١٥

9K 207 3
                                    

أغمضت سهير عينيها بألم وهي جالسة في نافذتها تتأمل الطريق الذي اتخذه منذر منذ قليل
ليذهب إلى جدهما كما أخبرها.. أو إلى تلك الفتاة التي سكنت قصر الجي ا زوي بدعوة م ا رعاة
صاحبه بينما هي تخطط للاستيلاء على من تطاله يدها من أحفاده, فبعد صد رؤوف
الواضح لها حولت اهتمامها إلى منذر الذي تلقى ذلك الاهتمام بشغف وتقبله بسعادة...
تستطيع سهير تحديد اللحظة الذي بدأ فيها منذر علاقته بتلك الحرباء.. كما تستطيع التأكيد
على أنه لم يتمادى معها بعد.. فهي تفهم منذر جيداً وتحفظ ردود أفعاله ك ا رحة يدها كيف لا
وهو توأم روحها وحبيبها الوحيد... ولكنها للعجب تمنحه العذر فيما يفعل.. فهي من تدفعه
دفعاً لذلك, بل هي من منعت عمتها قمر من التدخل ومحادثة منذر ورده عن تصرفاته..
فهي طالما آمنت أن ما بين الزوجين يجب أن يظل بينهما.. وأن تدخل أي طرف ثالث ولو
بحسن نية سيتسبب بأذى قد لا يمكن احتوائه.. ولكنها أيضاً تدرك وجوب مصارحة منذر
بوضعها وأحاسيسها, ولكنها لا تضمن ردة فعله.. فما تملكه من تبري ا رت لسلوكها نحوه قد
يعتبره هو إهانة لرجولته.. وكيانه كرجل وزوج..
ظنت دوماً أن حبهما صلباً كالصخر وثابتاً كالجبال ولكنها تخشى ألا يحتمل مواجهة
كتلك.. تعلم أنه خطأها من البداية.. فقلة خبرتها وخجلها منعاها من مصارحته بما ينتابها
وهي بين ذ ا رعيه.. تدرك بتقصيرها نحوه.. وخطأها الذي قد يتسبب في دمار زواجهما..
لذلك هي تسمح له بالتمادي مع تلك الحرباء ربما كتعويض عن حرمانه من مشاعرها
واهتمامها.. ولكنها أحياناً تتساءل إن كان ذلك تصرف ماكر منها تركه ليخطأ ويخطأ ثم
ت واجهه بما لديها فيتساوى الطرفين في الخطأ..
تدرك أن المواجهة آتية وحتمية ولكنها تخشى, بل وترتعب من تبعاتها, هل ستنتهي حياتها
معه تماماً؟.. أم ترضخ وتقبل بوجود ام أ رة اخرى في حياته لتمنحه ما تعجز هي منحه
إياه؟.. ولكن هل ستتحمل مشاركته مع أخرى؟.. لا تعتقد.. هي ليست بقوة نو ا ر, ولا تمتلك

سعة حيلتها التي مكنتها من السيطرة على قلب وعقل رؤوف الذي أصبح لا يرى غيرها
والأعمى وحده من يتغافل عن ذلك.. ولكن رغم هذا تظل نو ا ر زوجة لنصف زوج.. وهو
وضع لن تحتمله سهير ولن تطيقه فرغم كل الأفكار المنطقية وكل الأعذار التي تمنحها
لمنذر فهي تشعر بني ا رن حارقة تكوي قلبها وتحرق روحها حرقاً لمجرد تخيله برفقة تلك
الفتاة.. فكيف ستتحمل أن يكون زوجاً لأخرى؟!!!...
هل تلك الحرقة بداخلها تشبه ما تشعر به نو ا ر عندما يقضي رؤوف أوقاته مع زوجته
الأخرى.. وكيف تتحمل نو ا ر تلك الآلام المبرحة وتلك الغيرة الحارقة؟.. إلا أن هاجساً شري ا رً
همس لها, بل نو ا ر هي الدخيلة ومن تشعر بحرقة القلب وظلم الأيام هي نعمات.. الزوجة
الأولى التي هجرها رؤوف ليتنعم بالسعادة مع نو ا ر شقيقتها..
نفضت أ رسها بعنف وهي ترمي عنها تلك الأفكار السوداء.. كيف تفكر بهذه الطريقة؟..
وكيف تظن بشقيقتها هذا الظن؟.. هل فقدت عقلها؟.. أم أنها تحاول أن ترمي مشاكلها على
من حولها..
بينما تشرد بأفكارها لمحت منذر يدلف من بوابة البيت بسيارته بسرعة كبيرة..
حدثت نفسها..
"لم يبقَ مع الأخرى إذاً.. لقد عاد إلى البيت.. عاد إليها".
تنهدت ب ا رحة وانتابها شعور خفي بالأمان فهو ما ا زل صامداً.. ولكن إلى متى؟!!!.
دلف منذر إلى المنزل وهو يجر قدميه ج ا رً.. لا يدري كيف أوقف وداد وسحب نفسه من
بين أحضانها.. لا يستطيع فهم نفسه فهو غير قادر على الابتعاد عنها وفي نفس الوقت لا
يرغب بأن يتطور الأمر ويصل إلى مرحلة اللاعودة.. ما ا زل يجاهد نفسه محاولاً إيقاف

قيد القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن