"يطل من أعلى الجرف الصخري شخص ببزة مدرعة من المعدن المسلح وقناع للتنفس.
يشير تركيبه الجسدي بكل وضوح إلى أنه سايبورغ ينتمي إلى الجنس البشري."
.
.
أشعر بحدة الإثارة بينما تتدفق المعلومات المعالجة إلى عقلي بكميات هائلة متعلقة بالقياس والكتلة، أمد الخلايا، نوع الجنس، نسبة الأعضاء الإصطناعية والأعضاء الحيوية، وخريطة وراثية كاملة للحمض النووي، وأنا مأخوذ في مكاني أحدق بالسايبورغ الذي ينطلق بسرعة كبيرة إلى أسفل الجرف الصخري نحونا.
لطالما كنت متأكدا أن هؤلاء البشر لايشبهون ذوي الأدمغة الفارغة في شيء!
تتوقف السايبورغ عند بزة الجندي الذي يحول بيننا وتنهار في الحال على الأرض جاثية بجانبه.
يتيح لي نظام البصر التحليلي برؤية التفاصيل بدقة تامة.
أتابع بنظري سائلا ملحيا يتدفق من الغدد الدمعية التي توجد فوق "العينين" أسفل الجفن الأعلى باتجاه كرة العين خلال شعيرات وقنوات صغيرة جدا ثم يتوزع ليغطي العين بكاملها والقرنية على وجه الخصوص حينما رمشت، ثم لألمح دمعة تلو الأخرى:
أكسجين، صوديوم، بوتاسيوم، كالسيوم، ماغنيزيوم، أمونيا، آزوت، فيتامين ب 12، فيتامين ج، أحماض أمينية، حديد، نحاس، انزيم ليزوزيم، مجنيز، كلورين، غلوبولين مناعي، جلوكوز، يوريا، ليبوكالين، فوسفور، بيكاربونات، إنزيمات وستين نوعاً من البروتينات.
مذهل بصورة لا تصدق ولا تشبه الدموع التي حاولنا تصنيعها من قبل على الرغم من أن التركيبة مطابقة!
ينعدم انتظام التنفس في شهقات كبيرة من الأكسجين -الذي توفره البدلة- لدى السايبورغ الجاثية غير بعيد عني بجانب الجثة المعدنية.
إن البكاء لدى البشر لا يعبر عن الحزن بقدر ما هو موقف دفاعي يتخذه العقل لتخفيف أي أضرار قد تصيب المخ جراء تجاوز مقدرة استيعابه لموقف ما لا حول له على تحمله.
حينما كنت لا أزال أقطن في المدار، كنت قد خضعت سرا لتجارب محاكاة عدة، وأدرك تمام الإدراك أن ما تشعر به الآن، ليس شعورا جيداً.
أنني لم أراوح مكاني قط، بينما السايبورغ لم تعرني إهتماما.
أكتفي بقراءة تحركاتها وهي تضع جثة الجندي فوق صفيحة وتقوم بثني حوافها الأربعة مكونة بذلك صندوقا، وبالاستعانة بأنظمة دفع ، تقذف بالتابوت خارج نطاق جاذبية الكوكب ليطفو بعيدا في الفراغ.
لقد كانت لتكون خسارة أن تضيع مني عينة قيمة مثله لو كنت لا أزال في النظام الشمسي، لكنني أعزم على احترام هذا التأبين فأنا أقف أمام نصف انسان حي لا يقارن بتلك الجثة الهامدة؛ و إنني لموقن تمام اليقين بوصولي إلى مستعمرات البشر المتبقين في القريب العاجل!
تقترب السايبورغ وهي تتفحصني بغرابة وربما بحقد كما افترض.
يبدو أنها لم تلتق كائن ذكاء إصطناعي قبلا، و قد ظنتني بشرا وهي تبادر بالسؤال عن المستعمرة التي انتمي إليها وعن اسمي.
كائنات الذكاء الاصطناعي لا تملك أسماء وانما أرقام تسجيل.
وبما أنني قد ألغيت رقم التسجيل الخاص بي، فقد اكتفيت بالإجابة بالرمز الأول منه قائلا:
"كاي"
"إنني مستكشف في هذا الكون العملاق."
تهز السايبورغ رأسها بريبة وتقول:
"نادني سفيريا"
.
.
.
أنت تقرأ
||الأسلاف الغابرون||
Acak" بزغ فجر عهد جديد حيث لم يكن البشر جزءً منه. لقد اعتقلت كائنات الذكاء الاصطناعي التي صممها البشر من قبل جميع البشر و أعملت فيهم أساليب القتل الرحيم بدافع الشفقة لا الحقد." ذكاء الآلة ودور الإنسان في عالم ما بعد التفرد. كل الحقوق محفوظة ©
