شعرت بألم طفيف في رأسها وهي ترمش قليلا في محاولة منها لفتح عينيها ولكنها ما لبثت ان اغلقتهم وقد احرق الضوء عينيها الذهبيتين ولكنها حاولت مجددا وعادت ترفرف بأهدابها برقه حتي فتحت عينيها ببطأ لتعتاد علي ضوء الغرفة......
نظرت في انحاء تلك الغرفة الصغيره المألوفة نوعها ما....... .
..... استقامت قليلا لتستند بظهرها الي الفراش وقد شعرت بإرهاق مفاجأ وضعف في جميع انحاء جسدها الصغير .....
وقعت عيناها علي ثيابها التي كانت ترتديها منذ الأمس فحمدت الله بسرها ثم ما لبثت ان تلمست جبينها بألم لتشعر بتلك الضمادة التي تحيط بجبينها فتنهدت بقلق ومررت كفها الصغير علي شعرها الأسود لتجده حر طليق وقد انزلق شالها لتعيده هي بسرعه وقد علت دقات قلبها بخوف لأول مره وهي تعيد انظارها مرة اخري الي الغرفه تلك الغرفة المؤلوفة لها رغم .....
كانت غرفة قديمة تبدو نظيفة بعض الشيء ......
و يبدو عليها الاهمال ....
كأنها في منزل مهجور او قديم منذ الأزل ....
جدرانها بنيه وتحتوي علي دولاب صغير بني اللون وطاولة صغيرة وذالك الفراش الذي تنام عليه .......
وذالك الباب الباب الذي يطل عليها والذي فتح فجأه لتدخل منه فتاة سمراء جميله .......
نظرت لها شمس بتعجب ......
بينما اتسعت ابتسامة الفتاة وهي تقول بسرور واضح ...
__ يا مسا الورد يا سيتي... ولا اجول صباح الورد اكمننا لسه الفجر....اخيرا صحيتي كيفك دلوكيت علي الله تكوني مانيحة .
ردت بهدوء هي ابعد ما تكون عنه....
__ الحمد لله.....انت مين....وانا فين.
ردت الخادمة ببشاشه .....
__ اني.....اني خدامتك فوزية يا ست هانم .
قالت بتعب وهي تحاول ان تمنع ذالك الألم الذي بدأ بتغليف خلاياها......
__ مين جابني هنا يا فوزيه...
__.....__اني.....
اتاها ذالك الصوت القوي الذي تعرفه جيدا والذي زلزل كيانها بشده لتقف بسرعه ناسية ألمها وكل شيء حولها ما عداه هو........
وكيف تري الكون من حولها وهو موجود اذا كان في عينيه كل الوجود......
رفعت عينيها بسرعة تجاه صاحب الصوت هل هي تتخيل صوته ........
صدمه احاطت بها عندما تعلقت عينها بذالك الرجل ذو الهيبة الذي يقف بكل شموخ امام الباب يمسك في يده عصي ابنوسيه شامخه كصاحبها تنتهي برأس علي هيئة ليث قوي.......
دق قلبها بقوه عندما وقعت عيناها علي ملامحه الرجوليه السمراء من اشعة الشمس القوية لبلدتهم والقاسية بقسوة الجبل والقوية بقوة صاحبها وهيبته.....
توقف العالم بما فيه حتي نبض قلبها حين التقت عيناها العسلية الذاهلة مع عيناه شديدة السواد وشديدة العمق والقسوة بشكل موجع لها ........
لم تعرف....
او لم تعترف يوما منذ تركت هذه البلدة انها.....
انها تشتاق له..... .
تشتاق له بتلك القوة.....
تشتاق له حد نسيانها التنفس في وجوده.....
كأنها طفلة هامت منذ زمن وتشردت لتعود فجأه الي احضان والدها وعادت الي ديارها اليوم فقط.......
مرت عيناه علي جميع ملامحها لا يصدق حتي الأن انها هنا....
تغيرت.....
لا لم تتغير حتي وان العالم اجمع اقر بانها تغيرت فهم لايرونها كما يراها هو .....
فهي لازالت كما كانت في الماضي بلمعة عيونها الذهبيه ذات اللمعة الحنونه واللمحة الطفوليه التي يغطيها ستار رقيق قاسي. ......
ولازالت عيونها مغزولة بالحزن والوجع والضياع .......
لازالت دموعها مجمده كالفولاذ داخل عينيها ......
لا زالت طفلة هائمة لا تدري لها منزلا ......
ولازالت الطيبه والذكاء يشعان من وجهها البريئ ....
اااه كم اشتاق اليها........
اشتاق لها كأب افتقد ابنته المشاغبة الطفوليه اللطيفة كاقطعة حلوة ......
اشتاق لها كأخ فقد اخته التي كانت كالأم بالنسبة له بحنانها ورقتها......
اشتاق لها كصديق رحلت صديقته وصندوق اسراره......
اشتاق لها كروح تركت روحه........
ااااااه كم يود لو ......
لو يحتجزها بين زراعيه الي الأبد ولكن هل تود هي ذالك....
هل تعرفت عليهمن الأساس .......
هل اشتاقت له ......
هل تذكرته طوال تلك السنوات كما لم تغب هي عن باله يوما او ساعة او حتي عدة لحظات .....
مؤكدا هي حتي لم تفكر فيه ابدا قست عيناه اكثر و صدح صوته قويا خلال الصمت الذي كان قد غلف المكان وقد حاول قدر الإمكان ان يكبح جماح مشاعره التي تضعفه تجاهها والتي تدعوه لأن يغفر لها كل ما صنعت......
ولكن هيهات ان يفعل .........
__ فوزيه.....روحي هاتي الوكل عشان ستك الهانم......شهلي يا حرمه اياك ..... نسوان مهمهاش غير الحديت الماسخ .
قامت الفتاه من فورها وهي تهرول بسعادة كمن اعطاها جائزة قيمة ....
__ أوامرك يا بية طوالي....هبابه والله دا انا عينية للست هانم .
خرجت فوزيه مسرعة تاركة ورائها ليث غاضب وشمس معتمه وكلاهما مجروح من الأخر .........
قال بصوت بارد لم تفهم نبرته وهو يتقدم ليجلس علي كرسي في بداية الغرفة....
__ كيفك يا بت عمي .
لم ترد......
وكيف ترد وهي تشعر انها في حلم.....
لا بل كابوس...
بل....
هي حتي لا تعرف هل هو حلم جميل لأنها رأته اخيرا كما تمنت في قرارة نفسها او لأنها اشبعت جزئا ولو ضئيل من شوقها له ......
ام هو كابوس لأنه لا يريدها ولا يتمناها حتي قد يكون قد نسيها ولم يتذكرها حتي رأها الأن .......
يا الله هي مشوشة لا تعرف شئ ......
هي فقط تشعر بالتعب تتمني لو تغمض عينيها لتنام .....
لتنام الي الأبد ......
ردت بصوت غلبه التعب والألم.....
__ انا الحمد لله يا ابن عمي.....وانت ان شاالله تكون كويس.
رد بقوة وهو ينظر اليها بنظرات لازعة...
__ لاه عال نحمدو ربونا..... بس لتكوني نسيتي حديتنا ياشمس ..... زي منسيتي عوايدنا واصولنا يا بت البندر ...
نظرت له وقد شعرت كأن دلو من ماء مثلج قد قذف فوق رأسها .......
كانت تشعر بالبرودة والخواء تحيط بها من كل جانب بل وتنخر عظامها من الداخل نظرت له بنظرة محطمة .....
وقد كسرت من الداخل وضاعت قوتها .....
كأن قوتها كانت بثقته بها كأنه كان عمادها الذي يقويها امام الجميع حتي امام نفسها كأنه بكلمته تلك قد اثبت لها ان مكانها في هذه البلدة قد ضاع والي الابد قالت بصوت لم تتعرف عليه كأنه يخرج من اعماق بئر مظلم ......
__ اني.....اني يا ليث......اني بنت البندر واني نسيت اصلي وانت ....انت الي تجول كدا...
رد عليها بسخرية يخفي خلفها ضعفا ووجعا من لهجتها الضائعة .......
__ ومجولش ليه.....مش هي دي الحجيجه ولا ايه مش البندر هو الي نساكي اصلك ونساكي عوايدك ونساكي حتي حديتك .... هو الي خلاكي تخرجي من دارك وش الفجر من غير خشا هو الي خلاكي تجطعي بأهلك وتحطي راسهم في الطين سنين ....
تجمدت نظراتها حتي نافست الجليد برودة والصخور حدة...... صوتها خرج قويا رغم ضعفة....
__ لاه يا ليث له......مش الحجيجه وانت عارف اكده.......ان كان علي حديتنا فاني عرفاه ومنسيتوش ......ومش اني الي انسي اصلي يا ابن الجبالي ..... ولا انا الي انسي ناسي....واعمامي انت اول واحد عارف انهم معوزينيش .... وانهم كانو عارفين اني في بلد غريبه ومفكروش يشجوا عليا او يعرفوا انا في انهي داهية..... حية ولا ميته جعانة ولا شبعانة ........ عارف جطعت بالبلد وبناسها ليه يا ليث ليه ....... عشان مبجليش مكان فيها مبجاش..... حد عاوزني فيها جدي ومات وابوي ومات و اعمامي....
قاطعت كلامها بحسره وهي تنظر اليه بنظرات مكسورة جرحت قلبه بقوة ثم تابعت بصوت باكي زاد جروحه .....
__ انت اكتر واحد عارف انهم معوزنيش .. ولا مرتاتهم ولا ......ولا انت.....ولا انت يا ليث انت حتي مهتمتش لما جولتلك اني مسافره....... جولتلي بالسلامه...... وانت كمان مفكرتش تسأل عني تطمني ان ليا اهل ..... تحسسني اني مش لوحدي مش عاله علي حد....... ان ليا حد يسأل عني ويشوف احوالي..... لكن انت زيهم نسيتني وارتحت..... ارتحت مني يا ليث..... ارتحت من همي..... يبجي بجيلي مين اهنه .......بجيلي مين .......
كان ينظر اليها بوجع وقد تحولت كل كلمة تقولها الي سهم يخترق قلبه لينزف ألما علي محبوبته الغبية الحمقاء......
نعم هي اكبر غبية في هذا العالم .....
وقف بغضب ثم اقترب منها حتي وقف امامها يظللها بظله لتمتد انامله تجاه وجهها ليرفعه لتقابل عينيه عينيها الضائعتين والباكيتين لأول مرة.....
هزته دموعها المترقرقة داخل مقلتيها.....
بل زلزلته كأنها صخرة بحجم الجبل وضعت علي قلبه لتمنعه عن النبض......
عادت نظراته تحنو وتضعف امامها فهو ابدا لا يستطيع.....
لا يستطيع ايلامها..
لا يستطيع ان يري دموعها ....
دموعها المتكونة بسببه.....
عادت انامله تلامس وجهها لتمسح دموعها بحنان بينما عينيهما ملتقيتان في حديث صامت طويل قطعه هو بصوت متحشرج خشن...
__ مكنتش اجصد....... مصدقتكيش.
نظرت له بستغراب وتسائل ليرد هو بألم استشعرته في نبرته الخشنه....
__ مصدجتش انك ممكن تسافري وتهمليني ...... كنت غضبان منيكي وجولت اكده وانا موعيش علي حالي... لو كنت اعرف انك هتسافري صوح ....كت (كنت).......
عادت نظراتهما تتشابك بينما عيناها تفضحانها وتظهران مدي اشتياقها لأن يكمل تتمني ان يكمل وتعرف....
تعرف ماذا كان سيفعل لإيقافها.....
لكنه ظل علي صمته لتقول هي بصوت مرتجف....
__ كت ايه......
قست نبرتة علي الرغم من دفئ وحنو عينيه وهو يقول بخشونة.....
__ كت ربطك جنبي ومخلتكيش تفارجيني واصل...... كت خليتك تندمي انك فكرتي تهمليني....
عادت تقول بصوت مرتجف ونظرات متوسله اعادتها لتلك الطفله التي كان يعلمها قديما...
__ يعني منستنيش يا ليث.....
تنهد بقوه ثم قال بخشونه وقلبه ينافس قلبها في جنون خفقاته ..
__ واه لساتك ابتسألي يا شمس ...... انا مجدرش انساكي يا شمس..... انتي ساكنه جلبي يا بت الجبالي.
خفق قلبها بقوة حتي شعرت انه يكاد يتوقف عن العمل......
هل قال انها تسكن قلبه......
هل سمعتموه مثلي......
رمشت عدة مرات وهي تنظر اليه بعدم تصديق ثم قالت بارتجاف ....
__ اني....
عيناه التهمت ملامحها الرقيقة وهو يقول بصوت اجش....
__ ايوه انتي يا شمس..... انتي الي سكنه جلبي وعجلي..... انتي الي سرجتي روحي ولازمن ترجعيها.
ارتجف صوتها اكثر واكثر وهي تقول بضعف سمحت له لأول مرة ان يتسلل علي السطح .....
__ ليث ..... اني اتوحشتك جوي جوي يا ابن عمي.
لا تعلم كيف رُفعت بتلك الطريقه لتصبح في لحظة واحده داخل احضانه بينما قدميها لا تصلان الي الأرض.....
يا الله ما اجمل العوده الي الوطن......
وهو
وطنها ........
سمعت همسه الخشن وهو يقول..
