الفصل ١

32.1K 418 4
                                    


في وسط الهواء العليل ، ونسمات الرياح الهادئه ومنظر النخيل وهو يترنح بخطوات ثابته .. جلست فتاه لتشرد في
ذكريات حياتهاا السابقه ، منذ أن توفي والديهاا الي أن جائت الي تلك البلده لتعيش مع عمها الذي اصر علي أن تأتي للعيش معه ليس شعوراً بواجبه كعم ، بل للأستلاء علي ورث أخاه ، تلك الحقيقه التي اكتشفتهاا بعد أن خيرها عمهاا بأن تتخلي عن حلم عمرهاا لتصبح بطبيبه صيدلانيه ، او تتخلي عن ميراثها كي ينفق منه عليها، فهو لا يستطيع بأن يتكفل بعيشها معه وأيضا تعليمهاا
لتفيق من شرودهاا علي صرخات بنات عمهاا وهم يأتون أليهاا راكضين
لتبتسم لهم بحب قائله : كنتوا فين يانور
لتجيبهاا سلمي الابنه الكبري من بنات عمها : كنا في المزرعه الكبيره يا أبله هنا ، شوفتي انا جيبت تين وتوت كمان ، بس الراجل ابو شنب ده زعقلنا وجري ورانا ، وكان هيمسك ريم ، بس أيه في الاخر وقعناه وحلف لو شافنا هناك تاني هيضربنا
لتضحك هنا علي شقاوتهم لتقول بصوت حنون لهم : طيب في بنات شُطار يعملوا كده مش عيب ، وكمان مش انا قولتلكم الي ياخد حاجه مش من حقه يبقي ده حرام
لتقول أصغرهم (ريم ): يا ابله هنا احنا بنروح عند شجره التين والتوت بس ، وكمان ديه المزرعه كبيره اووي وفيها فاكهه كتير وحاجات حلوه اوي ... وتقترب منها سلمي قائله : وفيها حصان أبيض كمان
لتضحك هنا بشده عليهم : لدرجادي المزرعه عجباكم
ليقولوا البنات في صوت واحد : عجبانا اووي يا أبله ، ونفسنا ندخل نتفرج عليهاا .. بس الراجل ابو شنب ده بيخوفنا اووي
لتنهض هنا وتسير بجانبهم قائله:طيب يلا عشان اتأخرنا ، وزمان عمي رجع البيت
ليقولوا الثلاث فتيات بصوت واحد : ييييييييه ، مش عايزين نروح ، كل شويه بابا يفضل يقولنا أمتا هخلص منكم ... هو بابا مش بيحبنا ليه يا أبله هنا
لتتمتم هي بصوت خافت : هو مش بيحب نفسه أصلا !
.................................................. ...............
وفي بيت يبدو عليه البساطه الشديده ، ولكن لا نجد فيه سوا الصراخ والسب لتصبح حياة هذا البيت كئيبه مثل صاحبهاا وبرغم كل هذا نجد حنان صاحبته التي يجعل لهذا البيت الموحش دفئاً
ليصرخ احدهما بصوت عالي قائلا : فين البنات ياست هانم ، مش كفايه مخلفالي 3 بنات ، وكمان مش عارفه تربيهم ، البيت ده شكله عايز يتعدل من اول وجديد
لتقف هي خائفه : حرام عليك ياصالح ، هما بناتي انا بس ما بناتك انت كمان ..
ليقترب منهاا صالح بجمود: غوري من وشي ، كل لما اشوفك بتعفرت ، كان يوم أسود يوم ما اتجوزتك واتبليت بيكي وبخلفتك يا ام البنات
لتسقط دموعها بألم وهي تبتعد عن وجهه حتي لا يتحول خناقهم الي ضربا ، قد اعتادت عليه
لتسمع صوت ضحكاتهم ، فتمسح دموعها سريعاا قائله : انتوا جيتوا ياحبايب ماما !
لتركض اليها أبنتها الصغري ريم بحب : شوفتي ياماما انا جبتلك توت احمر ، ومرضتش اخلي نور وسلمي ياخدوا منه اي حاجه .. عشان ناكله سوا
لتبتسم هي بحب لابنتها قائله : تاني يابنات روحتوا المزرعه ديه ، ابوكم لو عرف هيحرمكم من الخروج
حتي تأتي هنا وتقول وهي تخلع حذائها : انا مش عارفه ايه حبهم في المزرعه ديه ، من ساعة ماجيت هنا وهما مبيرحوش يلعبوا غير عندها
لتقترب منهاا زينب بطيبه : ديه مزرعه باشا كبير من مصر ، عنده شركات كتير اووي ، بس اصله من هناا ،محدش بقي بيجيهاا اوي زي زمان من ساعة ما الباشا الكبير مات ، تصدقي ياهنا انا دخلتها مره واحده ، كان عندي يجي 12 سنه روحت مع ابوياا عشان كان رايح للباشا الكبير ، تحسي كده وانتي دخلاهاا داخله جنه بس علي الارض
لتضحك هنا علي بساطة تلك السيده الحنون ، التي لا تشبه زوجها علي الاطلاق لتقول : أمممممممم ، البلد هنا بسيطه اوي يمكن عشان كده المزرعه ديه بالنسبالكم حاجه كبيره
لتقول زينب : يمكن يابنتي
ليأتي صوت من خلفهم قد افزعهم جميعا : كنتي فين ياهنا ، مش انا قولت بلاش خروج كتير هنا لغير عشان جامعتك ، مش كفايه بخليكي تنزلي المنصوره لوحدك ، لاء وكمان بتطلعي تتمشي ، انتي لسا فاكره نفسك في القاهره ولا ايه يابنت اخويا
لتتطلع هي الي عمها بألم وتصمت
لتقول زينب مدافعة عنها : ياصالح سيب البنت في حالها حرام عليك ، ده احنا مصدقنا بقيت تضحك وتتكلم ، واتعودت علي العيشه هنا
ليقول صالح بصوت جهوري: تتعود ليه ياختي ان شاء الله ، ديه بقالها سنه ولسا عايزه تتعود
لتأتي يد ابنة عمهاا الصغري لتجذبها الي غرفتهم قائله بصوت هامس : تعالي ندخل اوضتنا يا ابله هنا
لتتطلع زينب اليه بألم ، وتلتف لكي تذهب من امامه حتي لا تظل تعاتب انسانا لا يُمد بصله للبشر بشئ
.................................................. ................
وفي وسط الكثير من ذكرياته ، ظل شاردا في سنين عمره التي مضت ، كانت كل ذكري تُراوده تقضي علي شئ بداخله حتي أصبح أنساناً ألياًوفقط ...
أفاق من كل ذلك ، علي دخول صديقه له وهو يقول بمرحه المعتاد: يا أبني أرحم نفسك ، شغل شغل أيه يابشمهندس ، انت كده هتاكل السوق
ليبتسم فارس بمرارة قائلا : تصدق ياهشام اه الشغل ده الحاجه الوحيده الي بحسها صح في حياة الانسان ، زي مابتديه بتاخد منه
ليتطلع اليه هشام بحزن : بس أنت مكنتش كده يافارس ، فين فارس بتاع زمان ، الي كان مقضيهاا سفر ، وخيل .. ليصمت قليلا حتي يقول بدعابه : وستات كمان
لينظر له فارس بألم قائلا : اه الستات دول بالذات ، الي بقيت أكره سيرتهم ، حتي وجودهم كرهته
ليضحك هشام : انت هتقولي ، ده انت لولا انك بتحتاج الستات في الشغل ، كنت خليت معظم الي شغالين عندك رجاله ، ده انت مُناك انك متشوفش ست اصلا ماشيه علي الارض
ليبتسم فارس علي دعابه صديقه قائلا : اخبار مشروع شرم أيه
هشام بحالميه : ياسلام علي شرم وستات شرم ، انا قررت اني همسك المنتجع الي في شرم خلاص يافارس ، ما انا مش هسيب الحلاوه ديه كلهاا هناك ، واجي هناك اشوفك واستحمل شخطك وعصبيتك ...
فارس بحزم : لما تخلص المنتجع الاول يابشمهندس ، مدة التسليم قربت علي فكره ،وانت المهندس المسئول قدامي
ليتطلع هشام الي صديقه ، ويبدء يقص عليه كل شئ يخص المنتجع المسئول هو عنه ...
.................................................. .............
وعلي مائده الطعام البسيطه ، جلسوا جميعهم بصمت ليتناولون الطعام ، حتي يتحدث هو بحزم قائلا : كليتك ديه بقي فضلها قد أيه ياهنا
لتتطلع هنا الي عمها بأسي : فضلي سنتين !
ليتنهد عمها بضيق : انا عارف تعليم أيه ده الي متمسكه بيه ، وفي الاخر هتكوني دكتورة بتبيع ادويه
لتتطلع هي الي طعامهاا بمراره .. حتي تقول نور أبنته الوسطي : انا لما هكبر عايزه أكون زي ابله هنا يابابا
ليضحك صالح بسخريه : وانتي فاكراني ياختي انا هعلمك ، لحد الجامعه ، ليه ده حتي انتوا في الاخر مجرد بيعه هبيعها للي معاه فلوس أكتر ، قال تدخلي الجامعه قال ..
لتتطلع زينب الي بناتها بحزن .. حتي تقول : ان شاء الله ياحببتي بكره تبقي زي ابله هنا ، واشوفك دكتوره شاطره
ليضحك صالح ثانية : ابقي شوفي مين الي هيصرف عليهاا ياختي ، ابقي بيعي أرض ابوكي الي اخوكي لحد دلوقتي مش راضي يديكي ورثك ، وبيبعتلك أخر الشهر شويه فللوس ميستهلوش ، انا قولت الجوازه منك ديه مجبتش في الاخر غير خلفة البنات
لتنظر هنا بألم ، علي زوجة عمها حتي تقول : ياعمي دلوقتي البنت بقيت زي الولد بالظبط ، بتتعلم وبتشتغل ، غير ان الخلفه ديه رزق .. ربنا قال في كتابه العزيز (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير)
لينظر اليهاا صالح بسخريه قائلا : وانتي بقيتي لسانها دلوقتي ولا ايه يابنت اخويا .. حتي يهدء قليلا ويقول بصوت جامد : ابوكي وامك الله يرحمهم ، معلومكيش أنه عيب تدخلي في امور ماتخصكيش
لتتطلع هي الي عمها بألم قائله : انا مش قصدي ياعمي صدقني .. وتنهض وهي تمسح بعض العبرات التي سقطت من عيناها دون أن تشعر
ليتطلعوا الفتيات اليهاا بحزن ، حتي يلتفوا ببصرهم الي أباهم بنظرات كره
ليقول هو بصوته الجامد : لتطفحوا ، لتقوموا من قدامي
لتنظر زينب الي زوجها بألم ، وتنهض من امامه .. حتي تذهب لتلك اليتيمه أبنة اخاه
.................................................. ...............
وفي قصرا يبدو عليه الاناقه ، جلسوا ثلاثتهم يتناولون وجبه العشاء التي تجمعهم
لتقول سيده يبدو عليها الوقار والاناقه الشديده والجمال الذي مازالت تتمتع بيه : شوفت أختك هي وخطيبهاا يافارس ، مش عايزين يعملوا فرح وافرح بيهم
لتقول نيره بداعبه لعمتهاا : يا عمتو ياحببتي ، ما أحنا هنعمل حفله بسيطه ، مش الفرح الي انتي عايزه مصر كلهاا تتكلم عنه
أمال بضيق : كده يا نيره تحرميني من الفرحه ، الي عشت طول حياتي أستناهاا واشوفك اجمل عروسه
نيره بحب : ياعمتو ياحبيبتي ، انتي عارفه ان يوسف المفروض بعد شهر يكون في سويسرا ، ولازم نكون جاهزين في أسرع وقت عشان يستلم شغله في السفاره
لتقول أمال : انا مش عارفه ، ايه الي خلاني اوافق أنك تتجوزي سفير ، وتفضلي طول عمرك متبهدله بين بلد لبلد
لتضحك نيره بحب : رد علي عمتك يابشمهندس ، عمتك بقيت معترضه دلوقتي ، بعد ما الفرح بقي فاضل عليه شهر
ليرد فارس بعد صمت طويل قد اعتادوا عليه قائلا : سيبيهم يعملوا الي يريحهم ياعمتي ،انتي عارفاهم مهما قولنا هيصمموا يعملوا الي هما عايزينه
لتتنهد أمال : اعملوا الي يريحكم ، مع اني كنت هعملكم حفلة في ارقي فندق
نيره بدعابه : طيب ما احنا هنعمل احلي حفله هنا في القصر ، وهتكون حفله جميله وبسيطه ، بدل المظاهر والمجاملات الفارغه
لتضحك عمتها : مجاملات فارغه يامرات السفير ، شكلك نسيتي وظيفة جوزك
ليبتسم فارس أبتسامة لم يلاحظها أحد منهم ، حتي ينهض قائلا : انا داخل المكتب بتاعي ،ياريت ياعمتي تخلي عمي حسن يعملي القهوه بتاعتي
لتتطلع اليه نيره :مش هتقعد معانا يافارس ، ده انا مصدقت النهارده انك جيت بدري
ليتطلع فارس الي وجه اخته بحنان : ياحببتي ما انا قاعد معاكوا اه
لينصرف هو من امامهم وتنصرف معه ابتسامتهم
لتتنهد أمال بألم : فات 5 سنين علي الماضي ، ولسا زي ماهو مش قادر ينسي
لتتنهد نيره بألم : الي مر بيه ياعمتو ، محدش يقدر يتحمله ، يااااا كانت أصعب فتره مرينا بيهاا
أمال بأمل : نفسي يتجوز يا نيره ، عايزه أفرح بيه واشوف عياله بقي
نيرة : وتفتكري فارس قدر ينسي جوازته الاولي
أمال بضيق : كانت جوازة الندامه ، مجلناش من وراها غير الفضايح ، وقيله القيمه ، واخوكي أه بقي متعقد
لتتنهد نيرة بحسره ، وهي تتذكر كل شئ وكأنه حدث بالأمس ..
ويصبح للماضي .. اثراً طويلا مهما أمتدت السنين

رياح الحب ونسمات الألمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن