في صباح اليوم ، كنت مع أبو أحمد ومشرف المزرعة كومار على الدكة ، وكان كومار يُطلع أبو أحمد على انتاجية المزرعة لهذا الموسم واللتي تكللت بخسارة مفاجئة لي و لم تكن مفاجئة لهم حيث أن المزرعة حققت خسارتها الرابعة على التوالي .
فتسائلت : ماذا عن تلك الفواتير اللتي رأيتها في سيارته ؟ هل بعد تلك الأرقام اللتي دونت على تلك الفواتير ، تخسر المزرعة ؟.ذهب كومار من عندنا حاملاً أوراقه معه ، نظرت لأبو أحمد فقلت : هل أنت واثق من أنه يقول الحقيقة ؟
أجاب : ماذا تقصد ؟
فُتح الباب ثم قالت العنود : هل أستطيع القدوم ؟
أجبت : نعم تفضلي .
ثم أردفت قائلا : هذا غريب يا أبو أحمد ، تنتج المزرعة الكثير من الخضار من بطاطس وباذنجان وبصل وغير ذلك من الخضار المرغوبة واللتي يندُر فسادها بسرعه ، أعني أنه من الغريب أن تتعرض المزرعة لهذه الخسائر ! .
أجاب : نعم هذا غريب ، ولكن هذا لا يعني أن أشك بعاملي فهو رجل مجد يعمل لدي منذ سنين وكنت وقتها أحقق أرباحاً هائلة مكنتني من بناء بيت كبير وإطعام الأبناء وغير ذلك .
بعد ذلك مد فنجاله لأسكب له قهوة ، ثم اردف قائلاً : لاسيما أن هناك ظروف أطلعني عليها كومار يوجهها السوق من كثرة الفلاحين وغير ذلك .
رن هاتف الأب فأجاب قائلا : أهلا ... وعليك السلام أهلا بك ..
فأشار بيده لنا بالذهاب .
قمنا من مكاننا ذاهبين الى المزرعه ، بدأنا نسير سوية في سكوت على الجانب الأيسر من الڤيلا بين النخيل والجداول .
قالت العنود : معك حق .
قلت : بماذا ؟
اجابت : نعم هذا غريب أن تتعرض مزرعتنا لهذه الخسائر المخيبة .
احتفظت بسكوتي ولم أعلق .
فأردفت قائلة : أتعلم ، إن أبي قرر أن ننتقل من المزرعة لنعيش في المدينة وذلك بسبب الخسائر اللتي تعرضت لها ، وهذا يضايقني كثيراً .
قلت : أحقا تقولين ؟
قالت : وهل أبدوا لك اني كاذبه ؟
فقلت : لا حاشاكِ أن تكذبي ، ولكن أريد أن أسألك عن موضوع آخر .
قالت : تفضل .
قلت : ما سبب غضب خالكِ أحمد في ليلة الوفاة ؟
توقفت فجأة عن السير ثم قالت : ولماذا تريد أن تعرف ؟
قلت : أي شخص في مكاني يريد أن يعلم لم حدثت كل تلك الجلبة في وقت غير مناسب .
فكرت قليلا ثم قالت : حسنا معك حق .
جلست على صخرة كانت بالقرب منها و قالت : خالي أحمد حديثُ التدين ، فقد أعفى لحيته مؤخراً ، لذلك فهو متحمسا لدين وشديد الحرص على تطبيق كل أحكام الدين .
سكتت ثم تنهدت قليلا .
فقلت : وماذا بعد ؟
قالت : هناك مقطعٌ انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي في الآونة الأخيرة لفتاة ملثمة تصور نفسها وهي ترقص ، شُبه على خالي أنها أمي .
قلت معترضاً : وكيف لخالك أن يتابع مقطع بهذا الإنحطاط وهو ملتزم ؟
أجابت : لا أعلم .
ثم أكملت : حينما دخل أخذ هاتف أمي ثم رماه أرضا دون أن يحادثنا ، حاولنا تهدئة الأمر ولكن دون جدوى .
قلت : هناك لبس في الموضوع ! فغضبه ليس لأنه حديث الإلتزام فالكل سيغضب من هذا ، بل هناك من حرضه على فعل ذلك .
لم تعلق على كلامي .
فسألتها : هل حضر العزاء ؟ فأنا لم أره الى الآن بعد تلك الحادثة !.
أجابت : لا ، ولا أتوقع قدومه ، أمي تعبت كثيراً بسببه فكيف له أن يواجهها .
قلت : اسمعي ، حين يعود اسأليه كيف شاهد المقطع ؟ أنا متأكد أن في المسألة طرف أخر .
سكتت وهي تفكر في الأمر ثم قالت : أنت كثير الشك بمن حولك ! فإذا قلنا أنك اقنعتني بأن هناك شخصاً آخر حرض خالي على أمي فإنك لم تقنعني أبدا أن لكومار سبب في خسارة المزرعة .
تنهدت للحضات ثم قلت : وإذا قلت أنه لدي ما يثبت كلامي ! .
صدمت من كلامي قائلة : ولكن أتعي ما تقول ؟
قلت متهكماً : وهل أبدو لك مجنوناً ؟
ضحكت ضحكة خفيفة ثم قالت : لا لم أقصد ، ولكن ماذا لديك ؟
أجبت : هناك فواتير وأوراق في سيارة المزرعة اللتي يستخدمها كومار تثبت أنه يبيع الخضراوات على محلات بمبالغ جيدة ولا يبيعها في السوق .
قالت : يا إلهي ! أكاد لا أصدق ما تقول !.
وفي أثناء حديثنا سمعنا صوت باب غرف العمال في الجهة المقابلة فُتح .
فقالت العنود : أنه وقت عملهم ، علي الدخول .
مشت مسرعة الى الفناء الخلفي للڤيلا ، ثم توقف وأشرت بيدها أن آتي معها ، فتبعتها الى هناك .
كان الفناء الخلفي عبارة عن حديقة صغيرة مسورة فيها مسبح صغير في الطرف المقابل للڤيلا ، وكراسي وطاولة فوقهم مظلة كبيرة ، وزهور جميلة على أطراف جدار الڤيلا .
حقيقة أعجبني ما رأيت .
حينما دخلنا تلك الحديقة ، أغلقت العنود الباب ثم قالت : انتظرني هنا .
جلست على كرسي بانتظارها حتى عادت و بيدها هاتفٌ نقال فقالت : إذا كان ما تقوله صحيحا فأثبته بهذا .
فقلت : وماذا أفعل بهذا ؟
أجابت : اذهب الى سيارة كومار وحاول التقاط صور لتلك الفواتير حتى أواجه بها جدي علّه يعدل عن رأيه ويأخذ نقوده من كومار .
قلت ممازحا : ولما عليّ أن أخاطر بنفسي ؟
قالت : لأجل جدي ، أرجوك ، نحن نواجه مشاكل مالية وهذه هي الطريقة المثلى لنجاة .
مسكت هاتفها وقلت مبتسما : بطبع سأفعل ، ولكن كيف يعمل هذا الشيء .
اخذت تشرح لي كيفية استخدامه .
استخدام الهاتف لم يكن شيء صعباً ، ولكن تكمن الصعوبة في الوصول لتلك الفواتير .
أخذت هاتفها على أمل لقائها غدا صباحاً في نفس المكان ومعي تلك الصور حتى نتفق على كيفية إخبار أبو أحمد بالموضوع .
خرجت من عندها حاملاً هاتفها ، غزاني الخوف والقلق ، وبدأت أفكر في الأمر وتبعاته .
اتجهت الى الغرفة ونمت حتى الظهيرة .بعد صلاة الظهر ، امتلأ مجلس الڤيلا بالمعزين ، كما امتلأت الأجواء برائحة القهوة العربية والعود الطيب ، كنت وبحكم وظيفتي أقدم القهوة والشاي لهم ، فتارة أخدمهم ، وتارة آخرى أحادثهم وأتعرف عليهم .
رغم أني اختلطت مع هذا المجتمع بشكل جيد وسلس ، إلا أني لازلت أشعر بأنه غير مرحب بي حتى الآن ، وذلك لأن شخصاً ما كان يحدق بي كثيراً وكأنه يكن لي الحقد والكراهية ، ولا يُبعد نظرته الحقودة عني حتى وإن نظرت إليه ، لقد اهتز بدني من نظراته وأشعرني بالقلق .ولكن خطفني عنه صوت رجل من الحاضرين تكلم بصوت عالٍ قائلاً : لازالت الدوريات تبحث عن مروجي المخدرات ويعتقد أنهم قريبين من هذه المنطقة .
قال آخر : قريبين منا ؟
أجاب الأول بقوة : نعم انهم قريبين ، فانتبهوا لأبنائكم في هذه الأيام حتى يزول الخطر إن شاء الله .حاولت أن أبتعد عن ذلك الرجل الحقود قدر المستطاع ، فبالرغم من أني خدمته ، لم أستطع النظر إلى عينيه .
خرجت من الڤيلا فوجدت حسن واقف امام الباب .
فقلت له : أتذكر تلك الفواتير اللتي في سيارة كومار ؟
أجاب : نعم اذكر ، وما بها .
قلت : أحتاج أن أستعير منك مفتاح سيارة كومار دون علمه لأن أبا أحمد يريد أن يلقي نظرة عليها .
مد لي المفتاح وقال : انها أمانة لديك فلا تقدها .
قلت : لا تقلق لا نية لي في إغضاب أحد هنا ولا سيما أبو أحمد .حلّ الليل ، بدأ المعزين بالذهاب واحداً تلوا الآخر ، وحين شعرت بأن المعزين عددهم قل ّ ، استغليت الفرصة وذهبت خلسة الى الخارج حتى أنفذ خطة الإيقاع بكومار ، خرجت من المزرعة وبدأت أبحث عن سيارته فوجدت أنه قد أوقفها بعيدا عن المزرعة حتى يتسنى للمعزين الوقوف بالقرب منها ، سرت بخطوات مرتبكة وخائفة ، رأسي لا يكاد يستقر ، فلا أمشي خطوتين نحو السيارة إلا وقد نظرت في كل الاتجاهات .
وصلت إليها ، ففتحت بابها ، اضاء نور السيارة الداخلي تلقائيا ، فتحت الدرج اللذي رأيت فيه الفواتير سابقاً ولكن لم أجدها ، صُدمت ، فبدأت أبحث في كل مكان بشكلٍ عشوائي حتى وجدت ملفاً مكدس بالأوراق والفواتير ، فبدأت بالتقاط صور لتلك الفواتير .
انهيت الملف فأغلقته وأعدته الى مكانه ، ثم نزلت من السيارة واغلقت الباب ، وحين اتجهت الى الڤيلا لفت ناظري نور خافت يومض بالقرب من جدار الڤيلا ، توقفت ونظرت الى ذلك النور بتركيز ، ومن الرائحة علمت أنه دُخان سجائر وأن هناك رجل ، خِفت ، فبدأت بالجري الى الڤيلا ، فلحق بي ومسكني بسهولة من ذراعي .
فقلت له : ابتعد
قال : ماذا كنت تفعل في سيارتي يا فتى ؟
توقفت عن المقاومة ونظرت إليه قائلاً : كومار !!
قال : أعطني ذلك الهاتف .
كان الهاتف لا يزال في يدي اليمنى .
قلت له : إنه أمانة عندي .
قال : لا أريد ضربك فقط سلم الهاتف لي ، بسرعه .
قلت : ولكن ...
صفعني فسقطت أرضا ، وسقط الهاتف مني أيضا .
أخذه قائلاً : لنرى ما في داخله .
قمت من مكاني ومسكت يده محاولاً أخذ الهاتف ، فدفعني مرة أخرى فسقطت .
قال : يا إلهي ما هذا ؟ إنك تلعب بالنار يافتى !
وقفت أمامه أنظر إلى ما قد يفعل الآن ، فالآن قد علم أني كشفت ألاعيبه وأنوي إخبار أبو أحمد بها .
رمى الهاتف على الأرض وقال : الآن هاتفك لا قيمة له ، فقد حذفت تلك الصور ، وتلك الأوراق لن تراها مجددا .
أخذت الهاتف من الأرض وجروح وجهي قد بدأت بالنزيف .ترى مالعمل ؟
كيف السبيل لإقافه ؟
ومن الضيف صاحب العيون الحاقده ؟
هل سأعرف حقيقتي بالقريب العاجل ؟