفهم قائلة:
-ممم فهمت ..
ثم إبتسمت قائلة:
-عموما ربنا يوفقك يا أحمد.
-ربنا يخليكي.
وبتلك اللحظة سمعا صوت رنين جرس المدرسة يعلو معلنا إنتهاء نصف اليوم ولم تمر لحظات إلا وجاء السيد"عباس"ثم أقترب يجلس بجوار"أحمد":
-هاه يابني عملت إيه؟؟
قال هذه الجملة وهو يجلس بينما لاحظ وجود"شيرين"فتوجه إليها بالحديث باسما:
-أهلا أزيك ياشيرين يابنتي عاملة إيه؟؟
فأبتسمت قائلة:
-أنا تمام يا أستاذ عباس الحمدلله إنت إيه أخبارك؟؟
-في نعمة يابنتي وأزي أخواتك البنات ضحي وأمل؟؟
-كويسين بيسلموا عليك.
-سلميلي عليهم وعلي والدتك كتير.
-يوصل إن شاء الله .. طيب أسيبكم أنا بقي عشان الفسحة قربت تخلص.
فأذنا لها بالرحيل وبعدما خرجت توجه السيد"عباس"بالسؤال:
-إيه يابني عملت إيه؟؟
أومأ"أحمد"برأسه مطمئنا إياه:
-الحمدلله كله كان تمام ماتقلقش عليا ياعم عباس.
-طيب يابني .. ربنا معاك.
ثم صمت لبرهة وعاد يقول:
-عموما إنت عندك حصتين كمان وبعد كده هتروح بس قبل ماتمشي تنزل تحت شؤون المدرسين وتمضي علي حضورك إنهاردة.
أومأ برأسه موافقا:
-حاضر ياعم عباس.
وبعد ذلك تركه السيد"عباس"أخيرا ليعود إلي نفس الدوامة .. والخيال المرهق مجددا ..
بعد أن إنتهي اليوم الدراسي بالنسبة له ذهب ليمضي علي دفتر حضوره كما قال له السيد"عباس"ومن ثم أسرع إلي منزله ليكسب أكبر وقت متاح له فيه أن يدرس منهجه .. ولكن عبثا .. كيف سيسطتيع الدراسه وشبح وجهها الفاتن يلاحقه يتبعه كظله إينما ذهب ..
حاول أن يترك الدراسة قليلا فأمسك بكراسات التلميذات ليري أعملهن أخذ يتنقل من هذه الكراسة إلي تلك حتي توصل إلي كراسة أحداهن فوجد بين طيات الورق ورقة صغيرة مندسة بالنصف .. فتناولها بسرعة ليجدها تحتوي علي كلام رومانسي مراهق ..
أحس بالإنزعاج من تلك الرسالة السخيفة فتناول علبة سكائره ..
ثم أشعل سيكارته البيضاء بعصبية ونفث أول أنفاسه إلى أعلى حيث السقف الأبيض وكأنه يريد أن يترك أثرا أسودا كذلك الأثر الذي بداخله ... تحامل علي نفسه ونهض من خلف مكتبه الذي أخذ ركنا بغرفته الصغيرة متجها نحو فراشه .. ألقي بنفسه متهالكا علي الفراش ذي الشراشف المزركشة .. حدق في المرآة التي أمامه مباشرة وهو يقبض علي السيكارة بشفتين مرتجفتين ... جثت الصدمة علي أركان وجهه كلما تذكر بأنه وجدها .. كاد يجن ولكن لمَ .. فحمدا لله .. فـ هو كان يبحث عنها ..ولكنه أحس أن هذا كله لم يجدي نفعا .. فعلت خفقات قلبه لشئ يشعر به .. لا يعرف سره أو مصدره .. تارة يعميه إرتباك عظيم
وتارة يغتال تفاصيله السكون .. كانت كلماتها ترن في أذنيه تصمها ...
أحكم القبض على السيكارة من جديد بشفتيه وأخذ نفسا عميقا ابتلعه سما زعافا كما إندلعت تلك الكلمات نارا في هشيم روحه ...
ما زال يحدق في المرآة .. شعره الأسود الناعم المتوسط في الطول أصبح فوضوي تناثر إلي الأعلي بإهمال وتطاير بفعل تلك المروحة الصغيرة التي وضعها بجانب الفراش ..
أدرك أن السيكارة بين أصابعه قد نفقت وقد تحرقه ... ومع ذلك وضعها بين شفتيه ... كم يستلذ بالنفس الأخير منها .. ثم ألقاها بالمنفضة وعاد يرتب خصلات شعره الثائره وفجأة سمع صوت رنين هاتفهه يتعالي بنغمته الهادئة فأجاب بعصبية بدت بنبرة صوته:
-ألو.
فوصل إلي أذنه صوت صديقه"سعيد"قائلا:
-إيه يابني مالك فيك إيه؟؟
فهدأ"أحمد"قليلا ثم قال:
-مافيش حاجة ياسعيد.
-لأ فيه أومال متعصب كده ليه؟؟
-مش متعصب ولا حاجة يا أخي ما أنا تمام أهو.
فقال بعدم تصديق:
-طيب .. هاه قولي عملت إيه انهاردة في المدرسة؟؟
-أسكت بقي ياعم البداية باينة زي وشك.
-ليه بس في إيه؟؟
-الشغب بدأ .. واحدة بعتالي جواب رومانسي.
-ههههههههههههههههه.
فقال"أحمد"مغتاظا:
-إنت بتضحك ياسعيد!!
-هههههههههه كنت متوقع إن ده يحصل .. بس إنت زعلان ليه؟؟ .. ده إنت حقك تفرح ليك معجبين ياسيدي.
-ده إنت مستفز ياسعيد.
-الله يسامحك ياسيدي .. بس المهم بالنسبة لك دلوقتي هي الشغلانة دي أبوس إيدك ماتسوقش العوج من أولها ياما هاتشوف إحنا عايزين ربنا يسهلها معاك وتطلع من كليتك دي علي خير.
فتنهد"أحمد"ثم قال:
-ربنا يسهل ياسعيد .. وماتزعلش مني حقك عليا.
-ياعم ولا يهمك بس متبقاش تاخد الحاجات علي صدرك كده وفكها شوية عشان ربنا يفكها عليك.
فتبسم قائلا:
-ماشي ياعم سعيد.
-طيب .. سلام بقي عشان تشوف إنت كنت بتعمل إيه أنا كنت بتطمن عليك بس.
-تشكر ياسعيد.
ثم أنهي معه الإتصال وشعر برغبة جامحة في النوم كما لم يشعر منذ الطفولة وفورا ذهب إلي فراشه وتوسد ألحفته محاولا جلب الدفء والراحة لسائر جسده وعقله .. وماهي إلا لحظات قصيرة حتي راح بسبات عمييييق ...حافظة .. صورة .. ورقة .. خاطرة .. صوتها .. وجهها الفاتن القسمات .. أستفاق مذعورا من نومه أنتصب نصف جالسا علي فراشه .. صدره يعلو ويهبط بقوة يتنفس بعنف جسده يتصبب عرقا ..
أخذ يسترجع ما شاهده بأحلامه .. ثم أمسك بساعة التنبيه وألقاها بعنف تجاه الحائط فسقطت مهشمه ..
ظل يشتم ويسب نفسه موبخا أياه لتفكيره المتزايد بها .. أخذ يخاطب نفسه:
ما هو تفسير هذا يا"أحمد"؟ .. هل أصبحت تؤمن بالخرافات مثل "العجائز"؟ يا إلهي ما أصعب ذلك!! أريد أن أصغي إلى نداء العقل
و إلى شروح العلم وفلسفة الخرافات والرؤي .. ولا أريد أن أخضع للمنطق الذي سيحرمني من روحي وحياتي ومن أجمل لحظات العمر
الحلم الجميل الذي أصبحت لا أريد تفسيراً له ..
وكل الذي أتمناه وأريده هو تلك الفتاة التي أصبحت تجري بدمي ولا تفارق مخيلتي وحتي بمنامي .. تلك الأفكار حولت نفسي لميدان عراك أشتد فيه الصراع بين العقل والمنطق من جهة وبين العاطفة والقلب من جهة اخرى
"أحمد" !! هل جننت ...؟ .. وهل أصبحت تؤمن بالخرافات التي لاتنتهي في هذا المجتمع ..
حدث نفسه حتى تملكنه العناء .. تعب حتى أخذ الأرهاق لون الصفار على وجهه..
