الفصل الأول

60.9K 685 25
                                    

في مجلس واسع علي الطراز الشرقي في منزل كبير وفاخر رغم طرازه القديم وبنيانه الأكثر قدما .....
جلست السيدات المتشحات بالسواد جنبا الي جنب وقد تعالت اصوات البكاء والنواح عالية كنعيق الغرابان يتنافسون فيما بينهم من اكثرهم صراخا وكأن علو اصواتهم هو دليل على حزنهم على فقيدهم حتى وان كانوا لا يحبونه من الاساس او حتى يعرفونه.
ينعونه بصفات قد تكون ابعد ما يكون عنه...
وما هم بمحزونون عليه بل محض مجاملات فارغة يقصدون بها اهل الفقيد من الأحياء او تظاهر اجوف من اهل الميت انفسهم.
اللعنة عليهم وعلي نفاقهم..
اللعنة عليهم جميعا اولئك الكاذبين.
كم واحد منهم احب الفقيد ...
بل كم واحدة من هؤلاء النسوة كن يعرفنه من الأساس..
مصطفين كما الغرابيب المقبضة ينعقون مرة اخرى بصراخ اخر اعلي وكلمات قاسية تتردد معه كما لو كانت مثقاب يسعي لثقب اذنيها ...
الم يكتفون بعد من هذه المسرحية انها تريد النوم ...
تريد ان تغمض عينيها في هدوء وتختبئ عن الجميع ...
تريد الظلام الهادئ المريح الذي يغلقها كما الفقاعة حينما تنام فلا تشعر بشيء ....
كانت تملك من السنون خمسة عشر ومن الهموم اطنان لا تعد ...تجلس في صمت مقبض في ركن بعيد عن هذا الجمع وان كان في نفس محيطهم تتشح السواد مثلهم من أخمص قدميها حتى شعر رأسها تضم ركبتيها الي صدرها بينما خصلات شعرها الطويلة تخبئ وجهها الجامد عنهم ....
كادت اصواتهم العالية أن تذهب بعقلها تماما .......
يؤلمها بكائهن ويقتلها نواحهن ....
تتمني لو تستطيع ايقافهن .....
لو تستطيع طردهن جميعا.....
لماذا هم هنا من الأساس؟.......
يا الله لماذا يفعلون هذا؟......
هل هذا هو الحزن برأيهم!؟ ......
هل هذا هو العزاء في معتقداتهم!؟ ......
لماذا أتين هي لا تريدهم ولا تريد مواساتهم ولا مجاملاتهم المثيرة للشفقة ؟ ....
هل حقا يعتقدن انهن اتين لتطيب خواطر اهل الفقيد ام لزيادة الحزن والهم في قلوبهم؟ ..............
اغمضت عينها للحظات تحاول ان تعزل نفسها عن هذه الأصوات الكئيبة والأجواء المقبضة لكن ما تمنته لم يكن متاحا مع تعالي صوت نواح اخر زاد من ألم رأسها وألم قلبها معا يمزقها كما لو كان سكين بارد ينحرها ببطأ وقسوة فلا هي تموت ولا هي تحيا .....
للحظة شعرت انها ستفقد عقلها تماما كما فقدت والدها الذي ينوحون عليه ......
او انها ستركض هاربة كما فعلت والدتها تاركة كل هذا الهراء وراءها....
ادارت عينيها في الحضور الذين لا تعرف اغلبهم حتى التقت عينيها بعيني عاليا الجبالي...
عمتها الابنة الكبرى لعائلة الجبالي ...
ألقت بنظرة ساخرة اليها قبل ان تشيح بنظرها عنها وتعود للنظر لمن في القاعة بعيون لا ترى....
لكن عمتها قد اخذت تجاهلها كإهانة لن تصمت عنها انتزعت يد تلك المرأة المسكينة التي كانت تربت على كتفها تحاول تهدأتها بعدما كانت تلطم وجهها وتصرخ وتبكي بصوت اشبه بصوت البوم ووقفت وهي تنوح بعلو جعل بقية النسوة يصمتن ليسمعن رثائها الذي تعالى بينما هي تتحرك باتجاه الفتاة الصامتة التي عادت تنظر الي عمتها بأعين خاوية لا تري من بينهما سوي السواد ولسان حالها يقول
(كأنك تهتمين يا عمتي......
هل تهتمين حقا بشقيقك يا كاذبة......
هذا فقط ما تظهرينه للناس يا عمتي.....
ولكن من يعرفك مثلي يا عاليا؟ ......
انك لم تكوني حتي تهتمين به في حياته لتهتمي به حين مات ......
يا لكي من منافقة يا عاليا .....
ممثلة مثيرة للشفقة)
ابتسمت بسخرية مريرة وهي تستمع الى عمتها التي تبكي بكاء التماسيح وهي تتصنع الحزن على شقيقها الذي بالكاد واراه التراب.
__ااااااه....يا اخويا علي الي جرالك ..... اااه يا زينة شباب البلد كلهم ... انخطفت في عز شبابك يا اخوي....روحت وهملتنا يا حبيبي ...هونت عليك يا اخويا هونت عليك يا حبيبي اه يا حرجة جلبي عليك يا هشام يا مري من بعدك يا ابن ابويا .... يا مرك يا عالية يا جلبي الي انحرج يانا.... منك لله... منك لله يا زينة يا بنت زينب... منك لله يا عجربة خطفتيه من بيناتنا وحرجتي جلبنا عليه اللهي تنحرجي في نار جهنم زي ما حرجتي جلبي على اخويا اخويا الي اتجتل ودمه راح هدر يا ولداه ياريتك كنت لسه حية ممتيش من الحادثة وانا كنت جتلتك بيدي وشربت من دمك اه يا نار جلبي الي ما هتطفي ابدا من بعدك يا اخويا ...سندي في الدنيا حبيبي... ااه اه ياني.... حسبنا الله ونعم الوكيل في الشيطانة الي دخلت بينا جت تخرب علينا وتمشي جت عشان تخرب العيلة وتاخدك مننا يا غالي ..... وسبتلنا خلفها لاسود وراها.
نطقت عاليا جملتها الاخيرة في غل بينما هي تقترب اكثر من الجالسة تحدجها بنظراتها الحقودة المشتعلة بخبث لتلتقي بعيني ابنة اخيها التي لازالت جالسة في مكانها صامتة كأن علي رأسها الطير وكأن كل ما يحدث لا يعنيها ...

شمس... (((((( مكتملة)))))) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن