المعزوفة الأولى ♡ ..

676 108 69
                                    

ماذا تُمثل لكم الحادية عشر وأحد عشر دقيقة..؟

بالنسبة للأغلب في جيلنا هذا ، مجرد دقيقة نتمنىٰ فيها ما نشاء ، ندعوا الله وكأنها ساعة استجابة أو ساعة تحقيق للأماني التي تشتهيها أفئدتنا ، أما بالنسبة للباقي فهىٰ مجرد دقيقة تمر كغيرها .. لا مغزىٰ منها ولا هدف ..

أما بالنسبة لي فكانت شيئًا آخر! شيء مميز .. مختلف عن غيري من هؤلاء الذين يعاشرون الساعة الحادية عشر وإحدىٰ عشر دقيقة.

-

-

سحبت الابريق بحذر وصببت القهوة الدافئة بكوبي الخاص .. دفء دخانها مصحوبًا برائحتها الزكية كان كفيلًا بتحريك شهواتي إلىٰ احتسائها بأسرع وقت غير آبهة لمدىٰ حرارتها علىٰ لساني

ما إن وضعت حاجتي من السكر وقمت بتقلبيه جيدًا حتىٰ تأكدت من تمام امتزاجه ، رفعت الكوب نحوي لألتقم طرفه بين شفتاي وأحتسي القليل من مخدراتي البنية .. ولكن ما هىٰ إلا ثوانٍ حتىٰ تخلل عزف البيانو إلىٰ مسامعي لأركض سريعًا نحو الشرفة وأفتحها بلهفة ناظرةً للأسفل

ارتسمت ابتسامة بلهاء علىٰ وجهي ما إن رأيته يجلس هناك .. متخذًا مجلسه أمام البيانو خاصته الذي يمتزج سواده بظلام الليل الدامس ، في غرفته الصغيرة التي تقبع أمام شقتي ما كان يضيء ذلك المشهد سوىٰ ضوء القمر الحالم

شعرت بنظراته تتسلل إلىّ لتتخذ ابتسامة جانبية بسيطة موضعها علىٰ ثغره قبل أن يستأنف العزف علىٰ مفاتيح البيانو بنغمة عذبة غريبة! تجذبني إلىٰ سماعها كل يوم عن اليوم الذي يسبقه ..

أستمع بعمقٍ بينما عزفه يزداد عمقًا ليذيب قلبي عشقًا لتلك النغمة التي يعزفها وما يخرجني من شرودي بها سوىٰ توقفه لأدرك أن عقارب الساعة تحركت وصارت الآن الحادية عشر و اثنتا عشر دقيقة!

كل يوم ولمدة عشرون يومًا حتىٰ الآن في تمام الحادية عشر وإحدىٰ عشر دقيقة يطربني بنغمات البيانو العذبة لمدة دقيقة وحسب ، ينهض بهدوء ويغلق البيانو بعناية ساحبًا نوتاته الورقية ثم يتجه نحو النافذة ولتقارب شقتينا أستطيع تحديد ملامحه بعناية .. شعره الكثيف المصفف بعناية للخلف مع لحية خفيفة وعينيه البندقيتان ، ملامحه صارت منقوشة في عقلي حتىٰ أنني اراهن على قدرتي علىٰ رسمه غيبًا مع عدم قدرتي على الرسم أصلًا!!

يبتسم ابتسامة واسعة مغلقًا شفتيه لتنغلق عينيه كذلك راسمة تلك التجاعيد حولها قبل أن يغلق النافذة وينزل السلالم ببطء ، يختفي للحظات ثم أراه من جديد يركب سيارته ويقودها بعيدًا إلىٰ حيث لا أدري!

تركت الكوب من يدي وأنا أدرك أنه قد برد تمامًا ثم نزلت الدرك حتىٰ وصلت للأسفل لأفتح باب المنزل وتداعب برودة الطقس وجهي وخصلات شعري .. انه يناير التعيس حيث لا اجازات ولا احتفالات ، فقط برودة قارسة وأيام بطيئة لا تنتهي ..

