05

477 63 50
                                    

تجلس على الرمال برادئها الخفيف الذي يعانق جسدها الهزيل، تحتضن ركبتيها، وهي مطلقة أنظارها لتعانق البحر أمامها الذي تتخبط موجاته بسبب برد الشتاء، تشكي همها له لعله يخفف عما بها، ولكن ها هي تراها هائج أمامها أيخفف عن نفسه أم يخفف عنها ؟
تطلق تنهيدة بعد فترة طويلة من جلوسها محملة بالهموم والحزن والتعب، تنهيدة تعلن بها أنها فقدت القدرة على التحمل، فقدت نفسها، فقدت روحها، فقدت كل آمالها، لم تعد تريد الحياة لقد تخلت عنها وتركت يديها كما فعلت بها الحياة من قبل، أنها فقط تسدد دينها للحياة، و ها هي على أتم الإستعداد ﻹستقبال موتها بكل صدر رحب.
توقف يحاول تنظيم أنفاسه نتيجة لجريه مسافات للبحث عنها في هذا الليل، و حال ما لمح جسدها من بعيد على شاطئ البحر شعر بالراحة و أطمئن قلبه، أكمل جريه نحوها ليقول بقلق عندما قابلها من الأمام "أين كنتِ ؟ لما هربتي من المشفى ! الكل يبحث عنك أمك قلقة و-"
توقف للحظة عندما أدرك أنها ترتدي
زي المشفى فقط في منتصف الشتاء أمام البحر ،ليتدارك نفسه بسرعة ويخلع معطفه لينحنى بإتجاهها ليحيط به جسدها الصغير ويقول بنبرة تملأها العتاب "لما خرجتي هكذا حالتك ستزداد سوءاً " يحل الصمت فترة ليتنهد، يعلم أنه لن يسمع منها جوابها  ، يجلس بجانبها يعانقها ويحتويها يمسد شعرها بيديه يعانقها بنظراته ليطمئن نفسه أنها هنا،
ليمحى الأفكار السيئة التى لم تفارق باله قبل عدة ساعات وهو يبحث عنها من لحظة اختفائها إلى الآن لم يهدأ ضجيج عقله فكر في كل الإحتمالات الموحشة، لكنها الآن بين يديه فأرتاح قلبه و سكنت أفكاره
لمعت الدموع في عينيه عندما سمع صوت بكائها ليكوب وجنتيها بيديه ويدير وجهها ناحيته ويقابل عيناها الدامعة، شعر بالضيق كصخرة قد رميت على قلبه أثقلته وأحزنته وألمته، علم أنها سوف تنهار ولكن لم يكن ليتخيل منظرها بالدموع فمنذ علمها بمرضها لم تذرف دمعة واحدة ،بقى بجانبها بكل دقيقة ليحرص على عدم حدوث هذا، ليحرص على أبقائها قوية، ليحرص على بقائها بجانبه، ليحرص على عدم تحطمها ولكن ها هو الآن يراها تبكي يرى دموعها تنزل وهو فقط عاجز، عاجز عن أي شيئ وكل شيئ وكم يكره عجزه هذا .
قالت بصوت مخنوق أثر بكائِها "أنا لا أريد الموت تيهيونق ، لا أريد الموت "
أنطلقت دموعه أيضاً دون إنذار ليحتويها في عناق دافئ ويدفن رأسها في صدره، عناق حاول أن يعبر به عن ندمه وأسفه، عناق يعبر به عن كم أحبها وكم يحبها وكم سيحبها إلى أن يفرقهما الموت! وبعده ..

شِتاء||WINTERحيث تعيش القصص. اكتشف الآن