وجد مروان نفسه فجأة امام لافته كبيرة مكتوب عليها العصب البصري فخطرت له فكرة توهج لها عقلة .. لماذا لا أمر عبر العصب البصري الي المخ ؟ لم يضيع مروان الوقت بل تعلق سريعاً بالغضب البصري فانتابته موجه من الرعشات الكهربائية .. ولكنه تشبث والتزم السكون التام حتي هدأت حدة الرعشات الكهربائية، ثم اخذ في الزحف نحو المخ وهو يمني نفسه بزيارة لعالم من الخيال تملؤة الافكار والاسرار والصور والمعلومات عن كل مرحلة من حراحل الحياة .. توقف علي كلمات رصينة وقورة : من أنت ؟ انتفق مروان وكاد يسقط مغشياً عليه لولا ان تداركته نبضة كهربائية من المخ جعلته يفيق ويتشبث بموقعه، قال بصوت مرتعش : انا مروان واريد ان ازور المخ فهل تسمح لي ؟
غاب الصوت لحظات ثم قال بهدوء : حسناً اتريد ان تزورني ؟ لا مانع لدي ولكن لا تلمس شيئاً قبل ان آذن لك .. اتفقنا ؟ قال مروان سعيداً : اتفقنا، تقدم مروان في طريقة نحو المخ بأمان دون ان يمسه سوء فقد سمع المخ يلقي اشارة الي كرات الدم البيضاء المسئولة عن حماية الجسم بألا تتعرض لمروان، لم تمض لحظات حتي كان مروان يقف امام ملتقي طريقين معلقاً عليه لافته تقول : ملتقي الاعصاب البصرية، ما كان يتجاوزها حتي وجد نفسه امام المخ، فتوقف مذهولاً لا يكاد يصدق عينيه، حتي ناداه المخ : ايها الانسان ، انت الآن تقف في ملتقي الاعصاب البصرية التي تأتي من العينين وتحمل لي الصور والمناظر المختلفة فأقوم بتخزينها وتصحيح صورها ليراها الشخص كما هي في الحقيقة حتي لا تكون مقلوبة او مشوهة .
تلفت مروان حوله فوجد طبقات عدة تحيط بالمخ، قال : ما هذه الطبقات التي تحيط بك ايها المخ ؟ قال المخ : يحيط بي عدة طبقات الأم الجافية وهي غشاء خارجي متين خشن يبطن الجمجمة والفقرات العظيمة فتقدم ومر بهذا الغشاء، تقدم مروان حذراً مخافة ان يرتطم بأي شئ يسئ للمخ، لكنه فؤجئ ان الغلاف الخارجي شديد قوي يصعب اختراقه فتعجب مروان من ذلك لكنه لم يتوقف، بل ظل يدفع للداخل برفق حتي استطاع ان يصنع لنفسه ممراً ضيقاً يتجاوز منه للداخل .
قال المخ : احسنت يا مروان، انت الآن تقف امام غشاء يسمي الأم العنكبوتية وهو الغشاء الاوسط ويحتوي علي سكريات واملاح تغذيني فكن حذراً هنا، حتي لا تغرق فيها، قال مروان : فليحفظنا الله، تقدم مروان ببطء شديد خشية ان يغرق في هذه السوائل المحيطة بالمخ من كل مكان، وصل تقدمه حتي تجاوز الأم العنكبوتية فتوقف ولم يستطع التقدم خطوة واحدة للأمام، وانتظر طويلاً فلم يسمع اي صوت .
مر وقت طويل ومروان مازال واقفاً دون حراك ينادي علي المخ فلا يجيبه، تذكر كلمات المخ بألا يتحرك من مكانه حتي يأمره ، فلزم مكانه وبعد وقت طويل سمع المخ يتحدث اليه : لقد احسنت يا مروان اذ اطعت ما امرتك به، ففرح مروان وأيقن انه نجا وقال : اين كنت ايها المخ ؟ لقد ظننت أني ضللت الطريق، قال المخ : انا لم اتركك يا مروان لحظة واحدة ولكني أجريت لك اختباراً لاتأكد من التزامك وقد تبين لي حسن طاعتك .
قال مروان : الحمد لله اني التزمت بما امرت به، هل اتقدم الآن ؟ قال المخ : نعم تقدم بحذر، امامك غشاء يسمى الام الحنون، لأنه يحيط بي كما تحيط الام بوليدها بحنان بالغ، وهو غشاء يحتوي علي الاوعية الدموية التي تحمل الدم الي خلاياي وتغذيني فمر فيه برفق، قال مروان : حسناً ايها المخ، واخذ يمر برفق بين الاوعية الدموية فتعجب من عددها الهائل ودقتها المتناهية، وجريان الدم في كل اتجاة بيسر وسهولة حتي توقف امام المخ فجحظت عيناه وانعقد لسانه .
قال المخ : مالك يا مروان .. لم لا تتكلم ؟ قال مروان : ما اعجب شكلك ايها المخ، سبحان الله الذي خلق كل شئ فأحسن خلقة ايها المخ اشرح لي ما أري، قال المخ : انا اتكون من فصين : ايمن وايسر، بينهما شق كبير تربط بينهما ألياف عصبية تحقق الاتصال بين النصفين وهذه التجاعيد المنتشرة داخلي إنما هي لزيادة عدد الخلايا العصبية ويربط بين هذه الخلايا وصلات عصبية وعليها وعلي الخلايا يتوقف ذكاء الانسان فهي التي تحقق الاتصال بين الخلايا المختلفة وبين اعضاء الجسم، وفي هذين الفصين الكبيرين توجد مراكز الاحساس الخمسة : الشم والتذوق والسمع والبصر واللمس ومراكز التفكير والذاكرة .
قال مروان : هل تحتفظ داخل هذين الجزأين بكل الذكريات الخاصة بهذا الشخص ؟ قال المخ : نعم، فالذاكرة والتفكير موجودن في هذين الفصين، وانا احتفظ فيهما بكل الصور والاصوات والروائح والكلمات والاشخاص والاماكن والعلاقات وذكريات الحب والكرة، حتي إذا احتجت الي اي معلومة منها استدعيها فوراً فتصعد الي دونما تأخير لاستخدمها كما اريد ثم اعيدها .
قال مروان : وكم يبلغ عدد هذه الخلايا ؟ قال المخ : يبلغ عدد الخلايا في مخ الفرد البالغ 100 بليون خلية، وعدد الوصلات يبلغ 500 تريليون وصلة، لتحقيق التواصل المستمر بين المخ وسائر الاعضاء، اذ تصل هذه الوصلات الي كل مكان في الجسم وتوصل له الاوامر التي تكفل له الحياة .. سكت مروان برهة يتأمل الارقام الهائلة ثم قال : ولكني اري هناك في الخلف جزءاً صغيراً فما هو ، قال المخ : هذا الجزء هو المخيخ، وهو يتكون من ثلاثة فصوص ويوجد اسفل النصفين الكرويين للمخ من ناحية الخلف وهو المسئول عن توازن الجسم واعتدالة اثناء الحركة .
قال المدرس : وهكذا فإن المخ يأمر الاعضاء فتستجيب له جميعاً طاعة لأمره .. فما رأيك يا مروان، انتبه مروان فجأة علي كلمات المدرس وانه في حصة