في تلك اللحظات التي يختفي فيها العازف قبل رحيله إلىٰ سيارته ومغادرته المكان يكون أمام منزلي ، يضع زهرة البنفسج علىٰ الأرض وملفوف حولها ورقة بيضاء مكتوب بها نفس العبارة:

" إياكِ أن تنسي أمنية 11:11 "

لا إمضاء ولا تاريخ ، فقط نفس العبارة! ولكن كيف لي نسيانها وقد صارت جزء من طقوسي؟ فـ بمجرد أن أستمع إلىٰ عزف البيانو حتىٰ أسرع إلىٰ الشرفة كمن تلبي النداء وأتمنىٰ أمنيتي الخاصة

ما لفت انتباهي الليلة هو تغيّر لون الورقة من الابيض إلىٰ الأحمر المائل إلىٰ الوردي ، انحنيت لأتقط الزهرة لتعصف بعض البرودة تذكرني بوجودي بالخارج فدلفت بسرعة واغلقت الباب من خلفي ، ألقيت بجسدي علىٰ الأريكة أنظر إلىٰ لون الورقة المتغير .. هل يمكن أن يكون بالامر الهام..؟

نزعتها عن الزهرة ووضعتها - الزهرة - بالمزهرية إلىٰ جوار الأزهار الأخرىٰ التسع عشرة السابقون ، فتحت الورقة بحذر لألاحظ كذلك تغير محتوىٰ الورقة!! هو لم يكتب عن أمنية 11:11 بل كتب بدلًا منها:

" دو: قد يأتي احدهم بشر علىٰ هيئة ملاك ليعيدك إلىٰ نفسك القديمة ويصلح ما أفسده الآخرون. "

لم أفهم مقصده! لمَ قد يكاتبني بشيء كهذا..؟

وماذا تعني ( دو ) تلك..؟

أنا لا أعرف شيئًا عنه ، لا اسمه ولا سنه .. هو فقط العازف المجهول الذي يظهر في تمام الحادية عشر وأحد عشر دقيقة ثم يختفي في الدقيقة التي تليها! أعشق البيانو ، كنت دائمة العزف حتىٰ اللحظة التي توفيّ فيها والداي فجئت للعيش هنا .. انعزلت عن الدنيا .. العزف والأصدقاء ومواقع التواصل الاجتماعي، حتىٰ انني تركت الجامعة! كان هذا منذ عام .. ولكن منذ عشرين يومًا فقط ظهر هو في حياتي .. حين كنت بالشرفة وسمعت نغمات بسيطة قادمة من الشقة المقابلة لي! نغماتي المفضلة ، معزوفة القمر لبيتهوڤين .. رأيته يعزف .. يعزف مبتسمًا حتىٰ انتهاء الدقيقة ، وقف أمام النافذة وابتسم لي لأشعر بتصارع ضربات قلبي .. ليس عشقًا بل فزعًا وكأنني أرىٰ شبحًا منتصبًا أمامي ، نزل وذهب لاتفاجأ بالزهرة والورقة بها ..

اليوم التالي قمت بفعلة مجنونة! عِند الحادية عشرة وعشر دقائق ذهبت للجلوس في الشرفة انتظرت حتىٰ موعدنا ونفذت المكتوب بالورقة ، تمنيت امنية مغمضة جفوني لأفتحها علىٰ صوت العزف بمعزوفة جديدة .. ويتكرر الأمر بنفس الشكل حتىٰ اليوم ..

غيّر الورقة ومحتواها ، كم ان فضولي يقتلني لمعرفة ما يقصد وما سيحضره لي غدًا.

___________

دي هتبقى شورت ستوري ، وغالبًا هتاخد التصنيف واحد في المحن 😂😂

أول تجربة للقصص القصيرة .. يارب تعجبكم 😅

ياريت لو تعلقوا ع الفقرات ❤️

Much love.x

The Piano | الـبِيــآنـُــو | L.P |حيث تعيش القصص. اكتشف الآن