*ماذا الآن ..
همست هاربة .. ليست كالمرة الأولى ..
لم يرقه ذاك الجليد الذي غلف زجاج عينيها بعد كل العاطفة التي أغرقها بها ..
مستعد أن يدفع عمرا كاملا .. لتشرق كما أول حب بينهما ..
ليتها تشرق .. ليته يملك أملا ليعطيها إياها ..
لكن .. لن يكذب ..
شرقي هو .. لا يتراجع ..
شرقية هي .. لا تتنازل ..
شرقيو الهوى نحن .. نحب ولكننا لا نقدر على الغفران ..
صعب هو الغفران !
بصعوبة الفراق بل وأكثر ..
عجيب أمرنا .. كيف نقدر على الابتعاد عمن نحب دهرا .. ونحتمل ..
و لا نقدر على الغفران .. ونلتقي !
*ماذا تريدين ..
سأل برقة مبتسما يمد كفها له .. يشتهي أن يغرق أصابعه في شعرها الماطر ..
لقد أزالت آثار حبه عنها .. أزالتها كلها .. دون أن تترك بقايا للذكرى ..
واهم هو .. لو يعلم كم من الذكريات بقي لديها !
*كما نحن .. كوني معي لنواجه العالم ..
ارتفع حاجبها الذي شد انتباهه لم يكن دقيقا .. كثيفا .. كسنبلة قمح ..
*اذهب ..
بجمود طلبت .. ليقف مستغربا ..
*أحبك ..
*اذهب ..
كررت دون أن تنظر له .. لن تكون أخرى في حرب المرأة ضد الرجل ..
كيف تصارعهم و تشد أزرهم ..
كيف تفعل ما تنهي غيرها عنه ..
كيف تكون أثنان .. و لديها ألف خيار لتكون واحد .
لمَ عليها أن تعيش عمرا كاملا .. لينهشها وحش الغيرة ..
ليقتات على صبرها .. حبها شوقها توقها و رغبتها !
لمَ عليها أن تحترق رغبة بينما لا يمكن أن يكون لها أبدا .. كل لحظة و كل ثانية ..
لمَ .. فقط لمَ .
*اذهب ..
طلبت بقوة .. و هذه المرة أخذته العزة ..
التقط معطفه و خرج ..
خرج .. و لن يعود .. كما همست قبل أن يغلق الباب خلفه ..
رجل هو .. كرامته تأبى أن يلقى برودا من امرأته .. امرأة قدم لها كل حبه ..
امرأة .. اعترف لها بحبه !
امرأة .. قال لها أحبك .. أحبك .. ومع ذلك ... تطلب منه الرحيل ..
نفث دخانه عاليا ...
ربما ما كان عليه الرحيل ..
ربما .. ولكن كيف كان ليبقى .. وهي تطرده بزجاج عينيها البارد ..
و كرزها المعشوق .. يطلق عليه رصاصات الرحيل ..
أن اذهب .. اذهب .. ولا تعد ..
واهمة هي .. لو ظنت أن حب الشرقي أقوى من عزته ..
كم صار مكتبه باردا .
بعد تلك الليلة المحترقة .. لم يحدث أن نال مكتبه دفئا ..
*إن ذهبت .. لن أعود..
*لا تعد ..
بكل قوة قالتها ..
أحمق في العشق أيها الشرقي تعلم كل العلم أن الــ ( لا ) الشرقية تعني دائما ( نعم )
لكنك تأبى التنازل .. و تبقى ( لا ) عندك ( لا )
و تبقى ( نعم ) عندك ضعفا ..
*لن أعود ..
واثق كان .. وذهب ..
قاسي قلبه في الهجران .. لا يرحم .. و لا يطلب الغفران .. كانت مرة .. لن يحدث أن تتكرر ..
أغلق أبواب الأمل خلفه .. يخطو أولى خطوات الفراق .. أمام عينيها التي تراقبه من بين ستارتها الخائنة .. تلك التي لم نخفي رجولته عنها ..
