رواية (تشارلوت )
( فصل الاول )
(( و يزدهر الامل )
كانت تشارلوت ويلز من امرأة فرنسية تدعى ( كلاي برونو ) و رجل امريكي يدعى ( سيث ويلز ) ، عاشا والديها حياة فقيرة و لكن دافئة و مكتظة هيام و تفان، و انجبا طفلين جميلين، إحداهم هي تشارلوت الفتاة الروؤفة الفاتنة، كانت تقطن في بيت والديها في قرية صغيرة في شمال فرنسا مع جدتها العجوز كلاريس برونو. كلاريس كانت عطوفة جدا و تحب تشارلوت حبا لا يصف ب الكلمات، على عكس والدة سيث التي رفضت علاقة كلاي ب سيث حاولت جاهدة مسح آثار ذكرى كلاي القيمة من حياة سيث، كانت كلاي مريضة جدا و لم يكن في وسع سيث دفع تكاليف العلاج، عمل جاهدا في المدينة و ارسل المال بعدة طرق الا ان عملية كلاي الاخيرة فشلت فشلا ذريعا و ماتت قبل ستة اعوام، وقتئذ كانت تشارلوت في الثامنة و وجدت صعوبة بالغة في تقبل حقيقة موت كلاي، و شاء القدر أن تفقد سيث و هي في الحادية عشرة ، و لم يتبق لها الا شقيقها فرانك و جدتها كلاريس، فرانك كان بالغ و تزوج قبل ان تبلغ تشارلوت الثانية عشرة ، الاعتناء ب تشارلوت كان شيئا لم يجد فيه صعوبة مقارنة بالاعتناء ب الجدة كلاريس، و ذلك لأنها مصابة ب مرض الزهايمر و توجب عليه العمل و الاعتناء بها في الوقت ذاته، لاحظت تشارلوت انه لا يخلو ب زوجته استيفاني الا خلف باب حجرته بعد منتصف اليل و شفقت عليه و على ستيفاني اللطيفة، استجمعت تشارلوت شجاعتها في وقت متأخر و خطر لها ان تقف على أقدامها و تمد له يد العون ثم تحمل مشقة الاعتناء ب الجدة كلاريس فقط حينها يطمئن فرانك و ينتقل إلى المدينة دون قلق، و قد فعل فرانك ذلك ب الفعل و كان شاكر لتفهمها و يرسل لهما المال كل شهر، عشقت تشارلوت حياتها مع الجدة كلاريس رغم ابتعاد فرانك و ستيفاني، صحيح أن هناك فجوة كبيرة في قلبها بسبب وفاة والديها و ابتعاد فرانك الذي اعتادت أن تسمع منه قصص الاميرات قبل ان تغفو بين ذراعيه و يطهي لها كل ما تريد تناوله و يشتري لها كل ما تشير له ب أصابعها، إلا أنها كانت متفائلة جدا في وجه الحياة، كانت تؤمن بأنها ستتزوج رجلا لطيفا و عطوفا مثل فرانك، و ستنجب أطفالا و تكون ام حنونة مثل كلاي و سيتعلمون حس المسؤولية من والدهم ك حس فرانك المستوحاة من سيث. و ستحرص على سلامة عائلتها الصغيرة و تحافظ على حبهم و احترامهم لبعضهم دائما، هذا ما كان يدفعها إلى الابتسامة في الكثير جدا من الأحيان و يزدهر الامل في أعماقها ف تنتشر ابتسامة حماس على شفاها الممتلئتين و تتوهجان عيناها العسلية الفسيحة ب بريق الامل، في عصر إحدى أيام الشباط كانت تشارلوت تركض على الطريق الموجه إلى بيتهم و الابتسامة العريضة تزين وجهها، نسيت كل شيء في تلك اللحظة و الحماس يسخنها ك النيران، لقد انتظرت هذه اللحظة بفارغ الصبر، لحظة الحصول على مال كاف لشراء التذاكر إلى واشنطن. اخيرا ستتمكن من الذهاب إلى المدينة و ستحظى جدتها بفرصة رؤية المدينة و تمرح كثيرا مع استيفاني بينما تساعد تشارلوت شقيقها لتحمل مصاريف البيت ريثما يصبح وضعهم المادي أفضل. كما ستيفاني أخبرتها ب أنها وجدت لها عملا مريحا و ستقبض راتب شهري بمبلغ لا يمكن أن تتصوره. خمرها إحساسا ب السعادة و الحماس و راحت تقفز تحت قطرات المطر، و ما ان فتحت باب البيت لتخبر جدتها بانباء السارة حتى وجدتها جالسة على الصوفا بلون الشكولاتة تشاهد التلفاز و تقهقه بسعادة اطفال، كانت كلاريس تجد متعة كبيرة أمام التلفاز و تأملت تشارلوت شعر جدتها الأبيض و عيناها البنيتين، كان بيتهم شاسع من الخشب و قديم الطراز، لم تغير تشارلوت أثاث البيت و كيف تفعل ذلك و كل زاوية و كل مزهرية و لوحة و منضدة موجودة في هذا البيت تحمل ذكرى قيمة لا تستطيع الاستغناء عنها؟ جلست على جدار الصوفا و مررت ذراعيها حول اكتاف جدتها السعيدة و بدت لها دافئة جدا رغم أنها لا ترتدي سوي قميصا من القطن " أحبك يا جدتي العزيزة!!"
استطردت تشارلوت باسمة و عيناها الفسيحة تتوهج و بشرتها بلون العسل الفاتح تتألق بنقاوتها تحت ضوء المصابيح الذهبية، كانت تشارلوت في الرابعة عشرة و قوامها متوسط و نحيل و شعرها بلون احمر دافئ و كانت تعشق لمسه لنعومته و طوله الجميل، و وضعت خصلة خلف أذنها عندما بادلتها كلاريس نظرة استغراب متسائلة " من انتي ؟!"
شدت على أكتافها لتغمر نفسها بدفئها و اتسعت بسمتها " انني حفيدتك تشارلوت يا عزيزتي، أخبرتك الا تنسيني بسهولة"
أطلقت الجدة ضحكة صغيرة و ناعمة " يا رباه لقد نسيت مجددا، انك مبتلة يا تشارلوت، غيري ثيابك قبل ان تصابي ب البرد!!"
ألقت تشارلوت نظرة سريعة على افرول الجينز على جسمها النحيل و تيشيرتها الرمادي الخفيف، كانت كلاريس محقة في كلامها حينما أضافت بقلق " المناخ قارس في الخارج و ثيابك تبدو صيفية جدا، كان عليك ب شراء بعض الثياب الشتوية يا صغيرتي، يتعين أن تهتمي بنفسك حينما انسى فعلها"
و كيف لها شراء الثياب و هي تتصور شقيقها يعمل ليلا نهارا ليوفر لهم الراحة بكل الوسائل؟
شدت تشارلوت عناقها قائلة " لا تقلقي انني بخير، .."
ابتعدت و أضافت " لقد حصلت على النقود لقطع التذاكر و أخبرتني ستيفاني ب ان اقرب رحلة غدا، قد يكون الأمر جنوني و متسرع و لكنني ممتنة لها لأنني لن اضطر إلى الانتظار أكثر، هيا يا جدتي العزيزة! سنغير ثيابنا و نخرج بعد ساعة، أخبرتني ستيفاني اننا لا نحتاج هذه الثياب الخفيفة لأن المناخ في واشنطن غاية في البرودة و يجدر بنا وضب كل ثيابنا الدافئة فقط "
أبعدت الجدة كلاريس اللحاف حول جسمها الدافئ و سارت قرب تشارلوت السعيدة. لم يكن في وسع تشارلوت مبادرة الكلام مع كلاريس ف الشوق و انتظار الغد صنعا الكثير من الأحلام اليقظة في ذلك اليوم. خرجت من المنزل برفقة كلاريس بعد وضب الثياب في الأمتعة الصغيرة و اتجهت الى المطار بقلب متفائل. بعد حصولها على التذاكر و تاكدها للمرة الالف من كتابة اسم مدينة واشنطن على التذكرة عادت تطهي الطعام في المطبخ بينما تجلس كلاريس في الصالة أمام التلفاز و تقهقه. متى سيأتي الغد ؟ كان سؤالا يعكر صفو السلام في داخلها. لم يكن هناك خيالا لم يجري في رأسها حتى أنه خيل لها ارتداء ثياب عمل مرتبة و جميلة كانت تتخيل نفسها في جاكيت رسمي اسود و قميص أبيض فوق تنورة سوداء ضيقة تفضح سيقانها النحيلة الجميلة ك السكرتيرات التي تشاهدها في التلفاز و سيكون رائعا ان كان مديرها شابا اشقرا ذو عيناه زرقاواين و قوام يفوق ستة قدام و يتمتع ب القليل من الصرامة التي ستلاحظ هي وحدها كم من الطيبة يخفي ورائها، ربما تكون قصتها ك التي تقرأ عنها في الكتب او تشاهدها على شاشة متوسطة في الصالة، لدى تشارلوت الكثير من التوقعات للغد و لكن ماذا لو خذلها الغد؟ هل سيكون الغد لطيفا معها و يمطر عليها ب البهجة ؟ خشيت تشارلوت أفكارها السلبية في النهاية و أستبدلت تلك الأفكار المتشائمة ب افكار أكثر تفائلا، و راحت تتناول الطعام و تضحك مع الجدة كلاريس بينما يشاهدن كرتون القطة و الفار الذي كان مهما جدا عند الجدة كلاريس و كانت تشارلوت تظن دائما ان الجدة كلاريس طفلتها و ليس هي طفلة كلاريس، و ان كانت تشارلوت في الرابعة عشرة ف تعتبر كلاريس في الرابعة. اتى الصباح بعد سلسلة من التخيلات و الشوق. انتفضت تشارلوت من بين فراشها ب سرور بالغ و أرتدت ثوبا أبيض ملائم لفصل الصيف رغم انه كان فصل شتاء غاية في القسوة، ان الجدة كلاريس محقة ف هي بحاجة إلى ثياب الشتاء و ستحرص على شرائها فور قبض اول راتب لها في واشنطن، و عليها ان تشكر ستيفاني لتفكيرها بها و بحثها عن فرصة لتقف هذه الفتاة ذو الرابعة عشرة عاما على أقدامها و تصبح سندا لشقيقها الكبير، لابد أن فرانك فخورا بها و ربما سيكون نفس الفخر بها ان عملت و مدت له يد العون. فور التفكير في اتساع خيالها ارتسمت بسمة عريضة بريئة على شفاها الصغيرة و فتحت عيناها لتجد نفسها في مقعد الخلفي لسيارة الأجرة و جدتها كلاريس تضغط على ذراعها و تحدق في قطرات الضباب المتحولة إلى الماء على النافذة، يبدو و أنها تحاول معرفة ما شرد ذهن تشارلوت و توقفت تشارلوت عن تأمل زجاج الرطب أمامها و حولت نظرها إلى جدتها الفضولية " من انتي ؟"
سالت الجدة و هي تحدق بها تحديقها عميقا " انني تشارلوت يا جدتي، لقد أخبرتك مرارا و تكرارا يا عزيزتي ب الا تنسيني مهما حدث"
أنت تقرأ
تشارلوت
Romansaكانت تشارلوت ويلز يتيمة تقطن في منزل عتيق يحمل على عاتقه ذكري قيمة ، بغتة تشاهد نفسها معرضة للبيع لاسرة مارتينيز التي لا تعرف عنها البتة، كل ما وجدته في تلك الأسرة هي قيود ذهبية حول معصمها ، مرغمة على تأدية دور هولي لما تبقي لها من العمر و التمسك...