1_الحفلة

5.7K 93 1
                                    


قالت ماري:
" أن سكرتيرته غائبة عن العمل مرة أخرى , وأمر بأرسال باقة زهر لها كالعادة".
تنهدت ألونا مجيبة
2- لا بد أنه يحبها , أذ أعتاد أرسال شيء لها كلما تغيبت , أن لم يكن ما يبعثه لها زهورا فأنه سيأمر بأرسال علبة شوكولا , أو قنينة عطر".
قالت ماري معقبة:
" "أنا مستعدة للتنازل عن كل شيء من أجل الحصول على رجل مثل هذا مغرم بي".
" هل تعتقدين فعلا أنه رجل رائع الى هذا الحد؟".
ورغم صيغة التساؤل , ألا أن ألونا كذبت في ذلك , أذ كانت تعرف جيدا حقيقة مشاعرها اتجاه ديريك واريك ولم يكن في نيتها أخبار أحد عن مشاعرها وخاصة أحد العاملين معها في المؤسسة.
كانت للرجل جاذبية تمنحها أحساسا خاصا كلما رأته , وعمدت دائما الى تثبيت ناظريها على آلتها الكاتبة كلما حدث ودخل غرفة الطباعة في أحدى زياراته التفقدية , ولم تكن زياراته نادرة رغم أنه أمر يثير الأستغراب.
ورفضت تسديد النظرات المولهة اليه كبقية الفتيات لأنها كانت حريصة على صيانة كبريائها من جهة ولأنها أدركت سهولة أكتشافه لحقيقة أحاسيسها أذا ما حدث وألتقت عيناه بعينيها , خاصة أنه على معرفة واضحة بالنساء.
ويبدو أنه أختار صبيحة ذلك اليوم لزيارة مكتبهم , حيث فتح باب المكتب بنفسه ودخل , ساد المكان الهدوء لعدة لحظات ثم عاودت الفتيات الطباعة بحماسة أكبر بعد أن تنهدت عدة فتيات بصوت مسموع.
وكانت ألونا الفتاة الوحيدة التي لم تتأثر بدخول الرئيس , أو على الأقل هذا ما دل عليه مظهرها فيما لو أراد أحدهم التطلع اليها , غير أنها لفرط هدوئها لم تثر أهتمام أحد.
بدت الفتيات كفؤات في عملهن كالعادة , ألا أن ألونا أدركت ومن سرعة الطباعة المتزايدة مدى أرتباكهن لوجود صاحب المؤسسة في المكتب , لم يكن ذلك السبب الوحيد بل كان للمدير عبيره الخاص الذي يمنحه حضوره المتميز.
كان طويل القامة ذا شعر أسود وعينين زرقاوين. أما جسمه فكان متناسقا , كتفاه عريضتان أظهرت جمالهما البدلة المتقنة الخياطة , كل ذلك زاد من جاذبيته وسحره.
فكرت ألونا بأن النظر اليه يسر من ترغب بالخضوع لسحره , أما هي فلم تكن تريد ذلك , أذ كانت تعلم جيدا مدى الأضطراب الذي يثيره حدث كهذا في حياتها.
شهدت ألونا حب صديقة أختها لوسيا والساكنة معها في بيت صغير , ثم زواجها ممن أحبته , ثم راقبت تدهور زواجهما وأخيرا أنهيار لوسيا وأضطرارها الى تبني أسلوب آخر في الحياة , لذلك قررت ألونا ألا تسمح لأي رجل بالتلاعب بعواطفها.
كان البيت الريفي صغيرا ولا يقل عمره عن الثلاثمئة عام , كان في المطبخ موقد سحيق القدم وحنفية الماء واقعة خارج البيت , وكان عليهما تسخين المياه بالقدور الصغيرة أذا ما أرادتا الاستحمام ومن ثم سكب الماء الوسخ خارج المنزل , في باحة أطلقتا عليها أسم الحديقة الأمامية.
عرض عليهما مالك البيت تزويد البيت بالماء والكهرباء ألا أن لوسيا رفضت قائلة بأن العيش بشكل بدائي أمر ممتع , فخاطبت ألونا نفسها قائلة بأن أسلوب حياة لوسيا هو أسلوب بدائي فعلا , كانت هناك غرفتا نوم في المنزل , أحداهما كبيرة ومتصلة بغرفة الجلوس أما الثانية فيؤدي اليها سلم خشبي قصير , وأختارتها ألونا غرفة لها رغم صغرها ولم تندم على أختيارها ذلك.
أعتادت لوسيا أقامة الحفلات مرتين في الأسبوع , وأضطرت ألونا أحيانا الى تغطية رأسها بأغطية الفراش لتتمكن من النوم , أما عند فشل وسيلتها هذه فأنها كانت تتوجه , صبيحة اليوم التالي , ألى عملها متعبة , محمرة العينين كما لو كانت هي صاحبة الحفلات.
ونتيجة تعبها وسهرها بدأت ترتكب الأخطاء في عملها , وحين حاولت توضيح السبب لرؤسائها في العمل مخبرة أياهم عن الضجة وعدم قدرتها على النوم ,أعتاد الرجال الضحك وعدم تصديقها.
وأزدادت المشكلة سوءا بمرور الوقت , وأنتاب ألونا اليأس , أذ كانت تحب عملها ولا تريد فقدانه ولم تستطع ترك المنزل لأنها لا تعرف مكانا غيره تتوجه اليه , أذ يعيش والدها في بلد آخر ولم تستهوها فكرة مشاركة السكن مع غرباء فبقيت مع لوسيا لأنها صديقة أختها , رغم سلوكها الغريب بعد أنفصالها عن زوجها , ما لم تعرفه ألونا هو مدى صبر رب عملها على أخطائها المتراكمة.
سمعت ألونا صوت أقتراب خطوات المدير , كانت الخطوات ثابتة دلت عن ثقة صاحبها بنفسه , ثم وقف ديريك واريك الى جانبها .
تنفست بعمق وجمدت في مكانها وأصابعها ثابتة على مفاتيح الآلة الطابعة , أذ لم تجرؤ على مواصلة العمل والمدير واقف الى جانبها.
قال المدير :
" كلمة مراسلات لا تحتاج أضافة الواو بعد الميم يا آنسة بيل , أما قلق يا آنسة بيل فلا تكتب 0قليق) بأضافة الياء".
رفعت ألونا وجهها فألتقت عيناها بعينيه الزرقاوين الباردتين .
" أنا الآخر قلق يا آنسة بيل".
هل حلت لحظة الطرد أخيرا؟ اللحظة المخيفة؟ وأمام كافة زملائها ؟
تساءل بسخرية :
" هل تسهرين كثيرا يا آنسة بيل؟ هل ترتادين العديد من الحفلات؟ ".
" أنني لا أرتاد الحفلات..........".
قاطعته فجأة ثم أنتبهت الى فداحة خطأها , أذ تجاوزت أسلوب المخاطبة الرسمي بين رب العمل ومستخدميه , وبدا وكأنه على وشك تأنيبها على جوابها الحاد ألا أنه غير رأيه وأكتفى بالقول:
" تعالي الى مكتبي يا آنسة بيل".
ونظرت اليه مرة أخرى , هل سيطردها بشكل خصوصي ؟ سيجنبها ذلك على الأقل مذلة الطرد أمام بقية زملائها.
نظر اليها متفحصا كما لو أنه لم ينظر الى أمرأة من قبل , ثم تغير تعبير وجهه , ألا أن الجليد لم يذب بينهما , فقال:
"لن آكلك يا آنسة بيل , ما أحتاجه هو أن تقومي بعمل سكرتيرتي أثناء مرضها( ثم عادت للهجته حدتها) أجلبي معك قلمك ودفترك".
وأنهى بذلك حديثه معها ثم غادر المكتب.
توقفت الفتيات بعد مغادرته عن الطباعة , وساد المكتب هدوء غريب , لم أختار من دون الفتيات ألونا بيل؟ فتاة , برأيها الخاص , تخلو من الجاذبية الى حد أن أصدقاء لوسيا يتركونها , عادة , لوحدها دون محاولة التحرش بها , ولم تدرك أن سبب ذلك عائد الى سلوكها المتحفظ وليس الى مظهرها الخارجي.