غادر .. كعاصفة هوجاء دخلت حياتها ... دمرتها .. عاثت فسادا ..
و فجأة .. توقفت و رحلت ..
توقفت الخطا .. طيف ابتسامة على ثغرها بدا ..
لكن حتى الالتفاتة ضنّ بها ..
و لقلبها ما حن و لحبها ما اشتكى ..
ليته شكى لها حبها منها لقلبها ..
لكنه لا .. أكمل الخطا . . واثقها .. قويها .. غير مبال بها ..
و لثاني مرة .. تناثرت روحها شظايا ..
ذات اليوم .. ذات الجرح .. و كل مرة .. أقوى و أقسى من مرة ..
لم تعد هي ..
التوت شفتيها سخرية ..
الآن فقط .. الآن فقط علمت معنى التحطم الذي تكتب عنه في رواياتها ..
مؤلم هو .. سخرت من نفسها ..
مؤلم كالموت .. و لأول مرة .. تمنت لو أنها مجرد شخصية في قصة ..!
على الأقل مصيرها سيتوقف .. على قطعة ورق ..
و زادت ابتسامتها مرارة تتذكر أن مصير جميع شخصياتها ليس سوى بيانات رقمية .. سيكتب لها الزوال يوما و لن تقدر على الدفاع عنهم !
و كومضة برق تذكرت .. أن أخر أعمالها لا يزال عنده ..
يخضع لنقاشه .. ذاك النقاش الذي لم تفهم منه حرفا واحدا !
اختفى عن عينيها ..
و أمطرت .. عواصف عينيها برقت و رعدت .. و اشتدت حتى اقتلعت أشجار روحها العارية تلهفا .. و شوقا ..
كارثة هو .. حلت على قلبها و دمرت كل شيء ..
كيف تخيلت أن مثله غير مرتبط !
ألم يكن انطباعها الأول أن مثله يجب أن يتكاثروا .. حتى لا تنقرض الرجولة ..
ليتها انقرضت !
همست بغل .. و هي تعلم أنه يعود لها ..
و عادت لتمطر سماء عينيها .. لن تقدر أبدا على تخيل حياة كهذه ..
كيف ستتحمل كل يوم رؤيته ينظر لها !
*****
تمددت على السرير بضعف .. فقد أرهقتها الذكريات و أثقلت قلبها ..
نظرة لحاسبها المغلق .. جعلتها تعي كم هجرت من شخصياتها ..كم منهم ما زال ينظرها لتكمل له حياته ..
تلك تركتها في المخاض .. بينما رجلها في عمله لا يدري عنها ..
و تلك مقيدة تحت رحمة رجل سادي تنتظر من يحررها ..
و تلك هربت من ماضيها لتبني مستقبلا لها ..
و تلك .. و تلك ..
ماذا ستتذكر ! ربما حان الوقت لتقوم بثورة ضد الرجال !
ماذا فيها لو جعلت المرأة سادية ..
ماذا فيها لو عرضت الرجل لحادث مميت و زوجته تلهو ..
ماذا ..
أغمضت عينيها لتهرب من تخيلاتها ..
ماذا فيها لو لم يكن لأخرى !
و غرقت في رثاء نفسها .. لم يكن أحد قادر على معرفتها سواه ..
وحده أدرك .. كم الضعف الذي بداخلها .. و وحده كشف القشرة المتصدعة لقوتها ..
و هو فقط .. من تسلل لحياتها و كان له أثر فيها ..
أثر لا يمحى !
كم مر من الوقت عليها تعاني مرارة الفقدان .. و لوعة الهجران ..
حتى روايتها أعادها لها عبر ذات الرجل الذي نصحها به أول مرة ..
لتجد بها كل ملاحظاته .. خطت بخط يده ..
و ورقة لا تكاد تراها كتب عليها ..
( أحبك وأنا لك وحدك )
قلبت شفتها بمرارة .. كم كاذبة هذه الجملة .. ربما كانت من نصيبها هي ..
هي من يجب عليها قولها لكن هو لا ..
لا تليق به ..
تقلبت على فراش الماضي ..
تألقت بثوبها الأسود .. لتقضي سهرة في احتفال ما دعيت له .. ولبت الدعوة للهرب من افكارها ليس إلا ..و يا ليتها علمت أنها تهرب منه .. له ..
فما أن رآها حتى جن خافقه ..
تبادلا النظرات مطولا .. وكأن الكون خلا إلا منهما ..
عضت شفتها ليلوي ابتسامته لائما مقتربا بحزم .. يقيدها بعينيه لئلا تهرب وتفتك منه
*لا تقسي على حبات الكرز خاصتي ..
ابتلعت غصتها وهزت شلالات شعرها بلا ..
*ليس بي شيء خاصتك ..
أكد بغرور يطالع الأنوثة المتفجرة فيها ..
كم تغيرت ! لم تعد هي .. لقد حولها حقا لأنثى ..
همس بأذنها
*بل كلك خاصتي .. أتذكرين ؟
قست عينيها لتنفي بهزة من رأسها .. كاذبة ولثاني مرة معه ..
نعم كاذبة وتذكر ..
*لا ..
حتى نطقت كذبا .. التوى فكه بسخرية .. لم تعد هي من عرفها أول مرة ..
تلك ما كانت لتكذب .. ما كانت لتخاف الاعتراف ..
*من أنت ؟
سألها بلهفة لتلك التي كانتها ..
فأشارت لنفسها بقهر ظهر على محياها
*صنع يدك ..
لا يا سيدتي ما أردتك ضعيفة ..
أردتك دوما ثائرة في يدي طائعة ..
أردتك قوية وفي يدي مستكينة .. تمنيتك إعصارا وعلى صدري نسمة ..
تمنيتك عاصية على شفتي راضية ..
عرفتك صادقة .. فلمَ بين يدي ..
أصبحتِ كاذبة ..
صنع يدكَ سيدي صدقني .. لو كنت تعلم مجالا للعودة أعدني ..
بعيدا عنك دعني ولا تقيدني ..
فك حصار عينيك فقد أغوتني ..
كف عن الابتسام فقد أخبرتك .. أني لا أجيد السباحة في الإغراء وأغرقتني ..
كف حبك عني لأكف حبي..
( ليتك في الهوى ما هجرتني ..)
تقلبت على وسادة الهجران .. توسدته مذ عجزت عن الغفران ..
وأغمضت عينيها لتغفوا على الأحزان ..
أطفأَ قنديل وحدته ..
فقد اعترف لها وقال (لك وحدك )
على الانتظار باق .. هجر كل شيء إلا ذكراها ..
كان في الغرام فداها .. كل منهما هجر كل شيء عدا الانتظار ..
وكلاهما .. هجرا اللقاء والوصال !
غريب أمر الحب .. لا أحد يفهمه ..
سيدتي لا تعشقي .. فهو في الحب أناني .. ينتظرك ولا يأتي ..
سيدي لا تعشق .. فهي في الحب مترددة ترمي الحبائل وعندما تتعلق .. تهرب !
متى خضع الحب للمنطق ..
غرباء نحن حين نحب .. نهوى الذكرى ولا نهوى الحب ..
قد نعيش أعوام على أنقاضها ..
ولا نعيش شهرا من وصالها ..
فهل نحن عشاق للفراق .. أم عشاق للحب !
أغمض عينيه .. يتوسد فراش الحنين .. وجسده يشخر بأنين ..
خذني لها فأنا من دونها حزين ..
ليلجم ذاك الصوت ..
قالت ..( لكَ وحدكَ )
سننتظرها مهما طالت السنين ..
ربما يوما ما يأتي بها الحنين ..
اسكت يا جسدي واستكين ..
سيأتي هو يوما ما .. ويرجع لقلبي عاشق في الحب أمين ..
فقد قال ( لكِ وحدكِ )
********
لك وحدك ..
في الحب .. نملك شعارات براقة .. ولا نملك لها يمين ..
تمت بحمد الله
السبت 10 حزيران 2017