خاطب نفسه مرة أخري قبل أن يذهب للنوم مرة ثانية:"احمد" أنت متعلم .. أنت مثقف .. إن ما حصل والذي تتعرض له إنما هو نتيجة ظروف أزمتك المالية وأرهاق الدراسة ليس أكثر .. لا تدع لللأحلام والأوهام طريقا تدخل بها إلى عقلك فتداهمه وترهقه بما ليس له أساس ولا صحة ..؟
إنتهي من تحذيره إلي نفسه ... بقوله: حذار يا"أحمد"أن يعرف أي مخلوق كان بقصتك هذه وإلا ستتهم بالجنون وستكون عرضة للسخرية يهزأ منه الصغير قبل الكبير ...
آه كم هي طويلة ساعات هذه الليلة .. صراع محتدم بين الفكر والعاطفة .. بين العلم والخرافة .. بين الثقافة والاحلام .. وبين الحقيقة والخيال .. بين الصح والخطأ .. صراع إنتهى بتوصيل هذه النتيجة إليه ... أن ينسي كل ما حدث وأن يعطيها كل ماتبقي لها عنده .. مقتنياتها المفقودة ليقضي عليها من كيانه بشكل نهائي ... بعد ذلك غطّت في سبات عميق حتي أستيقظ مبكرا ..
وكما يفعل في كل صباح .. أغتسل وأرتدي ملابسه ثم ذهب في طريقه قاصدا سبيل المدرسة .. ولكن اليوم .. بدون السيد"عباس"ذهب بمفرده ..
بعدما دخل إلي المدرسة أخذ يتأكد من أنه وضع حافظة تلك الفتاة التي لم يعرف أسمها حتي الأن ..
تسارع وجيب قلبه حتي كاد أن يخرج من بين ضلوعه فأسرع في خطاه ليصل بسرعة إليها ثم ما لبث أن سمع صوت من خلفه:
-مستر أحمد .. مستر أحمد ...
ألتفت فوجد"شيرين"تقف أمامه بأبتسامتها المتوترة بينما قالت:
-صباح الخير.
فرد لها التحية علي عجلة:
-صباح النور يا أنسة شيرين .. عن أذنك بس عشان ألحق الحصة الأولي.
أستوقفته بسرعة قائلة:
-أستني .. ده لسا الطابور مبدأش أصلا.
بحث عن حيلة في سرعة البرق ثم قال لها:
-أصلي بدور علي عم عباس عايزه في حاجة ضرورية عن أذنك.
ثم أستدار وتركها تقف وحيدة .. ظل يبحث عنها بكل مكان هنا وهناك ..
إلي أن وجدها بالفعل .. نعم ميزها جيدا رغم أنها كانت تسلفه ظهرها ولكن رائحة عطرها التي كانت عالقة حتي الأن بحافظتها تصل إلي أنفه بسلاسه وكأنه تخدر لدي أستنشاقه عطرها ..
ولكنه أسرع إليها وناداها قائلا:
-يا أنسة .. يا أنسة.
ألتفتت إليه وهي ترسم إبتسامة جريئة علي شفتيها.. بدت له فتاة مختلفة تماما في تصرفاتها عما تلقي منها البارحة .. أصبحت أكثر جرأة .. نعم إستطاع أن يميز جرأتها .. تنظر إليه بجرأة .. تبتسم بجرأة .. مختلفة إختلاف السماء والأرض عن البارحة ..
ولكنه أفاق من تأمله سريعا لدي سماعه صوتها:
-صباح الخير يا مستر.
تكلمت بهمس الكلام وبصوت عذب هادىء كدفق الالحان والانغام .. بينما أستجمع قواه بأعجوبة أمامها ثم قال بإرتباك:
-أاا .. أاا عـ علي فكرة إنتي .. إنتي ليكي حاجة عندي يا أنسة ..
فأجابت بثقة ونظراتها الجريئة تحتويه:
-عارفة .. مش محفظتي بردو !!!يــــــــتبع .....

أنت تقرأ
,, أشواق '' + 🔞
Fantasiمقتبسة عن قصة حقيقية .. انتصب بمكانه، حينما أظلمت الغرفة من حوله حتي إنه عجز عن رؤية بصيص من النور ..سمع صدي صوتها، يحاصره حضورها حتي بدت كجنيات الأساطير، كانت تقف علي مقربة منه .. تنثر له أبيات من عطر غرامها، بدا كالمسحور لدي سماع صوتها، ولكنه لم ي...