اصبح فصل الخريف على الأبواب، وقفت ليلي أمام النافذة تنظر إلى المشهد الذي امامها من دون أن تراه، استمر دفء فصل الصيف حتي أيلول، لكن الليالي أصبحت الآن اطول، والهواء أكثر برودة، حتى الحديقة التي انكبت على الاعتناء بها بعد رحيل رونان، لتشغل ذهنها وتتعب جسمها
ذوت وبهتت واستعدت لاستقبال الشتاء...
..كفى..اخذت تعنف نفسها وهي تتحوّل عن هذا المنظر الكئيب الذي يؤكد رحيل رونان ورغبته بالبقاء بعيداً. كم عانت خلال الأشهر الماضية وهي تبذل جهدها لمواجهة ذلك الفراغ المريع الذي خلقه في حياتها وقلبها.
ولكن من الصعب عليها ألا تحسب الأيام خاصة بعد أن اكتشفت أنها حامل، فلا شك أن هذا الجنين هو ثمرة تلك الليلة التي امضياها معاً بعد عودتهما من نادي الليدز
في البداية، ظنت أن شعورها بالغثيان هو ناتج عن حزنها لرحيل رونان، لكن بعد أن طالت مدته أخذت تعد الأيام، فتأكدت من حملها.
ايقظها رنين جرس الباب من تأملاتها الكئيبة فأسرعت تفتح الباب
بقيت لحظات مذهولة مشتتة الذهن لم تستطع خلالها أن تميز ذلك الفتى الواقف عند عتبة الباب فمع أن وجه يبدو مألوفاً، إلا أنها.....
ولكن عندما ابتسم لها، عرفت على الفور: مرحباً، يا أختي، هل ادهشتك رؤيتي
كان في صوت نبرة ارتباك، وكانه لم يكن واثقاً ما إذا كانت سترحب به.
_ديڤي
وارتمت عليه تعانقه
_أين كنت لماذا لم تتصل بي أو حتى تبعث لي رسالة ..؟
_نعم، أعرف هذا، وأنا آسف للغاية.
وتملص من عناقها وقد بدا عليه الحزن: اردت ان اطمئنك عليّ، ولكن كان علي ان اعالج بعض المسائل أولاً ...
_ويبدو انك نجحت في ذلك.
اخذ صوتها يرتجف وقد لاحظت التغير الواضح في مظهر اخيها إنه شخص جديد متألق العينين نقي البشرة بادي الصحة.
كان شعره الأشقر الطويل، يلمع من تأثير العناية المنتظمة، وملابسه جديدة نظيفة وجسده أكثر امتلاة وكانه كان يأكل جيد منذ رحيله.
- ماذا حدث لك؟
_رونان غيرين ..... لا.
رأى ديڤي الخوف في عينيها فأسرع يطمئنها.
- لم يفعل شيئاً يؤذيني، يا ليلي على العكس، نشلني من الضياع. وأصلح حالي، فوضعني في مركز للعلاج من الإدمان، حيث كنت طوال هذا الزمن، .
- رونان فعل هذا
ثم جذب انتباهها شيء آخر قاله ديڤي: هل دخلت مركزاً للعلاج من الإدمان، هل أنت الآن....؟
_شفيت الآن تماماً، ولا أنوي العودة إلى الإدمان مجدداً، لم يكن الأمر سهلاً أبداً، ولكن رونان وقف إلى جانبي وساعدني في كل خطوة خطوتها وبعد ان اجتزت هذه المصاعب كلها، لا أريد العودة على الإطلاق إلى ما
كنت عليه، لأنتي اقترفت اخطاء فظيعة.
_روزالي
اظلمت عينا اخيها، وقال بصوت خافت: نعم، روزالي، قال لي رونان إنه اخبرك كل شيء.
وفجاة عاد ورفع نظره إليها وأمسك بيدها قائلاً: ولكن اقسم لك انني لم أعط أن تلك الحبة لروزالي. صحيح انني كانت موجوداً، لكني في حالة من الشرود بحيث لم أع ما يحدث، فأقنعها أحد الفتيان بتجربة تلك الحبة
وأمسك يدها وقد اغرورقت عيناه بالدموع: شعرت بنفسي مسؤولاً عن ذلك، فلو كنت واعياً لتمكنت من منع ذلك، أو على الأقل، لنقلتها بسرعة إلى المستشفى عندما أدركت أنها في خطر، لن أغفر لنفسي أبدأ يا ليلي.
فقد احببت تلك الفتاة من كل قلبي، .
- وهل يعلم رونان هذه
القت هذا السؤال لاهثة وقلبها يخفق فإن علم رونان بأن ديڤي غير مسؤول عن موت روزالي، قد يتغير الوضع بالنسبة إلى علاقتهما.
_نعم
ولم يعلم ديڤي ان جوابه هذا اطفأ آخر قبس من الأمل لديها.
- عندما وجدت أخيراً الشجاعة لأذهب إليه واطلعه على الحقيقة، كان مستعداً لمقابلتي تحدثنا لساعات طويلة عن طفولتي وموت أبوينا وبعد ذلك وضع لي برنامجاً أسير عليه ، لقد أنقذ حياتي يا ليلي.
-أه، يا ديڤي أنت لا تعلم كم يعني لي كل هذا.
وأمسكته بيدها تقوده الى الداخل، لتخفي الدموع التي حرقت عينيها.
لقد استطاع رونان أن يصفح عن ديڤي، لكنه لم يستطع أن يحمل نفسه على الاتصال بها.
_اصر علي أن أكتب إليك واعلمك اني بخير، وأن أتي لرؤيتك حالما أخرج وقد وعدني بأن يجد لي مهنة لطالما حلمت بها إن بقيت بعيداً عن المخدرات، وأنا مستعد للقيام بذلك إكراماً لروزالي، ولك، ولرونان.
اكتفت ليلي بالإيماء بصمت، وهو يقرن اسمها باسم رونان من دون وعي منه.
_تبدين مختلفة يا ليلي، هل انت حامل؟
لاحظ أخيراً التغيير الذي أسبغه الحمل عليها .
_وفي شهري الرابع.
قالت ليلي ذلك بصوت امتزج فيه الضحك والبكاء في آن معاً.
_هل هو ابن رونان؟ قال إنه ثمة شيء ما بينكما.
_شيء ما.
وابتلعت ليلي غصة خانقة وهي تومىء بحزن وإذ لم تستطع مواصلة كبح دموعها انهمرت على وجنتيها.
- أواه يا ليلي .. هل يعلم؟
_لم....لم اخبره.
- لم تخبريه...؟، ولكن عليك أن تفعلي، يا ليلي له الحق في أن يعلم انه ينتظر مولوداً. الا اترين مدى أهمية ذلك؟ هذا شيء حسن.
لكن ليلي تشك في ان ينظر رونان إلى الأمر من هذا المنظار .
فقالت بصوت مختنق: لن يرغب فيه، يا ديڤي ، فهو يكره أسرتنا".
ولكن هذه الكلمات بدت لها فجاة غير مقنعة ، فلو أن رونان يكرههم حقاً، لما ساعد اخاها إلى هذا الحد فعادت تقول بألم مغيرة حجتها: انه لا يحبني
فاجابها بحدة: هل أنت واثقة من ذلك؟ فالرجل الذي عاشرته خلال الأشهر الأخيرة ليس هو نفس رونان الذي كنت أعرف لقد تغير، وكأن نوراً انطفا في أعماقه، وهذا ليس بسبب روزالي فقط. إنه اشبه بشخص يعيش على هامش الحياة، ولا يهتم مثقال ذرة بأي شيء لم أستطع أن أفهم ما سبب ذلك، ولكنني الان كونت فكرة عن الموضوع».
ورأى بصيص أمل في عيني اخته، لم تستطع أن تخفيه.
- عليك أن تذهبي إليه، وان تخبريه
فهمست بقنوط : لا أستطيع ماذا لو أغلق الباب في وجهي قد يقضي ذلك علي، خصوصاً الآن.
- لن تعرفي قط إلا إذا حاولت، أعرف أنه لن يأتي إليك. لقد اخبرني بأنك طلبت منه أن يخرج من حياتك، والشيء الوحيد الذي يمكنه أن يفعله لأجلك هو ان يبقى بعيداً عنك.
_هل قال ذلك؟
الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يفعله لأجلي.
لم تستطع أن تمنع ما شعرت به، ففي اعماقها كانت بذرة الشوق الصغيرة قد تجذرت، واخذت في النمو هل هذا ممكن؟ أصحيح أن رونان يشعر بشيء نحوها؟
الحق مع ديڤي، ثمة طريقة واحدة لمعرفة ذلك، ولكن هل تتحلى بالشجاعة الكافية للقيام بذلك.
في اليوم التالي وصلت ليلي الى منزل رونان الأنيق لتجده مظلماً وابوابه مغلقة ، فتحول مزاجها من التوجس والتوتر إلى القنوط.
واخذت تدعو الله، بصمت، أن يكون موجوداً، إلا أن أحداً لم يجب على رنين جرس الباب.
ماذا تفعل الآن؟ يمكنها انتظاره، ولكن من يعلم إن كان رونان سيعود هذه الليلة؟
في تلك اللحظة لفت نظرها وهج ضئيل، يتسرب من مكان ما من القسم الخلفي للمنزل إلى الحديقة، فتحركت ليلي بحذر متجهة نحوه.
اجتازت الطريق الضيق بجانب المنزل، فوجدت غرفة جلوس واسعة تطل على حديقة فسيحة ذات باب زجاجي باتساع الجدار تقريباً، كانت الغرفة غارقة في ظلام دامس يحركه وهج النار في المدفأة الرخامية . لا شك أن
رونان أشعل النار للتغلب على صقيع المساء، فالليلة باردة حقاً.
ولكن هذا يعني أنه مصمم على العودة هذه الليلة إلى المنزل، وإذ همت بالابتعاد لفت انتباهها حركة خفيفة سمرتها مكانها.
- رونان
همست باسمه وقد رأت رجلاً مستلقياً على الأريكة مستغرقاً في نوم عميق جيداً بحيث أن رنين جرس الباب لم يوقظه. راحت تسترق النظر من خلال الزجاج فاستطاعت أن تميز جسمه الطويل، ووجهه القوي السمات
وشعره القاتم الذي يضيئه لهب نيران المدفأة.
رفعت يدها لتدق على الزجاج ولكنها عادت وغيرت رأيها، لا يمكنها أن تقتحم منزله بهذا الشكل، وتخيلته يستيقظ مجفلاً ليرى (الزوجة) التي تركها وراءه في مكان بعيد، تسترق إليه النظر.
ولكن ماذا عليها أن تفعل؟ وإذ دست يديها في جيبي معطفها وجدت المفاتيح التي اعطاه ديڤي إليها، قائلاً: طلب مني رونان أن استعمل منزله وأعطاني مفاتيحه، خذيهاً معك، لا أحد يعلم، فقد تنفعك.
خفق قلبها خوفاً، واسرعت إلى الباب الأمامي للبيت وأدخلت المفتاح في القفل، وادارته بخفة كي لا تصدر صوتاً عالياً، ثم فتحت الباب ودخلت الى الردهة الفسيحة.
ما إن أصبحت في الداخل، حتى تأهبت حواسها كلها .. ثمة شيء مريع، مريع للغاية، شعرت بذلك بالغريزة.
نظرت حولها متوترة، ثم اخذت تشتم الهواء كهرة متوترة ، حريق...واقشعر جلدها مذعورة، ثمة شيء يحترق .
وتحركت بسرعه مجتازة الباب الذي يؤدي إلى غرفة الجلوس، ودفعته بقوة لتفتحه واذ بالرائحة تزداد سوءاً، بينما الدخان يلف الغرفة
تستمرت رعباً، وهي ترى جمرة اخرى متوهجة تستقر على السجادة بجانب المدفأة، وتلتهب بعد أن ادركت طرف صحيفة ملقاة هناك التهم اللهب الصحيفة بسرعة وازداد توهجه وهو ينتقل بثبات زاحفاً نحو
- رونان
صرخت بذلك وهي تندفع إلى الأمام مختطفة وسادة في طريقها لتضرب بها النار كوسيلة مرتجلة للإطفاء، إلا أنها لم تبال بالنيران وهي تسري في أطراف الوسادة فتصل إلى يديها. ولم تتوقف حتى حين تأكدت من انطفائها تماماً، بل أخذت تتابع الضرب فترة طويلة بعد انطفائها.
وعلى الأريكة، اخذ رونان بتحرك متململاً بضيق ، وقد أزعجته الضجة فتح عينيه ثقيلتي الأجفان واخذ يحدق مذهولاً، في المشهد البادي أمامه.
ليلي هنا هذا مستحيل لا بد أنه يحلم فغالباً ما يحلم بانها عادت إلى حياته، لكنه كان يوماً يستيقظ ليجد أن مخيلته كانت تخدعه كما تخدعه الآن.
اخذ يطرف بأجفانه بقوة، وعاد يركز نظراته، فراى المرأة الشقراء مازالت موجودة.
_ماذا؟ ليلي؟
سمعت ليلي صوت رونان من خلفها، وبدا لها مضطرباً مشتتاً.
_بحق السماء يا ليلي، النار مطفأة
وامسكت يداه الحازمتان ذراعيها، لتوقفها عن الحركة.
إنها مطفأة.
كرر قوله بمزيد من التأكيد، وقد ظهرت في صوته نبرة منخفضة لم تستطع تفسيرها.
_آه...نعم
خذلها صوتها تماماً فأوقفها رونان وضمها إليه لحظة، ليتركها بعدها
ويجتاز الغرفة ويضيء النور وعندما التفت إليها، راعها التغير في مظهره.
فقد بدا واضحاً، في بنطلونه الجينز وكنزته السوداء، أنه فقد من وزنه بينما غطت الظلال السوداء تحت عينيه، وظهر الإنهاك والقلق على وجهه وكأنه لا ينام جيداً، ولا شك أن الإرهاق البادي عليه هو الذي حال دون إحساسه
بالنيران قبلها هي.
_أيعقل أن تكون هي السبب؟ هل كان ديڤي محقاً حين قال إن رونان يفتقدها
_يا إلهي يا ليلي، يداك!
جعلها هتاف رونان المصعوق تنظر الى البقع الحمراء على راحتيها ومعصميها بتبلد وعدم فهم
- أنت مصابة، لا بد أنك أحرقت نفسك.
- لم أدرك ذلك.
كان هذا صحيحاً، فهي لم تشعر بالم كما لم تفكر في نفسها، فقد صبت اهتمامها كله على إنقاذ رونان.
_أنت....
وسكت بحدة متغاضياً عما كان يهم بقوله: أريني.
رفعت يديها فأخذ يتلمس راحتيها المصابين برفق وملامحه القوية مستغرقة في التفكير.
_تحتاج هذه اليد إلى ضمادات. تعالي إلى المطبخ، ثمة صندوق الإسعافات الأولية.
تبعته ليلي، مذعنة بصمت، إذ خانها لسانها إزاء اهتمامه واعتنائه بها .
ـ من الأفضل أن أصطحبك إلى المستشفى.
قال ذلك وقد رأى الدموع المترقرقة في عينيها، فأخطأ في تقدير سبب ذلك.
-هل تشعرين بالألم؟
بالمقارنة مع مشاعرها المتكدرة، بدا لها الألم الجسدي عديم الأهمية.
لكنها لا تستطيع أن تقول له ذلك وهي لم تسمع منه كلمة تدل عن سروره لحضورها رغم ما أبداه من اهتمام وعناية .
- لا، لا داعي لذلك.
فكيف لها أن تخبره عن سبب مجيئها في قسم الطوارىء في المستشفى.
- هذا كافي، صدقني.
وحركت يديها تشير إلى الضماد الذي وضعه عليهما.
لكن تظاهرها بالشجاعة ما لبث أن تلاشى عندما هاجمتها موجة مفاجئة . من الدوار جعلتها تترنح في وقفتها.
_ليلي
ومد يديه إليها، لكنها ابتعدت عنه بحدة، كانت تتحرق شوقاً للارتماء بين ذراعيه والاستسلام له كلياً، ولكنها لم تستطع أن تذعن لرغباتها.
فأعتناؤه بها لا يدل على أنه يكن لها مشاعر قوية .
- إنها ردة فعل فقط لما حصل إذا استطعت الجلوس
_طبعا
وقادها عائداً بها إلى غرفة الجلوس وأجلسها على أريكة خضراء.
- إن كانت النار تزعجك، يمكنني ان. .
فأسرعت تطمئنه: لا، لا بأس في ذلك.
لم يعد اللهب المتصاعد يزعجها فقد واجهت لتوها خوفها من النار وتغلبت عليه، ليتها تستطيع أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة إلى رونان لكنها لم تجرؤ على الحديث معه مباشرة لأنها ستخسر الكثير إن كانت النتيجة سلبيه
جلس رونان على كرسي أمامها مائلاً نحوها، مريحاً ذراعيه على ركبتيه
وهو ينظر إليها بعزم: ليلي، لماذا أنت هنا؟ ما الذي جاء بك إلى لندن؟».
حاولت ليلي، بانفعال، أن تجد جواباً مبهماً.
_الأمر يتعلق بزواجنا، لا يمكننا الاستمرار على هذه الحالة .
-فهمت.
وتراجع إلى الخلف فجاة، وكأنه أصيب بضربة عنيفة، فقد قضت كلماتها تلك على بصيص الأمل الذي لاح له في الأفق.
حاول رونان أن يؤخر إجراءات الطلاق عل ليلي تعيد التفكير في الأمر وتغفر له ما فعله بها من اشياء مفزعة، فتمنحه فرصة جديدة ليحوّلا زواجهما الزائف إلى زواج حقيقي ولكن يبدو ان امله خاب.
_طبعا
كان صوت فاتراً منخفضاً خالياً من المشاعر.
- كنت أتساءل متى سيحدث هذا. من هو؟
لم تفهم ما يقصده: من هو؟ عمن تتكلم؟».
- الرجل الآخر، الرجل الذي تريدين البقاء معه اظنك جئت لتسأليني عن سبب تأخري في إجراءات الطلاق
- ليس هذا سبب حضوري!
افلتت هذه الكلمات منها قبل أن تفكر في مدى حكمتها، فهي لا تريد ان يظن أن ثمة رجلاً آخر في حياتها.
تألقت عيناه ببريق غريب وهو يسألها: لماذا جئت إذن؟.
دقت لحظة الحقيقة، فملأ الذعر قلبها واشتعلت النيران في عروقها، وبدات تتصبب عرقاً.
مسحت العرق عن جبينها بيد مرتجفة وهي ترى نظرات رونان اليقظة تتبع حركتها هذه.
_أليس من الأفضل لك أن تخلعي معطفك
لم يكن امامها من خيار سوى الأمتثال لرأيه، حتى لا تثير شكوكه.
تنفست بعمق، ثم وقفت وخلعت معطفها الواقي من المطر الذي كان يخفي حملها.
لاحظ على الفور تغير جسمها، خاصة وأنه يعرف تفاصيله حق المعرفة ، لم تدرك إلا الآن مدى الشبه بين لون ثوبها هذا وبين لون الثوب الذي لبيته تلك الليلة التي اخذها فيها إلى نادي الليدز تلك الليلة التي حملت فيها بجنيها.
- هل انت حامل؟
فأطلقت ضحكة صغيرة مرتجفة للحيرة التي بدت عليه
_لا يمكنني إنكار هذا، أليس كذلك؟.
وأخذت تسوي كنزتها فوق الانتفاخ البسيط الذي بدا يظهر ولكن عندما نظرت إلى رونان، صدمت للغضب العنيف الذي كانت تلتهب به عيناه وقد تصلبت ملامحه حتى بدت وكأنها منحوتة من حجر الصوان.
أتراها اخطات في الحكم على الأشياء؟
- وهل أردت إخفاء الأمر عني ؟
سألها بصوت جاف وهو يندفع واقفاً، فأجابته وهي ترتجف: لكني أتيت لأخبرك، أليس كذلك؟».
تمنت لو أنه لم يقف بقربها مشرفاً عليها بقامته الفارعة القوية مهدداً،
وشعرت وكان الأرض تنهار تحت قدميها، جاهلة ما إذا كان غضبه هذا لأنها لم تخبره قبل الآن أم لأنها حامل بطفل لا يريده.
- لقد تاخرت طويلا.
_كنت....
وعندما لم تستطع أن تكمل كلامها، الح عليها يسألها : كنت...؟ "يا ليلي...؟ كنت ماذا؟.
_كنت خائفة
قذفت هذه الكلمة في وجهه، متخلية بذلك عن تحفظها.
_خائفه
ردد كلمتها هذه مذهولاً.
_خائفة من ماذا؟ من ان اطلب منك أن تجهضي...،أواه ياليلي
تغير مزاجه فجاة وتلاشى التوتر من جسمه القوي واسترخت ملامحه القاسية المتصلبة.
- أنت مخطئة جداً.
قال ذلك برقة فائقة جعلت ليلي تحدق إليه مضطربة غير مصدقة ..
_لكن يجب أن تري أن هذا يغير كل شيء وعليك أن تطلبي من صديقك أن يبحث عن امرأة أخرى مستحيل ان أوافق على الطلاق الأن،
_أنا.
فانفجرت تقول بيأس: ليس لدي صديق، وكم مرة علي أن اخبرك بأني لم أحضر إلى هنا من أجل الاطلاق؟ .
نظر إليها مستغرباً وسألها: ما الذي أتى بك إذن؟،
كانت قوى ليلي قد استنفدت كلها فجلست فجاة وقد شعرت ان ساقيها لم تعودا قادرتين على حملها أكثر من ذلك، فالدقائق التالية ستقرر مستقبلها، وكل شيء وقف على ردة فعل رونان لما ستقوله، تقدم رونان
يجلس بجانبها: ليلي..اجيبي عن سؤالي:
- لم تكف عن توجيه الأسئلة حتى الآن .
تمكنت ليلي من أن تقول هذا بصوت مضطرب، وهي تلتمس في وجهه ما يشجعها على الأمل.
لم تعرف ما إذا كان اللهب في عينيه هو ما تبحث عنه، ولكن لم يعد بوسعها أن تتراجع، لأنها قطعت شوطاً طويلاً، وقد حان الوقت للمغامرة بكل شيء في ضربة واحدة.
- حان الوقت لتجيب عن أسئلتي ويمكنك أن تبدأ بإخباري لماذا ساعدت ديڤي؟
- وهل رأيته
كان سؤاله سريعاً ودفاعياً في آن معاً.
_رأيته، وأخبرني ما فعلت لأجله.. أما ما أريد أن أعرفه، يا رونان، فهو لماذا؟
_لأنه لم يعط روزالي تلك الحبة.
وأخذ يحدق في السجادة المحروقة في محاولة منه لتجنب نظراتها
ـ اعرف هذا، إنما ما ادهشني هو انك منحته الفرصة ليشرح لك الأمر، مع انني حسبتك ستقتله عند رؤيته.
توهج وجه رونان وهو يهز رأسه بحماسة.
- لقد شفيت من الرغبة في الإنتقام بعد تصرفي الأحمق معك، لأني أدركت انه لم يحل شيئاً، ولم يخدم هدفاً على الإطلاق، فقد تكوّمت الآلام فوق بعضها
ثم حطمتني عندما أذيتك.
خفق قلبها بعنف لكلماته هذه.
- ولكن لماذا ؟
- لماذا ساعدت اخاك
وتنهد رونان بعمق، أخذت أصابعه تنقر بقلق على ذراع الأريكة....أتراه متوتراً
_عندما حدثتني من موت والديكما أدركت انني لن اتمكن أبداً من النظر إلى ديڤي من المنظار. نفسه فوجدت نفسي، أشعر بالعطف عليه. وعندما جاء ليراني، ليخبرني بحقيقة ما حدث، لم أرى فيه ذلك السفاح عديم المسؤلية الذي كنت أعتقده، بل رايت ديڤي الحقيقي، فوراء كل ذلك
التبجح واللامسؤولية، رأيت الصبي الصغير الضائع الخائف من أن يكون مسوولاً عما حدث لأمه وابيه الذي جعله تأثير ذلك يعتبر نفسه مسؤولا عن ماحدث لروزالي رغم أنه لم يكن مشتركاً في ذلك بشكل مباشر
اخذ نفساً أخر عميقاً، وتابع يقول: فعلت ما فعلت من اجل روزالي ايضاً، فقد احبت ديڤي، والشيء الوحيد الذي بإمكاني أن أفعله لآجلها هو ان أتاكد من أنه بخير، وفعلت ذلك لأجل نفسي أيضاً بعد الفوضى التي احدثتها في حياة الآخرين، أردت أن أصلح بعض الأمور،
اخذت ليلي تفكر باكتئاب بأن ما فعله كان لأجل ديڤي وروزالي ورونان نفسه، ولكن ماذا عنها هي؟
وقالت بصوت منخفض حزين: «أما أنا، فلم تفكر بي قط
رفع رونان رأسه بحدة، ونظر في عينيها المظلمتين: لم أفكر بك؟ ولكنك كنت السبب الوحيد في كل شيء، القوة الدافعة وراء كل ما فعلته أنا، فما فعلته كان بسبك ، ولأجلك
_أنا.....
لكنها عجزت عن الكلام ما قاله لا يصدق، ومن الصعب عليها أن تستوعب مرة واحدة، ومد رونان يده يأخذ يديها بيديه.
_كان شعوري بالذنب لما فعلته بك بالغاً ، فقد أدركت مدى قسوتي وأنانيتي ورغبتي السخيفة بالانتقام
_لانك كنت تتألم كثيراً
قالت ليلي ذلك وهي لم تعد قادرة على تحمل عذابه وهو يعنف نفسه بهذا الشكل،
ولكنه هز رأسه بعنف وكأنه ينكر عليها محاولتها تبرير عمله.
- هذا ليس عذراً، ما فعلته كان خطا. كنت بريئة فأذيتك بشكل فضيع
وعاملتك بطريقة لا يمكن ا
لإنسان أن يعامل بها إنساناً آخر، فكيف إذا كان ذلك الشخص..
وسكت لبرهة قبل ان يتابع كلامه قائلاً : أريد منك أن تعرفي انني لم أكن أقصد قط مطارحتك الغرام. أردت أن أتركك في نفس الليلة، وأرحل من دون إتمام الزواج حتى تنتهي منه بسهولة.
وظهر في ابتسامته الاشمئزاز والازدراء لنفسه وهو يتابع "كنت سأخبرك بينما كنا نأكل ولكن حين اخذت تطعمني بيدك لم أستطع منع نفسي....واهتز جسمه القوي لذكرياته.
وفقدت صوابي والقدرة على تمالك نفسي وذهبت بنا الأمور إلى ابعد حد فتعقدت المسألة أكثر بكثير مما كنت تصورت، وأنا لا أستغرب مبلغ كراهيتك لي بهذا الشكل.
- أنا لا أكرهك.
قالت له ذلك برقة وثقة.
صعق رونان وبدا الاضطراب في عينيه: لا بد انك كذلك.. فانا اكره نفسي ولا يمكن أن أصفح عن كل ما. ».
_لكني اغفر لك ما فعلته.
تسمر في مكانه، وقد ارتد رأسه إلى الخلف بحدة، ونظر في عينيها بعينين مظلمتين تفصحان عن الم وضعف طعناها في الصميم.
_أنت..
- نعم، أصفح من كل شيء فعلته.
- ولكن كيف؟
ـ لأني افهم السبب الذي جعلك تفعل هذا، فقد كنت تتألم بشدة. وعندما تحب شخصاً، يصبح من السهل أن تغفر له.
- الحب؟ .
كان صوته أجش صادراً من الأعماق، مفصحاً . عن عمق مشاعره الحقيقة
- لا يمكنك أن تحبيني!! ومع ذلك واجهت النيران لأجلي..
تابع ذلك محدثاً نفسه تقريباً، وقد امتلأ صوته بنوع من الرهبة: لو تعلمين ما شعرت به عندما استيقظت ورأيتك ، وكنت اعلم بلغ فزعك من اللهب، ،،.
كانت ابتسامة ليلي واسعة رقيقة تفصح عن كل ما في قلبها.
- لم أفكر في النار لأنك كنت في خطر ولأني.....لأنني أحبك...آه، يا رونان، كم احبك وهذا هو سبب وجودي هنا . فانا أحبك وأريد أن تجعل زواجنا حقيقياً، حتى يكون لابننا..
- لكنك قلت إنك تكرهيني
- أواه، يا رونان؟
وإذ تمزقت مشاعرها بين الضحك والبكاء، لم تستطع الا أن تهز راسها استنكاراً لكلماتها الحمقاء تلك.
- لست وحدك من ينطق بكلمات غبية ومؤذية ليخفي من خلالها الألم. في داخله، فأنا لم اقل ذلك إلا لأغطي حبي لك، تماماً كما تركتك ترحل لأني ظننت أن هذا جل ما يمكن أن افعل لأجلك فقد تأذت أسرتك كثيراً
_لكني رحلت فقط لأن هذا جل ما يمكنني القيام به لأجلك.
وعندما هز رونان رأسه مستغرباً حماقته، استجمعت ليلي شجاعتها لتلقي عليه السؤال الذي يهمها جوابه أكثر من أي شيء آخر: أيمكنك الآن أن تنهي جملتك ؟».
_جملتي؟
ونظر إليها باستغراب.
- قلت إنه ما كان يجدر بك أن تعامل أي شخص بتلك الطريقة.. فكيف إن كان ذلك الشخص.
فأكمل رونان جملته بصوت حافل بالإخلاص : فكيف إذ كان ذلك الشخص امراة احبها أكثر من أي شيء في العالم وأنا أحبك يا ليلي احبك أكثر من الحياة نفسها، وإذا كان بإمكانك حقاً أن تصفحي عني، فسأمضي بقية حياتي في إسعادك، سوف ....,».
وسكت عندما وضعت ليلي يدأ رقيقة على فمه تسكته.
ـ أعرف هذا، لقد رأيت مبلغ حبك لروزالي، فإن كنت تكن لي ذلك النوع من الإخلاص والتفاني، فكيف لا أكون سعيدة؟
- آه يا ليلي.
واخذها بين ذراعي يشدها إليه حتى لم تعد تستطيع أن تتنفس، وقبلها بشوق وعاطقة دلت على حبه ورغبته وحاجته إليها أكثر ما يمكن أن تفصح الكلمات
عندماً تركها أخيراً، كان قلبها يخفق بشدة بين ضلوعها وقد اشتعلت النيران في عروقها
فأخذ الشوق في داخلها يطالب بالمزيد، ولكن بقي لديها
سؤال واحد: أتظن أن والديك سيقبلان بي؟.
وجاء دور رونان الآن ليسكتها بإصبعه: يكفي أن ينظرا إليك ليحباك.
وتابع يقول وقد رأى الاهتمام على وجهها: إنهما يعلمان أن ديڤي ليس مسؤولاً عما حدث لروزالي وعندما يعرفان بأمر الطفل، فسيرهما استقبالك في الأسرة، صحيح أن طفلنا لن يأخذ مكان روزالي، لكنه سيملا الفراغ الذي خلفته، وبصفتك زوجتي".
- زوجتك
رددت ليلى الكلمة برهبة، فلم تظن أبداً أنها ستصبح زوجة رونان فعلاً
وعندما رفعت يدها لتلمس وجهه بمحبة، تذكرت بندم حماقتها يوم ألقت خاتم زواجها في القناة.
فصرخت بأسى: رونان، ليس لدي خاتم. أنا ..
_سأعطيك خاتماً آخر، خاتم حب لزواج حقيقي بين عقلين وقلبين وسنقيم حفلة زفاف أخرى لنا، نحن الاثنين، وقد ندعو إليها أبوي وديڤي. وعندما أتعهد بأن أحبك واحميك، فستعلمين هذه المرة أنني أعني ما أقول.
أخذها مرة أخرى بين ذراعيه وراح يقبلها إلى أن دار رأسها، ولم يعد بإمكانها السيطرة على النيران التي استعرت في داخلها، مما جعلها ترتجف على صدره.
وتمتمت: "ذلك الزواج، الذي هو بين عقلين وقلبين .. أظنك نسيت شيئاً
- ماذا؟
جعلتها تلك الضحكة اللتي تخللت الكلمات تدرك أنه يعرف تماماً ما تعنيه، ولكنه مع ذلك، تظاهر بعدم الفهم
تسللن اصابعها تحت كنزته فارتسمت على شفتيها ابتسامة خبيثة عندما شعرت برده فعله وتوتر عضلاته القوية.
- أنت لم تذكر جسدينا كان عليك ان تقول قلبينا وعقلينا وجسدينا...اتحاد المشاعر والثقافة والجسد، هذا هو نوع الزواج الذي أريده.
_وأنا أيضاً
قال رونان بصوت مليء بالرغبة: أتريدين أن أريك مقدار ذلك؟..
فتألقت ابتسامة ليلي تظهر سعادتها.
- انتظرت طويلاً هذا السؤال، نعم، أريد ذلك من كل قلبي.
وعندما حملها رونان وخرج بها من الغرفة شعرت بسعادة بالغة وهي تعلم أنها زوجته الآن ليس ليوم واحد، بل لكل أيام عمرها.تمت بحمد الله
أنت تقرأ
بقايا ليل _كيت والكر _ مكتوبة💙
Romanceماكان حلمآ رائعآ ليلة الأمس....أنتهى كابوسآ عند الصباح..... الرجل الذي البس ليلي خاتم الزواج بالأمس يلقي عليها الآن كلمات الوداع _لكن لايمكنك ان ترحل _يمكنني ان افعل ما اريد...حاولي فقط ان تمنعيني لم يكن هذا هو الرجل الذي احبته ومنحته جسدها وقلبها...