معنى الالم

9 0 0
                                    


تناهى الى صوت بكاء يدق اوتادا في قلبي فلا يجد فيه الا بئرا عميقا لا قرار له ، تعالى صوت نحيب الطفلة في عقلى الان و انا احاول بشتى الطرق ان اصرف هذه اللعنة عنى ، لعنة جديدة . تضاعفت اللعنات على روحي البائسه و صارت كجبل عظيم يسحق تحته محارا بحريا صغير .. قوي من الخارج للناظرين و يجرح و يقطع كل من يجرؤ على لمسه و لكنه اضعف من اضعف الكائنات من الداخل .
لم يكن الطريق الان يعني لي شيئا و انا اقود سيارتي هربا من حياتي و لعناتي المتراكمه ، لم تكن هذه هي رحلة الهروب الاولى و لن تكون الاخيرة . هه الان انا ارى الحقيقة انا اراهم ارى ارواحهم ذكرياتهم الامهم افراحهم طفواتهم شبابهم شيخوختهم ... موتهم .
كانت الاضواء المتلألئة الان تبدو بعيده و انا ابعد شيئا فشيئا عن المدينه ... الى اين اهرب الان و اين اذهب ... لا مكان ... لا يوجد جديد و لا يوجد مستقبل ... فقط ماضي ... ماضي فقط ... لا حاضر و بالتأكيد لا مستقبل .
اوقفت محرك سيارتي الان و انا على ذلك الطريق السريع و انا اعرف ما الذي ينتظرني ... فقد رأيتها تأتي مسرعة من خلفى ، كانت سيارة كبيرة محملة بأحجار ضخمة بالتأكيد هي اتيه من ذلك المنجم في ضاحية المدينة .
تفاجأ الان سائق السيارة بردة فعلى المفاجأة و ايقاف سيارتى و اسقط في يده فحاول تفادي سيارتي و انا انظر من خلال مرآة سيارتي الى تلك السيارة المسرعة نحوي و التى تستعد لسحقي ان لم يكن تحت عجلاتها ف ستكتفي تلك الاحجار بالمهمة ، انحرف السائق يسارا فجاءة و هو في نفسه الان يلعنني و يصب كل السباب و الشتائم علي جراء موقفى المفاجئ هذا ... و استدارت السيارة و انزلقت و هي تميل بشدة على جانبها الايسر و حاول سائقها ان يعدل من وضعها حتى لا تنقلب و اسرع يديرها سريعا الى اليمين ليحافظ على التزانها و انا اصرخ في سري هيا افعلها الان هيا انها فرصتك ... و لكن القدر تحالف معى ضده و انزلقت عجلات سيارته سريعا و اسرعت السيارة تهوي على جانبها الايسر و قد ساهمت تلك الاحجار الضخمة في عدم اتزان تلك السيارة و ارتطمت بشدة على جانب الطريق و هي تزحف على الطريق و تجرف ارضيته جرفا و دفعت احدى هذه الصخور مؤخرة السيارة دفعا جعلتها تدور في الاتجاه المعاكس لتدور حول نفسها و تقترب منى و قد ابى القدر ان يمن عليا بتلك الفرصة للحياة و هذه المرة لم تنجو سيارتى من الارتطام بمؤخرة السيارة الكببرة و دارت سيارتى بدورها في حركات دائرية حول نفسها عدة مرات قبل ان تصطدم بحاجز اسمنتى جعلها تنقلب على رأسها و تدفعنى قوة الاصطدام الى الخارج بعيدا .
كان من سوء حظ هذا السائق التعس الذي اوقعه قدره في طريقى ان اصطدمت سيارتى الان بمقدمة سيارته حيث يجلس هو محشورا و مكسورا داخل سيارته .
انا الان اصارع و لكن ليس صراعا نفسيا هذه المرة ... فأنا الان احاول النهوض على قدمي مستندا الى احد الاشجار التى القيت انا بدورى تحتها ... كان الصراع الان قويا و غريزيا و انا احاول التشبث بالحياة و النهوض على قدمى ... و استجمعت قواى و استطعت الوقوف و انا احنى رأسي من جراء التعب و الصدمة و انظر بطرف عيني الى ذلك المشهد العبثي الملقى على الطريق و اخذت اجرجر قدماى نحو تلك السيارة و انا اشاهد النيران تشتعل في سيارتى و الوقود يتساقد منها ليغرق مقدمة السيارة الكبيرة و بالكاد وصلت الى هناك و انا ارى النيران تشتعل في كل من السيارتين و اشاهد بعينين باردتين ذلك السائق و هو يصارع الموت حرقا و يرفع يديه نحوى مستنجدنا و صارخا الي طالبا النجدة و انا انظر اليه كأننى انظر في صندوق فارغ و لا احرك شيئا و لا يهتز لي حتى جفن واحد
لم تمكن تلك هي المرة الاولى التى ارى فيها الموت ... صديقي الموت .. عميلي السري ... خاتم اسرارى و شريكى الدائم في رحلتى .
نظرت بطرف عيناى جانبا لارى سيارة اخرى تسرع نحوى و يبدو انها لم تكن تكترث بذلك الحادث فلم يبطئ سائقها من سرعته لينزل و يرى و يساعد هؤلاء الجرحى او يخرج احد القتلى ... اسرعت انا اقف في منتصف الطريق في وجه تلك السيارة و التى فوجئ سائقها بردة فعلى هذه فأسرع ينحرف يمينا بشدة مبتعدا عنى .
يبدو اننى قد راقتنى هذه اللعبة و انا ارى الكل يخشى الاصطدام بي و تقع المهالك لهم بدلا منى ... كنت انا اطلب الموت على ايديهم و لكن الموت يغير طريقه ليقبض ارواحهم هم ..... هه ياللقدر ... كان القدر رحيما بذلك السائق ايضا فلم تنقلب سيارته او تصطدم بشيئ فقد تعامل هذا السائق سريعا و استطاع ان يعيد اتان سيارته قبل ان يهدئ من سرعته و يتوقف فجاءة .
انا اعرف بم يفكر الان ... كان الان في لحظات ما بين الموت و الحياة و هو لا يصدق نفسه انه قد صارت له ايام اخر ... كان الان بالتأكيد تتصاعد انفاسه بسرعة و تزداد ضربات قلبه بشكل كبير ... قد يسبب هذا له انفجارا فى احد الشرايين او سكته قلبية من عظم الفرحة ... كثيرون قد حدث لهم ذلك و قد اعتقدوا انهم نجوا من الموت و لكن الموت كان يفاجأهم حينها بطريقة ساخرة ... اعرف شعوره الان ... انه الميلاد الجديد ... كل من نجا من حادث يشعر حينها انه قد ولد من جديد و تتصاعد نبرة الاخلاق و الضمير لديه و يسعى حينها الى تصحيح مسار حياته ، كم من وعود قطعت و انت بين اسنان الموت ، كم من نذور حلفت ان كتبت لك النجاة .... اسرع الان ذلك السائق يعدو خارج سيارته متجها نحوى ليطمئن على ... و هو يصيح هل انت بخير
نظرت اليه طويلا و انا افحص روحه و هو يعتقد اننى من هول الصدمة قد انعقد لسانى ...
- انت كويس .... طب فيك اي جرح ... حد كان معاك ف العربية ..
نظرت اليه مرة اخرى و انا اتجه الى سيارته
- طب ماسي روح العربيه ارتاح هناك
و مضى هو يتفقد سيارتى و تلك السيارة الاخرى المشتعلة و هو يحاول ان يتفحص هل يوجد بداخلها اي ناجيين
ركبت انا سيارته و ادرت محرك السيارة و انطلقت بها و هو يصيح خلفي ..
- انت يا عم ... انت يا اخينا ...
و هو. يجري خلفى محاولا اللحاق بي كانت هناك سيارة قد توقفت الان بجوار هذا الحادث و كان سائقها يتحدث الى سائق هذه السيارة التى انا فيها الان و اسرعت انا الان ادير هذه السيارة نحوهم و انا انوى ان اذهب اليهم .... و انطلقت بسرعة و مرقت بجوار ذلك الرجل كالسهم فقفز بعيدا ناحية السيارة المشتعلة و هو يصيح
- دا مجنون يا عم ... دا مجنون ..
انا الان اعود من حيث اتيت و الصور تتسارع الي الان الطفلة الصغيرة ، الطبيب ، زوجتى ، السباك ، مالك المنزل ،و ..... سائق التاكسي .
لم اشعر بنفسي و انا اقود السيارة حتى وصلت الى منزلى ... كان المكان يبدو هادئا على عكس ما توقعت ... نزلت من تلك السيارة ببطء و عقلي احس به كأنه صندوق فارغ ... ترجلت نحو باب المنزل و فتح ذلك الباب الذي تقبع خلفه اخر لعناتى .... و كان الظلام محدقا ... بحركة غريزية تلقائية اضئت انوار بهو المنزل كان منزلى خاليا
- راحت فين دى ..تسألت انا مندهشا و علامات الضجر و الملل تبدو علي ... القيت جسدي على ذلك الكرسي و انا ادير عيناي يمينا و يسارا ... كل شيئ كما تركته منذ ساعات ... الاريكة و الطعام على المنضدة كما هو لم يمسه احد ... و السكين !!!
كانت السكين في مكانها مغروسة في تلك المنضدة .... نظرت اليها مليا و انا اتذكر ما حدث
لقد كان نهارا عاديا صحوت متململا على سريري و انا لا اريد النهوض فاليوم كمثل اي يوم اذهب الى عملى النهارى في شركة السجائر الاجنبية تلك و اعود منهكا في نهاية اليوم عند الساعة السابعة الى المنزل و انا لا اكاد ارى مترين امامى
- اصحى كده هتتأخر زى امبارح ... اصحى يا عم كفاية نوووم ... يوووه عاوزه ايه انت كمان
كانت طفلتى الرضيعة ذات الاشهر الثمانى و التى يعلو صراخها منذ الليلة الماضية بطريقة زائدة عن المعدل الطبيعى
- مش عارفة هى مالها من امبارح
- البت محمومة ...
قلنتها و انا احاول النعاس ثانية احاول ان اخطف بعض اللحظات الجميلة من النوم قبل يوم شاق مرهق
- محمومة ايه انت هتفول عليها
- يا ستي من امبارح بقولك محمومة ابقى صدقى
عندها اخذت تلك الوسادة الصغيرة لأضعها فوق رأسي عسى الا يستطيع صوت الصغيرة النفاذ الى
- و انت عرفت منين ... كنت اشتغلت دكتور و لا تكونش دكتور
رفعت حينها الوسادة من فوق رأسي و انا انظر اليها ... ثم حركت شفتي ممتعضا و اسقطت الوسادة منرة اخرى فوق رأسي و لكن الصراخ مازال يعلو .... كان الامر جادا اذن و هي الان في مفترق الطرق ... اما الحياة و اما الموت .
كل الحيوانت حتى المفترس منها تخاف على صغارها ... الثعابين و الوحوش و الذئاب تهرع لنجاة صغارها ... لكن التماثيل الحجرية لا تحس و لا تحرك ساكنا ... لا تكترث بما يحل للتماثيل الصغيرة او للكائنات الحية كلها
كان قلبي باردا .... و لكن مسا ضئيلا من بعض الانسان بداخلى ايقظني و انا اتنفس الصعداء و لا يوجد امامي حل اخر
ذهبت الى حيث زوجتى وهي تهدهد الصغيرة التى مازال صراخها بلا انقطاع وجعت يدي على جبين الطفلة و فتحت فمها الصغير ثم نظرت مليا و قد اضئت كشاف هاتفي لأنظر داخل فمها ...
- هتعملى فيها دكتور
- البت محمومة
- يا اخي حرام عليك انا عطيتها خافض حرارة و هتبقى كويسه
- بقولك محمومة
- يعني ايه
- انت عاوزه البت و لا لأ
- ايه ؟
- لو عاوزاها تعيش خديها دلوقتى عالمستشفى
- مستشفى ؟
- اه المستشفى
- طب و انت رايح فين مش جاي معايا
- لأ انا رايح الشغل
- ايه رايح فين
- ايه الشغل ... مش انت مصحيانى و قالقه منامى و اصحى اصحى عشان الشغل
- ايوه بس انت بتقول ان البت محمومة و لازم نوديها للمستشفى
قلت لها و قد اشرت بسبابتى اليها
- توديها
صاحت و قد بلغ منها الضيق لعدم مبالاتى لها
- يعني ايه هتسيبني ... هى مش بنتك زى ما هى بنتى
نظرت اليها شذرا ثم خرجت من تلك الغرفة الى غرفتى لأغير ملابسي و لكنها جاءت خلفى
- انت ايه يا اخى معندكش قلب ... هتسيبني و البت محمومة كده و هتنزل
- و مين قال انها محمومة
اجبتها بكل برود و انا اخرج ذلك القميص الازرق الذي اهدته الي في عيد الحب الماضي ، كان برودي يستثيرها و هى تنفعل الان علي
- انت .. انت اللى قلت انها محمومة
- و هو انا دكتور
و نحيتها جانبا لأمر لأحضر بنطالى الملقى منذ امس على ذلك الكرسي الخشبي امام المرآة و هى تنظر الي في ذهول و قد انعقد لسانها من برودي هذا و قلت لها و انا اقفل ازرار قميصي مبتسما
- حلو القميص ده ... لونه تحفة ... طول عمرك ذوقك هايل .... جبتهولى ف الفلانتين ده صح
كان برودى مستفزا و تلك الضحكة الصفراء المرتسمة على وجهى تزيد من اثارتها و ثورتها
كنت الان قد انتهيت من ارتداء ملابسي و حذائي و قلت لها بوجه عابس و انا التقط مفاتيحي
- عاوزه حاجه و انا جاى
و تركتها بعد هذه الجملة النمطية التى يقولها اي زوج و هو يهم بالخروج من منزله ،.
يختلف الاسلوب و طريقة الالقاء و مقدار الحب و مقار البذل و الصدق و لكن تظل تلك الجملة واحدة
قد يقولها قائل وهو يتأفف و قد اثقلته اعباء المنزل و الاطفال و الدروس الخصوصية و المأكل و المشرب و الملبس ، و يقولها اخر مبتسما و محتضنا زوجته في حب و عطف و غالبا ما تعقبها هذه الجملة قبلة حارة على خدها او في الفم ...
القبلة انفعال غريزى لا طائفي لا دينى لا يعرف قوما او شعبا
القبلة لغة عالمية ... تعرفها و تنطقها كل الشعوب ... لها من الابيات في اللغات ما يضارع الرمل الملقى على الشاطئ ، كل الاديان و الفلسفات حارت فيها و تلذذت بها ... تنعتها بأقبح الالفاظ تارة ... و اخرى تسكب عليها اسمى المعانى و ارقاها و اقتربت منها لأقبلها و تطلعت هي لتلك القبلة و اغمضت عينيها و لكننى تذكرت فأدرت وجهى بعيدا و مشيت نحو باب المنزل
كان ذلك كصفعة قوية على كبرياؤها و انوثتها و اسرعت تجرى نحو الباب لتسبقنى اليه و قد مدت ذراعها لتمنعنى من الخروج و هى تقول صائحة غاضبة و قد اشتعلت كل المشاعر داخلها ... الانثى المجروحة في كبرياؤها و الام الملكومة في صغيرها و الزوجة المهملة في حقوقها
- مش هتطلع من هنا
- لو سمحتى سيبينى انزل الشغل
قلتها و انا بكل ثبات و رباطة جأش و هذا مازادها غضبا فالانثى كائن قنفودى يجرح بشده من يقترب منه حتى و ان اقترب ليحمله من حفرة او بئر فما بالك و الشخص الذي يلقي بها في متاهة المشاعر
- انت ايه معندكش قلب ... نازل و سايب بنتك كده هتموت .
ابنتى الصغيرة ذات الثمانية اشهر تلك الصغيرة التى جاءت الى هذا العالم القبيح لترشف منه نسمات الغدر و القسوة و الخيانة ، كانت تمنى نفسها في مضجعها الرحمى بأب حانى و ام فاضلة .... كنت قادرا على اختراق ارواح البشر الان ... فنظرت اليها لعدة ثوان و قد ضاقت حدقت عينى فأرتجفت شفتاها و اهتز جسدها فأمسكت بيدها بكل هدوء و انزلتها و شرعت اخرج من المنزل و انا اقول بكل هدوء
- لو عوزتى حاجه كلمينى
و هي صامته كالحجر و خرجت مسرعا الى عملى اليومي ذلك النير الذي قيدتنى به ... لماذا هذا العمل ... لا اعلم ... كل يوم اسأل نفسي هذا السؤال و لا اجد اجابة ... علمتنى خبراتى السابقة ان ادع الحياة تمضي فأنا لست الها و ان كنت حقيقة نصف اله ..... ذهبت الى عملى و

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Dec 10, 2017 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

مرمرية حيث تعيش القصص. اكتشف الآن