منذُ زمنٍ بعيد في صحراءَ قاحلة، عاشت 'فجرُ' مع شقيقها الأكبر و عائلته الصّغيرة. شابّة جميلة زادتها الصّحراءُ جمالًا، مَيّزها شعرها الأسود الشّاحب الذي يكاد طوله يصل لركبتيها، سمارُها السّاحر وعيناها المُكحّلتانِ بالسّواد، كالأميرةِ بالفلا كانت.
ذات يوم، وبينما كانت تجمعُ أغصان الشُّجيرات الشّائكة اليابسة، فوجِئت بظلٍّ قادمٍ من البعيد. رمت ما كان معها وانطلقت تنبئُ أخاها بما كان، ارتبك الأخ 'حسن' وبدا عليه ذلك، مكتئبًا، خرج من دارهِ إن صحّت تسميتها بالدّار أصلًا، ومُوجِّهًا بصرهُ نحو ذلك الأُفُقِ المُعتِم؛ أبصر ذاكَ الشّخص ماشيًا ببطءٍ دلّ على تعب، إذ لم تكُن حركةُ الرِّياحِ بذلك اللُّطف.
استقبلهُ بابتسامةٍ صفراء وإن لم تبدُ كذلك، وأدخله منزله الذي يبدو وكأنّه سينهار فوق ساكنيه. لاحظ الضّيفُ ذلك وهو يزيلُ المِلفحةَ من على وجهه، بدا وسيمًا بلونه الحِنطيِّ وعينيهِ العسليَّتين ، ميّزتهُما حلقةٌ خضراءُ في آخر الحدَقة. ما كان فظًّا بل رزينَ النّفسِ قليل الكلام. احترم حسنٌ ذاك به وعرف منه أنّ اسمه 'سالمًا' وأنّ السُّبُل تقطّعت به بعد أن فقد ناقته.
انتبهت 'حميدةُ' زوجُ حسن إلى شبح الضِّيق في ابتسامته وتنهدت، كيف لهما أن يُكرما ضيفًا في دارٍ خلت من طعام! سمعتها فجرُ وهي تناجي اللّٰه وتتضرّع بألم، وخرجت لتكمل جمع الأغصان بتعبيرَ بائسَ على وجهها، لمحت الضّيف الغريب وارتجفَ بلُطفٍ ما كان لها.
تابعت وسرحت بعيدًا حتّى أعادتها ابتهالاتُ أخيها المُشرقة لواقعها، فإذا به قطيعًا دون راعٍ، أشار حسن لها وانطلقت تحضِرُ له القوس والجعبة. أصاب باحترافٍ وسرعة شاةً على حين غرّة وهتفت حميدة تشكر الباري وتحمده على النّعمة. ليلتها أكل أهل الدّارِ كما لم يفعلوا منذُ أيّام. استأذنهم سالمٌ المبيتَ حتّى يصل من يأتيه بناقةٍ يرحلُ بها، و كان ينتوي أن يبعث مكتوبًا صباحًا فيطيرَ به صقرهُ المُدَرّب. وباتَ تحت نُجومِ الصّحراءِ الكثيرة التي تخلّلها ما يُسمّى بالطّريقِ الحليبيّ.
في ذلك الوقت، والسّماء تسطعُ بنُجومِ الفضاءِ المُتَلألِئة، كانت فجرُ تحومُ حول الدّارِ حامِلةً الرّضيعةَ ابنة حسن حتّى تغفو، سامحةً لروحها أن تسبح في المجرّةِ الرّاقية، تُرسِلُ مشاعرها وأفكارها الصافية على شكلِ ترنيمةٍ حنونة رُبّما لا تصِلُ أبدًا أو هذا ما فكّرت به. في جِهةٍ أُخرى، مُستَلقيًا يُمتِّعُ عينيه بتِلْكُما النّجومِ الّتي أرسلت إليهِ من بريقها الشّيءَ الكثير عاكسةً أَلَقَها في عَسَلِيَّتيهِ بغُرور، أنصتَ بهدوءٍ للعُذوبةِ الّتي تناقلتها طيّاتُ الرِّياحِ موصلةً إيّاها لأُذُنيه.
مرّت أيّامٌ قبل أن يأتي المكتوبُ بِرَدْ، ثُمّ جاء الفرجُ حينَ أتت قافلةٌ بأكملها، فاجأهم سالمٌ بكونه ابنَ شيخِ القبيلة، وجاء والده خصوصًا ليتقدم بجزيل الشُّكرِ و الامتنان، ولطلبِ يدِ فجرٍ لسالم.
عقدت الدّهشةُ لسان حسن لكنّه بابتسامة ذهب ليَستشِفَّ جواب اخته التي هبط قلبها بحِجْرِها و قد تضرَّج وجهها بالحمرة! تمّت الاستعداداتُ بأيّام قليلة ورحلت فجرُ مع زوجها بوعدٍ لشقيقها بزياراتٍ كثيرة، وبدأت حياةً ملأتها حبًّا عفويًا طاهرًا كقلبها.
-تمّت-
.
.
.
.
أستقبل آرائكم و تعليقاتكم برحابة صدر 🙈💕