صوت بكاء ذاك الطفل شد مسامع رجلٍ يستدرجه لداخل الزقاق المظلم , ينظر للصغير الذي لا يتعدى الخمس سنوات يمسح بكلتا يداه آثار الدموع عن عيناه , يرى الرجل الطويل الذي توقف امامه ينحني له يمد يده بروية تجاهه ليجفل منها متراجعاً للخلف ..
"لا بأس عليك يا صغير , أين عائلتك أيها اللطيف؟" جلس بقربه يمسح له دموعه يقاطع عمل يدا الطفل على وجهه
"نـ..نونا ذهبت كي تشتري وهربت منها فضللت الطريق " بصوت ناعم تحدث
"هل تذكر المكان الذي كانت ستشتري منه نونا ؟" دارك وضعه وتفاعل معه بالحديث يسير خلف ذاك الصغير الذي يرشده لمكان المتجر الذي هرب منه
وصلا امام متجر كبير يعرض ملابس أطفال بالنافذة الامامية على جانبي المدخل , يدخل ذاك الرجل يسحب ورائه الطفل يحكم إمساك يده حتى لا يضيع , يرون امامهم فتاة تبكي بحسرة ليترك الطفل يده يجري باتجاهها يضع يده على وجهها لتراه , فتأخذه بحضنها بلهفة والحياة تبادرت بالعودة لملامح وجهها مجددا ترى من فقدته عاد لها
سحبها الطفل باتجاه الواقف ينظر لهم يشد طرف قميصها الذي ترتديه
"نونا , هذا الأجاشي هو من ساعدني كي آتي لهنا " اخبرها وبإصبعه يشير للمقصود
"اوه , شكرا لك حقا , كدت اموت من قلقي على هذا المشاغب الصغير " انحنت له ممتنة على معروفه ذا
"لا بأس , لكن رجاء انتبهي جيدا له" انحنى بدوره واستقام يلتف للجهة المعاكسة يغادر المكان تحت نظرات الفتاة التي تحدق به
~بعد مرور اسبوع على تلك الصدفة
بذات اليوم والوقت بعد اسبوع التقيا مجددا , ليس بسبب أخاها الصغير الذي كان الدافع الرئيس للقاء , بل إن ذات الرجل يكون صديق مقرب من زميلها بالكلية وشريكها بإحدى المشاريع , لهذا كان اللقاء مرة اخرى
جلسوا جميعا في ذاك المطعم كي يناقشوا امر مشروعهم وكان هو ضيفاً عليهم مدعوّاً من قِبَل صديقه وشريكها , لذا جلس بامتعاض خائفاً ان يفقدهم التركيز على إهتماماتهم , لا يعلم انه ضيف خفيف النفس , كنسمة هواء باردة عليلة تداعب حنايا جسدها الذابل , كنغمة هادئة تشعرها بالحياة هو كان .
يتفرس النظر لها تدقق الفكر بالورق تتمعنها , ترفع خصلات شعرها بنية اللون لخلف أذنها تركز بما أمامها , غير عالمة بمن سلبت أنفاسه للتو
..
بعد ذاك اليوم كثر اللقاء فيما بينهم , أصبحا أصدقاء بفترة وجيزة لم تتعدى الإسبوعين , زياراتهم العائلية اصبحت بتزايد مستمر , إعتياد أخوها الصغير عليه تزايد مع تناوب الزيارات بينهم , اللطافة مع الرجولة شكلت خطرا على قلبها حينما التقى أخوها به , أوتار قلبها تعزف نغمة هادئة منخفضة الوتيرة , تتلاعب بالنوتات كلما رأت تبسماً صدر منه
هما الإثنان خطر على بعضهما , وعلى قلبهما إن صح القول , يفترسان قلب الآخر بنظرة , تليها همسة , فتتشكل شفتاهما راسمة بسمة تذيب الناظر لها , يرهقهم التفكير , كما أرهقتهم نبضاتهم المتسارعة الحائرة , هما يحبان بعضهما دون معرفة الآخر بذا .
في الخامسة عشر من الشهر الجاري , إنقطعت أخبارهما عن بعضهما , ذبحهما تفكيرهما ,( هل الآخر بخير ؟ أهو بصحةٍ جيدة ! لما غاب كل ذا الوقت ؟) تتبادر تلك الأسئلة وأكثر لعقلهما , ماذا فعلا كي يحصدا هذا الفراق ؟
تحول اليوم لاسبوع , الأسبوع لشهر , وشهور تجرّ بعضها حتى أمسيا دون رفيق , وصل دربهم لبعد نصف سنة ! إعتادا ان يصدقا انهما سينسيان الماضي , لكنهما اكتشفا انه فقط دوامة تحيطهما من الخارج
في الثالث من بعد نصف سنة , وفي ذاك الطريق المعتم , بذا الوقت المتأخر من الليل , بينما الخطر يحيط المكان من الإتجاهات الأربع , تعود من عملها متعبة , تسير من ذاك الزقاق المظلم لا تدري ما ينتظرها فيه , تحمل بيدها لعبة صغيرة لأخاها الصغير بدوره , تفرحه للحظة تنسيه فراقها الذي تضطر له كل صباح برؤية الدموع تنساب من عينيه الرماديتان
قطعت منتصف الزقاق تتلفت بين الفينة والأخرى جاهلة تماماً عمن يترصد لها يراقبها في عتمته , ليقاطع تفكيرها يدٌ حطت على منكبها الأيسر ترعبها , تلتفت فزعة ممن قد يكون ذا , لا تدري أن من لا تزال تفكر به هو عينه من يقف أمامها الآن بعينان متلألأتان ينظر لها , ولا تدري كيف ومتى هي ارتمت بين أحضانه تشده لها تحكم القبض على جواف قميصه , تتساقط قطرة , تليها أخرى , ليصل صوت نحيبها الأفق , فرحةً مسرورة بعودة من اشتاق له قلبها وأدمن التفكير به عقلها , من اشتاقت مسامعها لصوته , وعيناها لرؤيته , هو ذاته , هو ذات الشخص الذي أحبته قبل نصف سنة مضت من الآن .
متناسية جميع الأشياء من حولها , متناسية سؤاله عن سبب رحيله فجأة , آمنت باللحظة التي جمعتها به الآن , لا تفكر بسواه , هو فقط من يحتل ألبابها , تريد التنعم بالمزيد من جنتها التي فقدتها
بثغر مبتسم وصمت تام , أدلف نحوها يقطع المسافات بينهما , تتلامس ثغورهما بإبتسامة رافقتهما طيلة الطريق , و بتزايد
في حنايا الليل , وبتلك العتمة هما اعترفا بخطيئةٍ أوقعتهما بشباكهما , اعترفا بما أرهق ألبابهما , وأتعب فكرهما
اعترفا بحبهما
.... النهاية ~~
أنت تقرأ
The Wanderer
Romanceالتائه.. ...... "أبحث عن الحب . أيمكنك إعطائي إياه بين خفايا أضلعك ؟ و في حنايا أحضانك ! تغرقني للحد الذي يجعلني لا أطلب الإنقاذ " كتاب يحمل عدة تخيلات لأعضاء exo