كانت ألونا ذات شعر أسود يصل كتفيها وعينين سوداوين واسعتين لهما رموش جميلة , وأذ مرت بين المكاتب خاطبتها ماري قائلة:
" لا تبدي بائسة يا ألونا فلست ذاهبة الى الجحيم".
أبتسمت ألونا وهزت كتفيها آملة أن تخدع بمظهرها اللامبالي بقية الفتيات , ورغم أستدعاء رب العمل , في الماضي , لبعض الفتيات لأملاء الرسائل ألا أنها كانت المرة الأولى التي أستدعى فيها ألونا , كانت تأمل ألا يلاحظ خوفها.
لم تستطع أيجاد سبب دفعه لأختيارها , وبدا ديريك واريك خلف مكتبه , وفي غرفته الخاصة أكثر هيبة , وأحاط به جو معين طغى عليها و لاحظت وجود كومة من الرسائل أمامه , أشار الى الرسائل وقال:
" لو كانت ديانا هنا لأعطيتها الرسائل وأستعدت نصفها فقط ....( تنهد ثم قال) على أي حال....".
ونظر اليها بسخرية فأحست بالخوف وتذكرت لقب ( الفأرة) , أعتادت أختها والكثير من الناس أطلاق لقب الفأرة عليها , كما دعتها لوسيا بذلك أيضا , وكلما فعلت لوسيا ذلك كانت ألونا ترغب في تحطيم ما يحيط بها , صحيح أنها هادئة المظهر , ألا أنها كانت تعلم أن ما يجري في داخلها مختلف وأنها كانت نمرة محاصرة تحاول تحرير نفسها . ألا أن ديريك واريك كالبقية لم يكن يرى منها غير مظهرها الخارجي.
واصل ديريك قوله:
" على أي حال , سأنظر بعين الرحمة الى قابليتك الأقل قدرة ".
وتحدتها العينان الباردتان أن تجيبهما , ثم أبتسم مضيفا:
" أعني الجمل القصيرة مثل (سيدي العزيز) , (شكرا) , (المخلص) .... ألخ".
أملى ديريك واريك رسالته بسرعة , ألا أن ألونا كانت قادرة على مجاراته , توقف بعد عدة دقائق ثم نظر اليها متفحصا , نظرت اليه بجرأة وبدا كأنه قرر تجاهل ذلك ثم واصل الأملاء , هل توقع منها الشكوى؟ تساءلت ألونا في داخلها ثم أبتسمت , فسألها ديريك واريك:
"ما هو الأمر المضحك يا آنسة بيل؟".
أحمر وجه ألونا وخلال لحظات أختفت الأبتسامة من وجهها وعادت الى نظراتها جديتها المعتادة.
تفحصها ديريك واريك مقطبا جبينه , ثم بدأ الأملاء , وتساءلت ألونا في قرارة نفسها عما أذا كانت تتخيل أم أنه زاد من سرعته في الأملاء؟ ألا أنها كانت قادرة , وبكل سهولة , على مجاراته في السرعة رغم أنه أسرع أكثر وأكثر آملا , كما ظنت , أن تشتكي من سرعته أو من أستخدامه المصطلحات التقنية الصعبة.
بعد مرور نصف ساعة , لاحظت ألونا أختفاء كومة الرسائل من أمامه بينما تكونت كومة أوراق الى جانبها.
ألتقت نظراتهما وحافظ هو على نظرته المتفحصة الثابتة :
" الرسائل كلها لك يا آنسة بيل".
ورغم نظراته الساحرة , لم يتطرق اليها الشك في قدرته , متى رغب في ذلك , على أتخاذ موقف قاس منها.
أجبرت نفسها على تفادي نظراته وخاطبت نفسها تلومها لحماقتها , كيف يستطيع رجل مثله قادر على أمتلاك أي امرأة يرغب فيها , أعتبارها أكثر من قطعة أثاث في مكتبه ؟ آداة تستخدم وترمى جانبا أذا ما أنتهى من أستخدامها.
وضاعت في خضم أفكارها ناسية وجودها في المكتب ولم تدرك مراقبة رب العمل لها .... قال مخاطبا أياها:
" سأكون مسرورا يا آنسة بيل لو سرحت بفكرك خارج ساعات العمل ( ثم واصل بحدة ) هذا أذا تحاشينا ذكر وجودك في مكتبي , أن وقتي ثمين , ثمين جدا.... وحتى وقتك ككاتبة على الآلة الطابعة ليس رخيصا".
وافقت ألونا فورا:
" أنني مدركة تماما ....".
بدأت حديثها , ألا أنها صمتت أذ جمد تعبيره البارد الكلمات في حلقها , أشار بيده قائلا:
" الباب يا آنسة بيل".
بشموخ غادت ألونا الغرفة , هكذا أذن يطلب الرجل العظيم من مستخدميه مغادرة المكتب!
وكانت شاحبة الوجه عند عودتها الى غرفة الكاتبات , الأمر الذي لاحظه الجميع.
سألتها ماري بعطف:
" هل أستفزك؟".
هزت ألونا رأسها نفيا .
ثم سألتها فتاة تدعى أنجي:
" هل أملى عليك الرسائل بسرعة؟".
نفت ألونا ذلك أيضا , فواصلت أنجي الحديث:
" ذات مرة , أملى علي ما أراده بسرعة كبيرة فطلبت منه الأبطاء ".
فقالت فتاة تدعى جوان:
" هذا ما فعلته أنا الأخرى".
قالت فتاة أخرى:
" وأنا أيضا".
حاولت ألونا التخلص من ثرثرتهن بالأنشغال في الطباعة , لا عجب أنه بدا مندهشا لعدم مطالبتها أياه بالأبطاء, وشغلها ما جرى لها مع رب عملها بشكل أعمق مما توقعت , أحست فجأة بالتعب ورغبت أن تريح رأسها على الآلة الطابعة.
كانت تعاني , كالعادة , من قلة النوم أذ أقامت لوسيا , الليلة الماضية ,واحدة من حفلاتها .... تخلت ألونا في الساعة الثانية صباحا عن محاولتها النوم , وقرأت كتابا حتى الساعة الثالثة حيث غادر آخر الضيوف المنزل ,فنامت لتستيقظ بعد أربع ساعات أستعدادا للذهاب الى العمل.
تناولت الأفطار وغادرت المنزل بينما بقيت لوسيا نائمة تستريح , كانت لوسيا على علاقة حب برئيس مكتبها في العمل مما أتاح لها فرصة الذهاب الى العمل في أي ساعة تشاء , قبل حلول فترة الغداء.
وأذ غادر الباص المدينة الى هدوء القرية الواقعة شمال مقاطعة أسيكس حيث تعيش ألونا , أحست ألونا بتوتر ذلك النهار يتسلل بعيدا عن جسمها , مثل اللصوص عند أنتباه أصحاب البيت الى وجودهم , غادرها التوتر , تاركا أياها هادئة ومبتسمة , وفكرت بأن أقصى ما تطمح اليه هو أن تعيش حياتها بطريقتها هي بدلا من طريقة لوسيا....
كان الوقت أواخر نيسان وأستعدت لجنة الأحسان في القرية , التي كانت ألونا عضوة فيها , لأقامة حفلها السنوي , عرض عليهم القس أستخدام باحة الكنيسة ألا أن الكولونيل دينتون عرض عليهم أستخدام مرجه المتصل ببيته الكبير الذي يعود تاريخ بنائه الى القرن التاسع عشر , كان الكولونيل طويلا أشيب الشعر له تاريخ عسكري لم يتوقف عن تذكير سكان القرية به.
ناقشت اللجنة تهيئة الطعام : محتويات البيع ومسابقات الأطفال.
أقترح أحدهم:
" يجب أن نستخدم لعبة اليانصيب".
وأقترح راي , الشاب الجالس بجوار ألونا:
" لنحاول أن نبتكر شيئا مختلفا هذه المرة".
أما الكولونيل فقال:
" وجدتها! أمرأة , لتكن الجائزة أمرأة ".
قال القس:
""أنها فكرة جيدة خاصة أن الحفل كله مقام لجمع التبرعات , والآن دعونا نفكر , من هي الفتاة ؟ أجمل النساء وأكثرهن شبابا؟"

سيدة نفسها للكاتبة ليليان بيك  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن