يحكى ان حكيما من حكماء اليونان كان يحب زوجته حبا ملك عقله وقلبه. وكان يمازج هنائه خوفه من ان تدور الايام دورتها، فيموت ويفلت من يده ذلك القلب الى شخص آخر.
وكلما صارح زوجته بخوفه من ان تتزوج بعد وفاته طمأنته بأن هذا مستحيل وكانت تقسم باغلظ الايمان فيرتاح قليلا ثم لا يلبث ان يعود الى هواجسه ووساوسه .
وفي احدى الليالي وهو يتمشى مر بمقبرة ورأى بين القبور امرأه بيدها مروحه تجفف بها قبرا جديدا لم يجف ترابه فاقترب منها وسألها ماذا تفعلين؟
فقالت انتظر حتى يجف التراب ثم اخبرك .. وعندما انتهت اعطته المروحة هدية و قالت هذا زوجي توفي منذ ثلاثة ايام وكنت اقسمت له ان لا اتزوج بعده حتى يجف تراب قبره واليوم سأتزوج بزوجي الثاني ولا اريد ان أحنث بيمين اقسمتها له ....
مشى الحكيم وهو متعجب من امرها وهو يحدث نفسه ويقول لقد احبها واحسن اليها فلما مات جلست فوق قبره لا لتبكيه ....... بل لتتحلل من يمين الوفاء التي اقسمتها له .
وصل منزله واستقبلته زوجته فقال لها : ان أمرأه خائنة اهدته هذه المروحة فقبلتها منها اليك .........لانها آداة من أدوات الغدر والخيانه وانت اولى بها مني .ثم أنشأ يقص عليها قصة المرأه فغضبت زوجته وأخذت المروحة من يده ومزقتها إربا إربا وهي تسب وتلعن هذه المرأه ثم قال لها انت اقسمت لي انك لن تتزوجي من بعدي فهل تفين بعهدك قالت نعم ورماني الله بكل مايرمي به الغادر ان انا فعلت، فأطمأن لقسمها.
مضى عام ومرض الرجل مرضا شديدا حتى اشرف على الموت ودعا زوجته وذكرها بالقسم فما غربت شمس ذلك اليوم حتى غربت شمسه وامرت ان يسجى بردائه ويترك وحده في قاعته حتى يحتفل بدفنه في اليوم التالي.
وجلست في غرفتها تبكيه وتندبه .
واثناء ذلك دخلت خادمتها تخبرها بان احد تلاميذ مولاها حضر ليزوره وعندما اخبرته بموته خر في مكانه مذعورا ولا تدري ماذا تصنع.
أمرتها الزوجة ان تأخذه إلى غرفة الضيوف وتتولى شأنه حتى يستفيق . وعادت الزوجه لبكائها ونحيبها .
فلما مر الهزيع الثاني من الليل دخلت الخادمة مره اخرى مذعورة تقول ان ضيفنا يعاني اوجاعا وآلاما وان نحن اغفلنا امره سيهلك لا محاله . فتحاملت الزوجة على نفسها حتى وصلت غرفة الضيف واقتربت منه ونظرت في وجهه فرأت اجمل ما خطته يد القدرة الإلهية فانساها حزنها على المريض الضيف حزنها على فقيدها الهالك واهتمت لامره ولم تترك وسيلة من وسائل العلاج الا توسلت بها اليه حتى استفاق ونظر اليها راكعة بجانب سريره فشكرها واثنى عليها ثم أنشأ يقص عليها قصة حياته.عرفت عنه كلما كان يهما ان تعرفه وانه غريب في قومه لا اب ولا ام ولا زوجة ولا ولد.
ثم اطرقت رأسها تفكر طويلا ورفعت رأسها وأمسكت يده، وقالت له: انت ثكلت استاذك وانا ثكلت زوجي وأصبح همنا واحدا فهل لك ان تكون عونا لي واكون عونا لك على هذا الدهر الذي لم يترك لنا مساعدا ولا معينا
فعلم ما بخبيئة نفسها وابتسم ابتسامة الحزن وقال لها : انها أمنية عظمى ولكن هذا المرض الذي لا يهدأ عني وأفسد علي حياتي وقد انذرني الطبيب بأقتراب ساعة اجلي ان لم تدركني رحمة الله . ابحثي عن السعادة عند غيري .
فقالت له : انك ستعيش وساعالجك فقال لها لا تتعبي نفسك انا عالم بدوائي
فقالت له : وما دواؤك ؟
قال : حدثني طبيبي ان دوائي في أكل دماغ ميت ليومه .
فاخذت تفكر ثم قالت أطمأن دواؤك لا يعجزني .
خرجت من الغرفة متسللة إلى غرفة سلاح زوجها فأخذت فأسا قاطعة ثم مشت حتى وصلت غرفة الميت وفتحت الباب وتقدمت الى السرير ورفعت الفأس لتضرب بها رأس زوجها، ولم تكد تهوي بها حتى رأت الميت فاتحا عينيه ينظر اليها، فسقطت الفأس من يدها وسمعت حركة وراءها فالتفتت ورأت الضيف والخادمه يضحكان ففهمت كل شئوهنا تقدم نحوها زوجها وقال لها : اليست المروحة في يد تلك المرأه اجمل من الفأس في يدك ؟ اليست التي تجفف تراب قبر زوجها بعد دفنه افضل من التي تكسر دماغه قبل نعيه ؟ فصارت تنظر اليه نظرا غريبا ثم شهقت شهقة كانت فيها نفسها .