__ مهتبعديش عني تاني ابدا يا بت جلبي فاهمه ابدا.
صوت سقوط شيء ما علي الأرض بدد لحظات السحر بينهما ليبتعدا بسرعة عن بعضهما وتختبئ هي خلفه بخجل بينما نظر هو تجاه الباب لكن لم يجدا احد ليخرج هو للحظة ليري ما حدث....
كانت الخادمه فوزيه قد اوقعت عدة اطباق من الطعام علي مقربة من الغرفه ليتنفس الصعداء ويحمد الله انها لم تري شيء.....
أمرها بصرامة بأن تذهب لتجلب غيرهم......
عاد الي الداخل واغلق الباب هذه المره لينظر الي تلك القطه الجالسة علي الفراش والمنكمشة علي نفسها بشكل مضحك...
اقترب منها ليجلس بجانبها علي الفراش كأن شيء لم يكن ولكن انطلق صوته يسألها بعمق....
__ كتي عايشه فين طول السنين ديه يا شمس انا جلبت عليكي البلد كليتها .
نظرت له بتفاجأ ثم قالت بغموض ...
__ يهمك في ايه....
نظر اليها بشراسه وحزم لتتتنهد بتعب ثم قالت بارتجاف واضح .....
__ عاوز تعرف كنت فين لما كنت في القاهرة يا ليث.......كنت عند امي وجوزها عم نبيل ....ايوه امي متستغربش .... امي الي اتظلمت في البلد دي زي متظلمت اني...
قاطعها بهدوء وهو يقول....
__ اني .....اني عارف بالي حصل زمان يا شمس.
نظرت له برعب وقفزت واقفة......
وقد تملكها فزع اطاح بإرهاقها وتعبها......
__ ع....عا..عارف ....عا..عارف ايه يا ليث .....
كانت تنظر في عينيه القاسية التي لم تكن كذالك ابدا في هذه اللحظة.... لتستشف منها ما يعلم ......
ايعلم مثل البقية ام ......
ام يعلم الحقيقة....
اطاح بصوابها وهو يقول بنبرة لم تستشف معناها...
__ عارف الحجيجه يا شمس ..... الحجيجه كلياتها .... جدك جالهالي جبل سابج.
ارتخت اطرافها وكادت تقع وهي تستعيد احداث سنوات مضت في ليلة ماتت فيها روحها الي الأبد ليلة ضاعت بسمتها الطفوليه وسكن قلبها الجليد وعينيها الدموع...
__ عارف......عارف اني جتلتو....ان انا الي جتلت ابوي........
اعادت نظراتها اليه ببرود وقد لفها دوار رهيب واختناق شعرت معه بروحها تنازع للخروج مع خروج انفاسها وذكرياتها التي كانت مكبوتة في جزء مظلم من عقلها......
افزعه برودها المفاجأ فقد كانت عيناها كمن فقدت الحياه تماما.....
حاول الإقتراب منها الا أنها اوقفته بصوت مبحوح كمن تحارب ليخرج صوتها ....
__ بعد....اياك تجرب مني.....انا معوزاش شفجه من حد معوزاش حاجه من حد بعد عن.......
قاطعت كلماتها حين غلفتها سحابة سوداء اخذت وعيها منها لتريحها من هذا الألم.....
كادت تسقط ارضا وهي فاقدة الوعي ......
لولا زراعاه القويتين حالت دون ذالك.....
حملها بين زراعيه ووضعها علي الفراش برقة لم تكن يوما من صفاته......
مسح علي وجهها بحنان واصبعه يمر علي بشرتها الحنطيه .......
همس لها بصوت اجش محمل بعاطفة لم يتخيل ان تكون بهذا العمق.....
كم يحبها ويخاف عليها ......
يعلم ان معرفته بالأمر ألمها واعاد لها الذكريات السيئة لكن كان يجب ان تعلم........
....
__ سامحيني يا بت عمي..... متزعليش من الي حوصل انا مجصدتش افتح البيبان المجفولة يا شمس.....مجصدتش احرج جلبك يا بت جلبي .
طبع قبلة رقيقة علي رأسها وابتعد يقف امام النافذة المطلة علي كثير من الأراضي الخضراء الواسعه...
بينما ذكرياته تعود الي الماضي الي ما قبل سبع سنوات مضت.....
أنت تقرأ
شمس... (((((( مكتملة))))))
Romansaكأنك اسم علي مسمي يا شمس... ترسلين النور لكل الأرض وداخلك جمر يحترق.. تحتضنين الكل بدفئك وتشرقين ببداية حلوة لكل يوم وتسكنين السماء حيث لن يطالك احد.. وان فكر احد في الاقتراب.. احترق... ولكن انا لا اخشي الاحتراق بك يا شمس.. انا لا ابتعد خوفا ا...