دمعة غبية فرّت هاربة من عينيها .. كيف تمكنت من السماح له بنسج الخيوط حولها .. و دخلت شباكه كأي فراشة حمقاء .. افترسها العنكبوت .. بلذة ..
دون أن تبذل جهدا للفكاك ..
نهضت من مكانها الذي الصقتها به الذكريات وقتا لا بأس به ..
بينما تشعر أنها على شفا الهاوية .. أو ..
هوت فعلا .. عميقا .. دون أي أمل لانتشالها ..
و هو مثلها .. ذات الهوة التي وقعت هي بها .. رفعته هو عاليا نحو حدود السماء ..
براءتها ذبحته .. لم يكن يعلم حقاً أن جرأة الكلمات تخفي بين سطورها براءة الروح ..
تلك الليلة .. كانت ليلة حب عجيب ..
شعلة غريبة اندلعت في روحه .. تدفعه دون قيود نحوها ..
خاصة وثغرها الكرزي قد سلب كل قدرة على التفكير .. وهل يقدر في حضرة الجمال إلا على السجود عشقا ..
جمال ؟
نفخ دخان سيجارته عاليا ً ينظر للسقف .. يراقب الدخان المتصاعد تماما ...
كآماله التي بناها سابقا معها ..
لو لم يكن خاليا من الإحساس..
كم مضحك هذا الأمر .. شاعر .. و ليس به من المشاعر شيء ..!
لو كان فيه ولو جزء منها .. تلك المشاعر التي يتباها بها بين سطور كتاباته ..
لما دمر إحساسها .. بقسوة ..
*مثالية أنتِ ..
ارتسمت ابتسامة للذكرى .. هزت ذقنه العريض الخشن ..
*لما ليس لديك شارب ؟
مد إصبعه ليلامس تلك الشعيرات الجديدة على وجهه ذقنه وعارضه ..
ترك شعيراته تنمو لأجلها ..
تركها ولم ترها .. كذلك لأجلها ..
غريب كان في الوفاء .. قاتل هو في اللقاء .. عاشق هو .. لا يعرف الخطأ من الصواب ..
كحال كل العشاق ... يتحول العقلاء لمجانين ..
وهو وهي ليسا استثناء..
تنهد وقد سحرته لذة الاحمرار على تفاح وجهها .. ناضجة كانت .. مستعدة للحب ..
اقترب بجرأة .. ليجلس على ذراع كرسيها ..
مرر كفه على شعرها وعينيها للأمام .. دون أن يلمسها حقا ..
تسأل بتوتر
*أعجبك عملي ؟
*جدا ..
همس لترفع وجهها له بابتسامة أمل ..
*حقا ؟
*حقا!
مفترس هو .. مد كفه لها بطوق النجاة .. ليسحبها معه نحو الغرق ..
*تعالي ..
همس بها وعاد لمكانه خلف حاسبه .. لتعود دقات قلبها لهدوئها ويعود صدرها لاستقبال الهواء ..
موجع أنت في الجمال .. أكبر من قدرتي على التحمل ..
ابتسم ..
لا! ناجته صامتة .. كف عن إغراقي .. فلست بارعة في السباحة ..
لكنه لم يكن يوما سبيلها للنجاة .. هو فخها للوقوع ..
تحدث كثيرا .. لم تسمع ما قاله .. غرقت في موسيقى نبرات صوته .. فعجزت عن استيعاب كلماته.. وأصابعه تلك .. كريشة تنتقل لتخبرها أين الخطأ وأين الصواب ..
بارع هو .. نقلها من السحر .. للواقع .. لتضبع .. فلا تعرف كيف تجاري مساره ..
انتبه لها ..
عينيها تائهة عمّ يقول .. ليست معه ..
*جميلة ..
همس بها لتبتسم بخجل.. فرمى شباكه استعدادا للصيد ..
*مغرمة ..
شهقت من السؤال تعطيه الفرصة ليدقق في عينيها المتسعتين ..
بركة عسل صافية .. اشتهى عشقا الغوص فيهما و التهام لمعتها ..
مالت بوجهها تنفي الغرام .. فاهتز رحيق الياسمين ليداعبه ..
سحقا للعطر .. زاده عشقا فمن أين الصبر ..
*اعشقيني ..
ذوبي بي سيدتي وامتلكيني .. دعيني في الهوى عينك وكوني عيني..
عنك لا تبعديني ..اعشقيني .. ارحميني وكوني ملك يميني ..
*أعشقك ؟
ضاعت في سحره وغرقت .. والحماس يضرب مشاعرها ..
أومأت .. فومى ..
وللظمأ روى ..
وما ارتوى .. احتل كرزها وقطف الثمار ..
رشف الرحيق و ما اكتفى ..
ذابت .. خافت .. وما قدرت على قول كفى ..
سحرها .. أخذتها المشاعر .. ما لم تعشه يوما من قبل .. ما لم تعرفه ..
ما أغرقها به بمجرد الهمس ..
حتى وعى ..
ثوبها بيده سكن ودفئها لصدره ملأ ..
توقف يا إعصار .. لا تدمرها .. ليس من أول مرة ..
صبرا .. فالحب رغم اشتعاله .. وجبة تقدم ببطء.. باردا ..
وكما عرى الجسد والروح .. وطبع بصمته على جيدها .. غطاها ..
مقبلا نحرها .. بصمة أخيرة .. لم يقاوم طبعها ..
ليخرس شهقة الخجل قبل أن تخرج .. فقد نضج الكرز ..
لم يعد له من عمل سوى القطاف ..
*حبيبتي ..
لم تعد تريد النجاة ..
فالخطيئة جاءتها على هيئة ابتسامة .. همسة .. وحب !
مغرم هو من نموذج أنثى .. ليست ككل الإناث ..
كم كثرت البنات .. وقلت الأنوثة ..
أما هي .. مكتملة .. هي الخطيئة بعينها له ..
على هيئة ملاك بعيون متسعة .. وجيد ينبض بجنون .. وصدر عارم ..
تمنى دفن نفسه به ..
ابتسم بتلاعب فتبعت مجرى عينيه التي تكويها ..
لتقفز وقد صحت من سكرة اللحظة ونشوة المشاعر ..
تستر بيدها ما جعله يطلب بجرأة ..
*تعالي أقيس نبض قلبك ..
غطت وجهها بياسمين شعرها لتسكره بالرائحة .. وبضعف غبي ..
مدت راحة كفها بغباء !
فضحك يسحبها كلها حتى سقطت عليه .. بين ذراعيه .. سجنها المفضل ..
ليقيس وبجرأة .. نبضات قلبها ..
من قلبها مباشرة !
ولم تملك ردا سوى خجل عارم .. وخوف دفنه بسجنها بين ذراعيه ..
غير سامح لها بالفكاك ..
كم ندمت .. بينما خشونة كفه تسرق براءة صدرها ..
تسرق دقات قلبها ..
أغمضت عينيها .. لكن كيف تمحي الذكرى وقد احتلت صحوها وغفوتها ..
ليتها تفقد الذاكرة ..
لكن .. لا .. لا ..
نهضت على الفور تدور حبيسة الومضات ..
لا تريد أن تفقد ذاكرتها .. هل تفقد مشاعر يوما ما عاشتها إلا معه ..
هل تفقد حبا .. ترعرع في قلبها وصرخ مناديا له ..
أطرقت .. فأمطرت ..
لتسقط القطرة الأولى ..
وكفه على قلبها يلاعب نبضاته .. تلك التي خانتها معه هربت من صدرها له ..
تجن للمسته وتغريه أن خذني ..
ولم يكن ليمانع تلبية النداء..
ذاك النابض بين ضلوعها يرقص له .. فهل يرفض الدعوة ..
وبنشوة عشق .. دفن وجهه بين رمانتيها .. يقطف الثمار المحرمة .. يسرق اللؤلؤة المدفونة ..
وشفاهه لأول مرة .. تخشى لحظة الفطام !
وهي .. لم تعد بوعيها .. أصابعها سكنت خصلات شعره .. تسرق لمسة من ذقنه
*لما ليس لديك شارب !
أنثى مثالية .. بغباء كلماتها لحظة الحب حيث لا همس سوى بكلماته ..
أيقظت سكرته .. وأحس بالحرمان .. فطاما !
ضحك بصوت أجش .. مستمرا بسجنها ..
*سيكون لي .. لأجلك فقط ..
نظر للؤلؤتها التي لم يعدها لمحارتها بعد .. بحسرة ..
ربما غبائها أنقذهما ..
فلم يحن الوقت بعد .. وعاد للكرز ..
موسمه بدأ .. و هو يعشقه .. عله يطفئ لهيب الشوق لقطف الربيع كله يروي عطشه بيد .. والأخرى تعيد الرمان لقشره الحامي .. لئلا يقطف ثماره سواه ...
دون أن يجرح أنوثتها لتوقفه .. ابتعد بينما الشفاه لا تمل اللقاء ..
******
تلمس شفتيه بشوق .. يمرر لسانه عليهما ..
كأنه الآن .. انتهى من تقبيلهما ..
كم تمنى يومها ألا تغادر .. كم تمنى أن تبقى ليخطفها ..
ليأخذها له وحده فلا يسمح لأحد برؤيتها ..
أكلته وحوش النظرات .. يراقبها من نافذة مكتبه .. تهرب بين الناس ..
مسرعة هي .. كأنما تقول لهم .. أنا لم أخطئ !
لا لم تخطئ يا برية .. أنت يا ناصرة الحرية .. يا من سحرت عيناي و رأيتك حورية ..
لم تخطئي .. لا تدافعي ..
فالخطيئة لا ترى نفسها .. و أنت هي .. كلها ..
*إلى أين ؟
ذات صباح سألها مستقبل نعاس صوتها و قد تسلل لعقلها و قلبها و احتل روحها ..
*لقاء أصدقاء ..
*لا ..
اعترض بتكبر .. أترى غيره و هو للقائها متلهف ؟
لا .. تعالي لأرويك و ترويني .. أنت فقط .. من أعلنت نهاية الصوم في سنيني ..
*ماذا ؟
همست باستنكار .. بأي حق لا ..
*كيف أعيش مع اللا .. أنا لا أحبها ؟ ؟
*تحبينني أكثر ..
سكتت .. لجم لسانها عن النطق .. الحب لا يعني لا ..
يعني أن أنطلق مثل فراشة ربيع .. أترك الناس كلها ترى سعادتي ..
الحب أن أحلق عاليا .. لأصل لنار أشواقي فتلسع أجنحتي لأسقط بين يديك تداوي فرحتي و تسكرني قبلا همجية .. تأسرني بحرية .. لا بأغلال ... تلك ( الــ لا ! )
*تعالي؟؟
أمر باستعلاء .. و نفذت ..بغباء ..
حانقة منه نعم ..
*توقف عن الابتسام ..
هدرت به خوفا من الضعف .. طالما آمنت أن علوّ الصوت لا يعني القوة .. بل قمة الضعف..
ضعيفة هي أمام هجوم شفتيه ..
لتسقط صريعة .. بسمة .. نظرة .. غمزة ..
و غرقت ..
أمطرت ..
لتسقط القطرة الثانية ..
*لا تبكي .. جميلتي..
ابتسمت .. بينما سحره يلثم عينيها .. يرشف دمعتيها ..
و يهمس بإغواء
*لا تبكي .. فأنا عطش .. أريد الارتواء ..
أرض هي .. تعشق أن يرويها مطر الحب .. تنتعش به .. تسمو و تزهر ..
و هو يرتشف و يسقي .. و يروي بحر أنوثتها .. بسيول رجولته ..
تاهت و ضاعت .. و ما عادت للكلمات معنى ..
سُكرى هي .. بين أمواج جسده غرقت .. ليحتويها كلها ..
كالمحيط امتد فحاصرها كجزيرة ضائعة .. لا شطآن لها سوى عنده هو ..
آآآآه
هتفت ليقطف الآه بشفاهه .. يسحب منها الألم ..
يبثها طمأنينة و راحة ..
*اهدئي ..
همس بها لتركن له .. بينما لا يشبع ..
حبه كالرمال المتحركة.. تدفن كل شيء .. و تأخذ كل شيء ..
و لا تترك .. سوى البقايا .. من أي شيء ..
و هي كرمة عنب .. لا تمل العطاء .. لكن نضارتها تخف بعد كل مرة .. حتى يحل جفاف جذرها.. فتغمض أغصانها إلى أن يأتي ربيع آخر ..
*آه ..
تأوهت مرة أخرى .. فابتسم .. و كفيه يداعبان جسدها ..
*جميلتي .. انظري لي ..
فتحت عينيها بضعف .. تنظر لعينيه اللتان ما عرفتهما .. و قد شعتا بغمرة العاطفة المجنونة التي جرها لها ..
*انظري لي و أنا أدمغك باسمي .. أوسم جسدك بجسدي .. أروي روحك بحبي ..
فالحب يا سيدتي .. غذاء الأنوثة الملكي ..
اهربي ... صوت داخلها صرخ .. أنقذي بقايا نفسك من الغرق ..
و هل لم تغرق بعد ؟
شدت قبضتيها على كتفيه .. تركت أثر العاطفة عليه ..
و لم تغرق ؟ !
بل لم يعد هناك سبيلا للنجاة .. لم تغرق وحسب.. إلا أنها لم تعد تفكر بالفكاك منه ..
ما عادت هي ..
أصبحت ملكه .. مغيبة في العشق ..
امتلكها .. و ارتوى منها و رواها ..
*آه ..
تأوه هو هذه المرة .. كيف سمح لها بالفراق ..
ليته قيدها ذلك اليوم .. ليته كما اكتلك جسدها و قلبها امتلك عقلها ..
كانت ملاكه الصغير .. طفلة بالغة الأنوثة .. و هي تخرج من حمامه الخاص بمكتبه ..
تلبس قميصه الذي كان عليها كفستان ..
من رآها بالغة الأنوثة !
حتى لولا خوفه عليها لطرحها للغرام مرة أخرى .. خشي إيذائها .. ليس إلا ..
*لطالما حلمت أن ألبس قميص رجل ..
ابتسم .. و هل أجمل من أنثى تخفي جسدها بالرجولة بعد معركة حب حامية .. تركتها منهكة ..
و هل تحتاج إغراء لتزيد جنونه بها ..
كم أثارت جنونه أهاتها ..
ليتها بقيت بين ذراعيه للأبد ..
لكن الأشياء الجميلة تنتهي بسرعة .. و الرسائل المسجلة تصدح بصوت من تنتظره ليعود ..
ليقع كأس الماء من يدها ..
تناثر الزجاج .. تكسرت المياه على الأرض اللامعة ..
تماما .. تنزف الكأس المتكسرة كما ينزف قلبها ألما في هذه اللحظة ..
تحولت من زهر الربيع .. لليمونة صفراء .. ذبلت بانتظار قطافها ..
*انتظري ..
هتف و لم ترد .. تضع معطفها عليها .. بينما بقيت ثيابها عنده .. و قميصه معها ..
خرجت .. بقميص .. و معطف ..
هربت .. بينما حلمها الذي حققته كان آخر أحلامها معه ..
ماتت مقتولة .. دون أن تصيبها أية جراح خطرة ..
فقط في قلبها .. فقد هوى و تهشم .. و لم يعد صالحا ..
يومها عاد لبيته .. دون قميص !
حتى امرأته لم تلاحظ .. بينما قلبه يهفو لها .. أين هي .. لم يصبر ..
طوى على جسده ثياب حب جديد و خرج ..
يذهب لها .. لبيتها ..
دق جرس اللهفة .. فنظرت له من عين الباب .. لتهمس متأوهة بوجع
*اذهب ..
كم اختلفت آهاتها .. من قمة الحب .. لقمة الألم ..
*أحبك ..
*اذهب ..
لم يشفع عندها الحنين في صوته .. ضعفا .. فتحت ..
نصف الباب تقف تسد الطريق .. لأول مرة .. تلعن الحرية ..
تلعن ما تربت عليه أنها لا تختلف عن الرجل .. يحق لها ما يحق له ..
لم الآن تشعر أنها مدمرة .. لمَ تشعر أن بيتها الصغير يطبق على صدرها ..
كيف تلومها جدرانه .. وهل تنطق الجدران !
ذبلت لوزتيها .. عينيها .. فقدتا بريق اللقاء بالحب ..
و وجهها .. ما حل به .. لم يعد هو .. ذبل جمالها وذوى ..
بين ليلة حب ولحظة منها فقط !
حتى الكرز شحب ..
مد كفه يرجوها الغفران .. فالمشاعر الجارفة أسوأ ما فيها تجرنا للنسيان ..
نمحي كل شيء .. إلا نشوة اللحظة ..
امنحي الغفران مولاتي .. فأنا عاشق لا حكم لي بعلاقاتي ..
ليس ذنبي أنك تسربتي لدقاتي..
وغيرت برقتك كل حياتي ..
ليس ذنبي أن عشت قبلك ..
ولن يكون ذنبي إن عشت بعدك ..
لكن ذنبي أعظم .. أن فقدتك !
أطرقت .. فأمطرت ..
تلك القطرة الثالثة ..
*لا تعد ..
متيم هو .. لن يخرج من معركته بالحب دون صراع ..
دفعها .. ليدخلها معه .. دون تراجع ..و جدرانها الشهود ..
يحيي عهدا للحب لم يمضي عليه ساعات ..
حاولت ألا تكون مغرمة .. قاومت .. جمدت شفتاها ..
و أسره يشتد حولها .. فلم تملك سوى أن تسلم قلاعها ..
أسرها .. أغرقها .. ذابت و أسدلت أشرعة المقاومة .. كيف لشراع قارب أن يقف في مواجهة رياح عاتية ..
أسلمت و استسلمت ..
و الجدران البيضاء تنظر لأول مرة في بيتها .. كيف يكون الحب ..
حيث لا كرامة .. لا حق و لا واجب ..
حب .. و فقط حب ..