الفصل الرابع عشر

3.4K 83 6
                                    

14 – كـــيــــف تــجــــرؤ ؟

لم تصدق إستريللا أنها استغرقت حقاً فى النوم .
لم تكن تنوى ذلك بكل تأكيد. قررت أن تبقى مستيقظة تماماً تستمع و تنتظر فقط عودة رامون.
حدثت نفسها بأنه مضطر للعودة مهما كان مقدار غضبه....كان ثائراً....لكن لم يمكن أن يرحل عن البيت و عن حياتها و يختفى تماماً....أم لعله يستطيع؟
كان من الغضب بحيث يفعل ذلك, من الثورة بحيث بدا و كأنه وضع جناحين لقدميه إذ أنها ركضت خلفه حالما استطاعت التفكير بوضوح, لكنها لم تدركه. كان قد خرج من المنزل قبل أن تصل إلى السلم, وصفقة الباب التى تردد صداها فى أنحاء الردهة خير دليل على ذلك.
لذا اندفعت عائدة إلى الغرفة و ارتدت ملابسها وانتعلت حذاءها بأسرع ما تستطيع لكنها أدركت فى أعماقها أن لا أمل لها على الإطلاق فى أن تجده أو تلحق به. و كان هذا صحيحاً فهى لم تجد له أثراً فى الفناء , أمام الفيلا أو لقامته الطويلة القوية على الطريق الذى أناره ضوء القمر حتى بدا الليل نهاراً تقريباً و لمن يبق مجال للشك.
عادت إلى المنزل و هى من الكآبة بحيث لم تكد تستطيع نقل قدميها فأرغمت نفسها على الصعود إلى الطابق العلوى محدثة نفسها بأنها ستنتظره فى الغرفة حتى تعود. واستلقت على السرير.
أثناء الانتظار ستراجع ذلك الشجار الفظيع الذى جرى بينهما قبل خروجه و تحاول أن تحلل ما حدث علها تجد الخطأ.
كان هناك خطأ فادح ما و هو ليس ما اعتقدت.

( أنت حصلت على أكثر بكثير مما أدعيت أن تريدين)

رمى رامون بهذه الكلمات فى وجهها و فى غمرة النقاش و هى متعبة و مرتبكة للغاية من هذا التغير المفاجئ الذى حدث له , اعتقدت بأنه عرف سرها . ظنت أنه يعنى أنها عرف أنها وقعت فى غرامه, فلم تجد ما تجيبه به إلا الاعتراف بالحقيقة.
حتى أنها ضحكت بتوتر و ارتباك و شعرت بالضحك يصدر من أعماقها و كأنه نوع من الراحة. نعم, أرادت أن تقول له إنها وقعت فى غرامه , وإذا لم يكن هذا ما يريده فهى آسفة....فهذه الحقيقة صدمتها بقدر ما صدمته كما يبدو, ولكن هذا ما كان ليفسد أى شئ بكل تأكيد . لكنه لم يمنحها فرصة للكلام و تملكها الرعب لعنف و قسوة رد فعله, والطريقة التى هاجمها فيها و الاتهامات التى قذفها بها قبل أن يخرج كالعاصفة.

(أنت و أبوك حصلتما تماماً على ما خططتما له)
(بينما أنا...أنا لم أحصل إلا على القليل . القليل)

لقد حصلت على ما تريد؟ ولكن ماذا عن شركة التلفزيون اللعينة تلك؟
بعد أن منعها توتر أعصابها و تعاستها من أن تصرخ و تبكى , لم يعد أمامها سوى أن تجلس تعد الدقائق و تقفز كلما سمعت صوتاً غريباً يتعذر تفسيره....جلست تنتظر رامون و تدعو الله أن يعيده إليها حتى و لو ليأخذ أمتعته.
كانت ملابسها مجعدة و قذرة بعد نومها فيها . تسريحة شعرها أصبحت أشبه بعش طائر و عش طائر غير متقن الصنع. كانت تشعر بصداع عنيف , وجفاف فى الحلق فتلهفت إلى شراب ينعشها .
قد يساعدها كوب من القهوة على التغلب على هذه الأعراض. فقد مضت ساعات منذ تركا حفل الزفاف كما كانت ليلتها مشحونة بالعواطف العاصفة . ربما ستتمكن بعد ذلك من أن تفكر بشكل قويم فتخرج بخطة تتصرف على أساسها . ولكن عليها أولاً أن تجد المطبخ.
لم تجد نوراً مضاء فى الغرف غير المعروفة و عليها أن تجد الطريق إلى الطابق السفلى بتلمس الجدار أثناء سيرها فى الظلام , وعليها هبوط السلم بحذر بالغ. كانت الردهة و غرفة الجلوس مظلمتين فيما حقائبهما لا تزال حيث ألقى بها رامون منذ ساعات.
إلى أى ناحية عليها أن تستدير لتجد المطبخ ؟
ــ مفتاح الضوء إلى يمينك بالضبط....
جاء هذا الصوت من جوف الظلام فأجفلت و صدرت عنها صرخة واهنة.
قال رامون بهدوء:"لا تفزعى . هذا أنا . مفتاح الضوء يعلو الكتف"
و بعد دقيقتين من البحث المرتبك وجدته فضغطت عليه ما أضاء الردهة و جعلها تطرف بعينيها بشدة بسبب الضوء الباهر المفاجئ .
منتديات ليلاس
كان رامون يجلس على كرسى كبير بذراعين فى الزاوية البعيدة عن الردهة بجانب مدفأة فسيحة. بدا لها مخيفاً....بشعره المشعث الذى عبثت به الرياح فى الخارج ,و الظلال الداكنة تحت عينيه اللتين خبا تألقهما , ولحيته النامية ما جعله يبدو كمتشرد سئ السمعة .
ــ كيف دخلت؟
هذا السؤال السخيف كان كل ما استطاعت قوله فأجاب بصوت خفيض فاتر جامد كوجهه :"لدى ليلاس مفتاح"
ــ لم أسمعك تدخل .
ــ ربما لأننى لم أشأ أن أوقظك.
و الآن كيف تفسر هذا؟ هل عدم رغبته فى إيقاظها ناتج عن اهتمام بها, أم لأنه لم يشأ التحدث إليها؟
ــ منذ متى و أنت هنا؟
نظر إلى الساعة المعلقة على الجدار ثم إليها و رد :"منذ ساعة أو ساعة و نصف تقريباً"
ــ وبقيت جالساً طوال الوقت على الكرسى؟
فأومأ باكتئاب :"كان لدى الكثير لأفكر فيه"
ــ آهـــ .
كان هذا كل ما استطاعت قوله . لم تجرؤ أن تسأله عما كان يفكر فيه....و لم تكن واثقة مما إذا كانت تريد حقاً أن تعلم ما توصل إليه من قرار , ربما سيخبرها بنفسه و لهذا لجأت إلى المزيد من الكلام التافه كتعليل لسبب نزولها إلى الطابق السفلى :"كنت....أردت أن أحضر شراباً....أتحب أن أحضر لك شيئاً؟"
ما كادت تتلفظ بهذه الكلمات حتى هب واقفاً و عيناه متجهتان إلى باب من الناحية البعيدة من الغرفة:"سأحضره أنا فأجلسى أنت"
ــ لكننى....
حاولت أن تعترض لكنها سكتت عندما رفع يده يسكتها:"من الأسهل أن أحضره أنا فأنا أعرف مكان كل شئ . أتريدين قهوة أم شاياً؟"
ــ بل قهوة من فضلك.
كانت منهكة للغاية و تحتاج إلى القهوة لتنبهها علها تستطيع الكلام بتعقل.
و هذا لا يعنى أنها تشعر بأنها قادرة على أن تنطق بجملة مفهومة مؤلفة من ثلاث كلمات , هذا ما اعترفت به لنفسها و هى تراه يتجه إلى ما افترضت أنه مطبخ . كانت الصدمة قد أحالت دماغها إلى عضو غير قادر على العمل.
لقد عاد رامون منذ ساعة أو أكثر و لم يوقظها . أتراه صعد إلى الطابق الأعلى ليرى إن كانت بخير؟
ــ بماذا....بماذا كنت تفكر؟
جاء هذا السؤال بهدوء بالغ و بتردد بالغ و ظنت أنها لم يسمعها لكنه وقف عند العتبة و التفت إليها قائلاً :"بعد أن أُحضر القهوة سنتحدث"
لم تستطيع أن تكتشف مزاجه من لهجته كما أن عينيه لم تكشفا عن شئ. لكنه على الأقل قال أنهما سيتحدثان....و حالياً عليها أن ترضى بذلك.فالإصرار على المزيد قد يبعده عنها مرة أخرى و هى لا تريد المجازفة. ولذا جلست و أخذت تنتظر.
(بماذا كنت تفكر ؟)

عاصفة فى القلبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن