حقيقة مؤلمة لأمي

159 3 0
                                    

*** يوم جنازتي
سيتجمعون في منزلي
لتوديعي في رحلتي... الأخيرة
وربما سيتغيب بعضهم
فمشاغل الحياة ...كبيرة

وقبل حمل نعشي بدقائق قليلة
سيختلفون حول سبب موتي
لان أسباب الموت كثيرة

سيقول الطبيب الشرعي
"لقد مات لان ذاكرته اصابتها اخطر الاورام
وسيقول صديقي المقرب
لقد مات بسبب نزيف حاد في الأحلام
وسيقول رجل الإنقاذ
لقد مات غرقا في بحر الأوهام
آما رجل الشرطة فسيقول
لقد مات لأنه زمن المعركة رفض الاستسلام

الساعة ستكون صلاة الجنازة
لقد حان موعد الرحيل
وحان موعد نقل... نعشي
موكب الدفن الان يجب ان ..يمشي

في تلك اللحظة سيتعالى
صراخ امراة
تبكي بحرقة
من ستكون هذه المراة ؟؟
ربما ستكون أمي او اختي ..
وربما ستكون زوجتي او ابنتي او حبيبتي ..
لا اعرف من ستكون لا اعرف
فلا علم لي بمن سيسبقني الرحيل
ومن سينتظر ليرحل بعدي

وهم يحملون نعشي على ظهورهم
سأودع بعض الأشياء
سأودع نظارتي وغرفتي
سأودع الذكريات التي كتبتها في مدونتي
سأودع المدرسة والمدّرسة التي درستني
سأودع تلك الحبيبة التي رحلت ونسيتني
سأودع ذلك النادل و المقهى والقهوة
ساودع الاصدقاء والعائلة والاخوة
الموت والوقت لا يسمحان بوداع
كل الذين أريد ان أودعهم
الموت والوقت لا يسمحان بوداع
كل الذين أحبهم
موكب الدفن لا يتوقف
الحزن يقصف
الدموع تذرف
الوقت ينزف
الوقت ينزف

ومع صلاة الظهر او العصر
سيصل الموكب والنعش الي القبر

حفرة صغيرة
حجمها اكبر بقليل
من جسدي النحيل
ستكون منزلي الأخير
وفي تلك اللحظة
سيبكي كل الحاضرون في الجنازة
ليس من اجلي
بل لأنهم سيتذكرون برهة
انهم سيواجهون نفس المصير

سيضعون جسدي في تلك الحفرة المخيفة
وسيضعون فوقه التراب
انها نهاية رحلة
انه الغياب
انها نهاية

***مساء الخير يا أمي .. أكتب لك من غرفة مظلمة حيث الليل هوا صديقى الوحيد هوا يحرضني على السهر رغم الصخب الذي في داخلي أبدو أمامه كأعمى يدخل مدينة الملاهي..
كيف حالك يا صغيرتي .. ليس غريبا أن تكوني صغيرتي و أنت في الستين .. كلما كبرنا يا أماه يصغر فينا كل شيء
سأعترف لك الليلة اعترافا لا يقولها الأولاد لأمهاتهم ..
في مراهقتي كنت سيئا ..
خبأت في جيبي علبة سجائر و قداحة .. و كنت أتسلل ليلا لأخرج أشياء التي خبأتها عني و نعم كنت اهرب من المدرسة ايضا ..
..
أنني لا أستطيع الكتابة لك إلا بعد تلك السجارة المخدرة اللعينة .. بعدها بالضبط تصبح الكتابة مثل امرأة من ميلانو .. تدعوني لمنزلها مساءا .. و تصب لي قدح النبيذ الأحمر .. و تضع لي كرسيا أمام الموقد بعد أن تخلع معطفي و تعلقه على الجدار .. ليبقى الشاهد الوحيد على كل شيء ..
أخبريني عنك يا صغيرتي لصغيرة .. و عن عصاك التي مازالت ترعبني رغم أكثر من عقدين .. و عن تجاعيد يدك التي تشبه الممرات الضيقة في غابات براغ ..
لقد كبرت يا أمي و أصبحت أنسى كثيرا .. و لكنني أتذكر جيدا كيف كان يقف ذلك الطفل النحيل أمام المدرسة .. و ينتظر إمرأة بعباءة سوداء ممزقة .. تقطع الشارع العام .. تحتضنه ثم تقلب حقيبته و تسأله السؤال اليومي .. ماذا أعطاكم المعلم .. ؟
أكتب لك يا أمي من قلب"" لقد كبرت يا امي و صرت ضعيف حيث ذالك الدخان اللعين يلهو بجسم إبنك النحيل ..
أشعر يوميا بالتعب و الإنهاك و اتمنى لو تعود تلك الأيام و تأتي تلك إمرأة بعباءة سوداء ممزقة أن تعبر الشارع و تقلب جسمي ثم تختضنني و تسألني السؤال الذي كبر معي ..
ماذا أعطاكم المعلم ؟

في طريقي الى جهنم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن