الأمان الضائع

13.5K 272 1
                                    


لم يصعدا إلى غرفة النوم بل حملها بين ذراعيه إلى الأريكة المخملية الخضراء ومددها واستلقى بجانبها، من دون أن يبعد نفسه عنها.
وتحولت ليلي إلى كومة مرتعشة من الأعصاب، وعيناها نصف
مغمضتين ، وانفاسها ممزقة، فشتبثت به يدين عنيفتين تحتضنه بشدة وتتلهف إلى معانقته وحبه .
_هذا ما تريدينه، أيتها السيدة.
اخذ يتمتم مزجراً بكل شوق جاذباً إياها نحوه فتاهت عن دنياها
وغرقت في بحر متلاطم، بحر لا قرار له.
مضى وقت طويل طويل قبل أن تعود إلى واقعها، ولكن وهي تستفيق من بين هذه الأمواج الحارة التي اجتاحت كيانها ومشاعرها، حاولت جاهدة ان تتعلق بضباب الأحاسيس التي غلقت افكارها، ولم تشا أن تواجه حقيقة أن البركان الذى تفجر بينهما كان كل شىء وأن لا مشاعر اخرى تبنى عليه.
لم يكن ذلك يعني شيئا، عاجلاً أم آجلاً ستنتهي الملحمة ولن يبقى
لها منها سوى الذكريات، لكنها ،حاليً لن تشغل بالها بهذه المسالة لأنها حصلت على كل ما تريده، وستواجه الحقائق في حينها، وإلى ذلك الوقت، ستتظاهر وكأن شيئاً لم يكن.
أخذت ليلي تتقلب في فراشها وهي تتثائب، وتتمطى باستمتاع، ثم تسمرت في مكانها من دون حراك.
رأت بجانبها مساحة خالية، مساحة كان جسم رونان الدافئ القوي
يشغلها، ولكنها الان خالية وباردة.
وإذ لاحظت أن الشمس تتةهج من خلال الستائر نظرت إلى الساعة بذعر
_ العاشرة والنصف ولكن هذا غير ممكن.
كانت تحدق في ساعتها، مذهولة عندما انفتح الباب بعنف ودخل رونان الغرفة يحمل صينية بين يديه.
_صباح الخير يا صاحبة عيد الميلاد، ها هو ذا الإفطار.
- الإفطار، لكني لا أستطيع أنا.....
_عودي الى الفراش.
وضع الصينية من منضدة الزينة ثم أمسك بها بحزم عندما القت عنها اللحاف وهمت بالنهوض من فراشها .
- رونان، لا استطيع انظر إلى الساعة كان على أن أذهب إلى العمل
منذ ساعات على أن . ..
وسكتت مرة أخرى عندما هز رأس نفياً.
_ليس عليك أن تفعلي شيئاً سوى العودة إلى فراشك وامتاع نفسك.
وعندما حاولت أن تتلوى لتخلص نفسها من تلك اليد الحازمة على كتفها أضاف قائلاً: اثبتي مكانك، يا امرأة لا أحد ينتظرك، فلقد اتصلت بهم وأخبرتهم بأنك لن تذهبي إلى العمل اليوم".
_ماذا؟
وتملكها الذهول وعادت تستند إلى الوسائد وهي تحدق إليه بارتباك واضح: ولكن لماذا،.؟
وتنبهت فجاة إلى ما قاله رونان حين دخل الغرفة فتاكدت من أن ماسمعته صحيح.
- كل شخص يأخذ يوم عطلة في عيد ميلاده، وفضلاً عن ذلك،
وضعت برنامجاً لهذا اليوم، لا يشمل مجموعة من بائعي الزهور.
_اووووووه
اظهرت ليلي بذلك اشمئزازاً ضاحكاً وعادت لتسأله وذهنها مشوش.
- كيف علمت أنه عيد ميلادي؟
وضع الصينية على حجرها بقوة دلت على أن مزاجه قد تغير إلى الأسواء وقال بصوت متوتر: كنت حاضراً حين قدمنا طلباً للحصول على رخصة الزواج، وكان علينا حينذاك، أن نذكر تاريخ ميلادنا
هذا صحيح وتنهدت ليلي وهي تمد يدها لتثبت فنجان القهوة الذي كاد ينقلب عندما وضع الصينية بخشونة. كان عليها أن تتذكر ذلك لكن إدراكها بأن زواجهما لم يكن مهماً بالنسبة إليه جعلها لا تتوقع أن يتذكر أي جزء منه، خاصة التفاصيل الصغيرة مثل تاريخ عيد ميلادها.
قال لها بلوم وهو يلقى إليها بمجموعة من البطاقات الملونة المهنئة بعيدها: إنها لك ، لا شيء من ديڤي، لقد تفحصتها
راحت ليلي تجمعها وهي تفكر بتعاسة في أنه لو وجد بطاقة من ديڤي لتفحص دمغة البريد واتصل بمخبره الخاص ليعلمه عن مكان ديڤي وشعرت ليلي بالمرارة وهي تدرك أنه، حتى في هذا اليوم، لم ينس ثأره من اخيها .
فقالت له: فلم تكن نعر اعياد ميلادنا اهتماماً.
والحقيقة هي أن والداها لم يعيشا ليحضرا عيد ميلاد ديڤي الحادي عشر وبعد وفاتهما لم تسمح لها أوضاعها المادية بشراء الهدايا أو الاحتفال بالمناسبات.
- لقد اعتادت روزالي أن تقول: على كل شخص أن يشعر بأهميته ولو ليوم واحد في السنة.
كانت ليلي تهم بفتح إحدى البطاقات، فلم تلاحظ صمته المطبق إلى ان طالت مدته، وإذ شعرت بانزعاج للتوتر المفاجىء الذي ساد حولها، رفعت رأسها وهي تقطب جبينها متسألة: روزالي؟
سألته قلقة للتغير الذي اصابه وهي ترى الدفء في عينيه يتحول إلى كٱبه.
_فتاة كنت.. أعرفها.
وكان صوته يوازي عينيه كاية
ـ أهي فتاة كبيرة بالنسبة إليك؟
بدا جلياً أنه كان يحبها، وذلك واضح فالطريقة التي ذكر فيها اسمها أزالت شكوكها.
وقال هو باختصار: مميزة جداً. ...
كان واضحاً أنه لا يريد أن يسهب في جوابه، ولم تجرؤ ليلي على الضغط عليه، لعل روزالي هذه كانت حبيبة سابقة، وهذا يفسر عدم رغبته بالحديث عنها إلا أن مجرد الظن في انه قد احب تلك المرأة أكثر مما احبها هي، جعل عينيها تغرورقان بدموع محرقة حاولت أن تغالبها بشدة.
- تناولي فطورك قبل أن يبرد
جاهدت ليلي لتذعن لطلبه، لكنها غصت بالطعام فلم تستطع ابتلاعه.
ما الذي حدث بين رونان وروزالي تلك؟ أكانت هي من أنها علاقتهما إذ يبدو أنه يكن لها مشاعر قوية.. أم.
صعقتها هذه الفكرة المزعجة فلم تستطع التنفس أترى روزالي هذه، كانت هي ضحية كراهية رونان السوداء لديڤي؛ أيعقل انه تخلى عن الفتاة الأخرى ليزوجها هي، ليلي؟ أيعقل أنه عند انتهاء زواجهما المهزلة هذا سيحرر نفسه منها ليعود إلى حبيبته السابقة؟
وقطع صوت رونان عليها أفكارها.
_إنك تحدقين في تلك البطاقة منذ أكثر من دقيقة .
فقالت وهي مجفلة : كنت أقرا الشعر.
قالت ذلك وهي تدرك بانه لم يقتنع بتفسيرها من خلال النظرة الساخرة التي القاها على أبيات الشعر الأربعة التافهة تلك، ولكي تصرف ذهنها عنه تناولت البطاقة الثانية.
كانت هذه من رونان نفسه وقد ظهر عليها خطة المعبر عن قوة ثقته بنفسه فأخذ قلبها يخفق بعنف وهي تفتح الملف.
مضت ثانيتان غامت أثنائهما عيناها فلم تستطع تركيزهما على الصورة التي على البطاقة، ولكنها استطاعت أخيراً أن تميز نسخة عن لوحة سبق أن قالت له أنها تحبها .
_أنها رائعة....شكراً
ماذا كانت تنتظرين ياغبية؟ أن يشتري لك بطاقة شاعرية مزخرفة تقول : الى زوجتي الحبيبة مع كل حبي.
فبالرغم من عيوب رونان، إلا أنه ليس منافقاً ليكذب بهذا الشكل
_والآن، ماذا تحبين أن تفعلي اليوم؟
_حسبت أن لديك برنامجاً.
- وضعت برنامجاً للسهرة. خطر الي انك تريدين أن تختاري بنفسك كيف ستمضين نهارك؟
ـ هل يمكن الخروج إلى البراري؟
_أينما شئت.
ونزل عن السرير، أخذاً معه البطاقات المطروحة.
_ما رأيك لو تفكرين في الأمر بينما ترتدين ملابسك ثم تخبريني بما استقر عليه رأيك؟ فرغباتك اليوم أوامر.
ليتها تستطيع فقط أن تصدق هذا ليتها تستطيع أن تخبر رونان بما يدور في رأسها وقلبها لكن، لو لم يذكر اسم روزالي، لأفضت له بمكنونات قلبها
فمجرد التفكير في ردة فعله إن أخبرته أن ما تتمناه أكثر من أي شيء هو أن يغدق عليها حنانه، أن يستلقي بجانبها ويحتضنها بشدة، ويغرقها بحبه إلى حد ينسيها روزالي تلك.. لو ديڤي، أو أي شيء آخر.
اغتسلت وارتدت ثوباً أخضر منقوشاً بالأزهار وفتحت باب غرفتها لتنزل إلى الطابق السفلي واذا بجرس التليفون يرن فنزلت السلام مسرعة واختطفت السماعة في الوقت الذي ظهر فيه رونان عند عتبة الباب.
_الو
وخفق قلبها عندما لفظ صوت مألوف للغاية اسمها .
_أووه ديڤ
فعادت تصحح قولها بحذر ورونان يراقبها بحدة: ديزي، ما أجمل أن اسمع صوتك
فرد عليها أخوها بحيرة واضحة: «ديزي؟ ليلي، ما الذي .
- إنها ديزي مارتنت يا رونان.
وتعمدت نطق الاسم بوضوح: إنها صديقة من أيام المدرسة،
قال ديڤي بصوت يائس مزق قلبها: ألا يزال عندك؟ أهذا ما تحاولين قوله ؟
فاجابت متصنعة المرح: نعم، لا بد أن ذلك كان في السنة الماضية.
كلا).
صرخت برعب وقد فوجئت برونان. يختطف السماعة من يدها، لا بد ان نظراتها أو لهجتها هي التي كشفت أمرها ، أما رونان فأخذ يحدق في السماعة وكانه يعتقد أنه ديڤي نفسه.
- لا، يا رونان؟
تمنى رونان لو كان بوسعه أن يلوي عنق ديڤي، فهذا الوغد يعلم أن اليوم هو عيد ميلاد ليلي، وكان حري به أن يراعي شعورها ولو مرة واحدة.
لم يخف علي شحوبها المفاجيء حين سمعت صوته، ودموعها التي تلألأت في عينيها المتألقتين، فكانت خير برهان على الكدر الذي شعرت به لاتستحق ليلي أخاً مثله، كما أنه لا يستحق أختاً مثلها.
اخذ رونان يصر على اسنانه، محاولاً أن يكبح غضب البالغ، فمنظر ليلي لوى قلبه بعنف، وذكره بما شعر به يوماً تجاه ديڤي كورنويل فقد أعجب بهذا الذي لا يستحق أن يذكر اسمه، وشعر بالعطف نحوه وصمم على أن يزيل من أمامه كل العوائق، وإذا بكل شيء يرتد عليه شؤماً.
ولكن هل من الممكن ان تجد تفسيراً لما حدث لو أن ذلك الاحمق يأتي الى البيت، فتوصلا إلى تسوية بشأن هذا الوضع الجهمي ولانتهى الأمر كان عليه أن يخبره
ولكن عندما نظر إلى ليلي أزالت تعابير وجهها كل فكرة عقلانية :
_كورنويل
ارسل صوته رجفة في جسم ليلي، وتصورت شعور ديڤي وهو يسمعه
_إلى أي جهنم لعينة ذهب..!!
- وماذا توقعت غير ذلك؟
كان صوت ليلي متوتراً وساقاها ترتجفان، فمدت يدها إلى حاجز السلم تستند إليه.
- ماذا حدث يا رونان؟
تابعت كلامها وهي تراه يضع السماعة بعنف وقد أظلم وجهه _هل افلتت فريستك منك مرة أخرى؟"
. وتنبهت إلى النظرة الشرسة التي بدت في عينيه وهو يلتفت إليها، وكأنه اشبه بنمر جائع تملكه الإحباط بعد افلات فريسته منه.
- هل كنت تأمل ان تشغله بالحديث حتى يصل إليه المخبر السري الذي استاجرته لاقتفاء اثره؟.. أتراك وضعت آلة للتنصت على هاتفي أم انهم يسجلون لك كل مخابراتي؟
فرد عليها بحدة: لا تكوني غبية، أنا لا أفعل شيئاً كهذا.
_حقاً؟ حسناً، إنني لا أستخف بقدراتك، حين يتعلق الأمر بديڤي.
تأكلك الكراهية فلا تعود تفكر بشكل سليم، ولكن يقال إن الانتقام يرتد عليك فتصبح نكداً فظاً على خلاف ما تتوقع.
_اسأليني أنا عن ذلك .
قال ذلك بصوت خافت غامض لم تستطع تفسيره
وأخذ يتسال متأملاً، ما الذي حدث لقوة قناعته التي ساقته منذ
البداية؟ يبدو أنه أضاع ذلك في مكان ما اثناء الطريق، وحل محله شعور بأن الأمور لم تكن بالوضوح الذي كان يظنه.
_أراك تنظرين إلي وكأني شيطان مريع، خاصة في ما يتعلق بأخيك الغالي. هل هذا يعني انك ألغيت رحلة هذا اليوم؟
_هذا صحيح.
ولكن ما إن سمعت ليلي نفسها تتلفظ بهذه الكلمات، حتى اضطرت لمراجعة نفسها ، هل هو حقاً من النذالة والشر كما جعلها ديڤي تعتقد وبالرغم عنها، عادت بالذاكرة إلى تلك الليلة في الحانة، عندما أبدت رأيها في الشروط التي قدمها إلى ٱلي غوردون، فقال: (إنها شبيهة بما حصل عليه ديڤي)، لكنها حينذاك، لم تهتم بما قاله إلى أن عنف علاقتهما محا من ذهنها
كل الأفكار الأخرى وها هي الآن تجد نفسها مرغمة على أن تفكر فيها بارتباك، فقالت له ببطء : الم تشتر المكان الآخر؟
قطب رونان جبينه بحيرة لتغييرها الموضوع فجاة لكنه عاد بعد ثانيتين فأدرك ما الذي تتحدث عنه.
- النادي؟ ليس فيه شيء غير عادي.
مع مروّر الوقت اصبحت ماهرة في قراءة ملامحه، فأدركت أن تعليقاته العفوية تخفي اشياء لم يقلها، ولا يريد أن يقولها.
- وهل كان في ديڤي شيء غير عادي
بدت عينا رونان غائمةً عاصفة، تكشف أكثر مما يريد، فاجابها برزانة :
- نعم، كان في ديڤي شيء غير عادي.
_اخبرني.
فقال بغضب: ليس الآن؛ ربما تفسدين عيد ميلادك بالحديث عن
أخيك ولكني، بصراحة، سئمت من سماع اسمه. كان من المفروض أن يكون هذا النهار مميزاً بالنسبة إليك ، ولكنك أوضحت أنك لا تريدين الخروج، وتفضلين الموت على الذهاب إلى أي مكان معي، ولكن ألن تقبلي هذا أيضاً،.
ولم تدرك ليلي إلا بعدما رفع يده اليسرى أنه كان يحمل علبة صغيرة مربعة ملفوفة بورقة فضية رائعة الجمال.
_ماهذا؟
لم تقو على كبح فضولها .
_ هدية عيد ميلاد.
قال ذلك بشبه ابتسامة جانبية.
- لي أنا؟
- طبعاً لك عادة في أعياد الميلاد يقوم الأقارب والأصدقاء، والأزواج أحياناً، بتقديم هدايا لصاحب العيد.
ومد يده بالعلبة يغريها بها، مداعباً، وعيناه القاتمتان مسمرتان على وجهها : ولكن إذا كنت تظنين أن قبولك لها يشبه بيعك لروحك ..
وإذا بها تصعق ويتملكها الذعر عندما القى فجاة بالعلبة في صندوق القمامة فسقطت محدثة صوتاً مكتوماً ينذر بالنحس وهتفت محتجة بشكل ألي: رونان هذا غير معقول!».
لكنه هز كتفيه بلا مبالاة قائلاً: اشتريته لك، فإن لم تقبلية، فهو....
ـ آه....، بل اقبله
خرجت هذه الكلمات من فمها قبل أن تفكر في عواقبها فقد كانت
ممتنة لأنه خرج واشترى لها شيئاً.
- كنت أعلم أن ما من امرأة تقاوم سحر الهدايا.
تجاهلت السخرية اللاذعة في صوته هذا وهي تستعيد العلبة من صندوق القمامة، لكنها رفعت بصرها بسرعة لتلمح الابتسامة الهازئة التي لم يستطع كتمها وهو ينظر إليها .
وخطر في بالها فجاة أنها كانت هدفاً لخطة بارعة صرفت ذهنها بعناية عن القضية التي بين يديها، وبهذا لا يكون عليه أن يجيب عن أسئلة غربية.
ولكنها قررت حفاظاً على السلام بينهما، أن تترك الأمور على حالها.....عليهما أن يستمتعا بهذا اليوم رغم كل شيء.
قنبذت من ذهنها كل ما يقلقها بينما كانت تمزق الورقة الملفوفة بها العلبة
_أه، يا رونانا
كانت تتوقع زجاجة عطر، أو حلية ثمينة، ولكنها ذهلت . حين وجدت كتاباً قديماً مغلقاً بالجلد يتعلق بهندسة الحدائق ، ويتضمن رسوماً يدوية رائعة لكل أنواع الأزهار كانت هذه الهدية من النوع الذي تتمنى شراء لنفسها لو كان بإمكانها دفع ثمنها.
- إنه رائع الجمال.
وتهدج صوتها، لا بد أن أمضى وقتاً طويلاً في البحث عن الكتاب،
فجاء اختياره له بالغ العناية إلى حد لم تتوقعه قط.
- لا أدري كيف أشكرك.
_سأفكر في طريقة لتشكريني بها.
وتبخر شيء من سرور ليلي، فنظرت إليه بحذر، والتقت عيناها بعينيه القاتمتين بشيء من الريبة، فضحك قائلاً: أه يا ليلي؛ كم أنت شفافة ، هل هذا هو الشيء الوحيد الذي تضنين انني أريده منك؟ ثمة أشياء أخرى في الحياة.
فسألته بخشونة : مثل ماذا؟
صحيح ان في الحياة أشياء كثيرة، ولكن بدا أن كل ما يريده منها أن تطارحه الغرام.
_ما رأيك لو نعلن الهدنة اليوم وننسى كل شيء عن اخيك، ونستعيد ذكرى الأيام الأولى لتعارفنا،
لكنه يومها، تعمد البحث عنها، بعد أن رسم خطة الانتقام بكل
تفاصيلها، بينما هي كانت بريئة ساذجة وفريسة سهلة لإغرائه، رباه كم هي بحاجة إلى تلك الهدنة، و إن كان ليوم واحد فقط، كما قال فقضاء أربع وعشرين ساعة معه من دون خصام هي اجمل هدية قد تلقاها في عيد ميلادها.
وعندما لم تجب، اندفع يقول : ليلي
حثتها نبرة العنف التي نطق بها أسمها، على أن تسرع بالقول: لا بأس انا موافقة
بعد أن أعلن رونان الهدنة، بذل جهده لإرضائها وتسليتها ، وفي المساء بعد أن غيرت ملابسها وارتدت ثوباً مخملياً برونزي اللون يعكس لون عينيها، اصطحبها لتناول العشاء في الخارج.
ولكن الشرخ الصغير الوحيد الذي عكر صفو استمتاعها، ذكرها
مكرهة بأن الأمور ليست بالكمال الذي تبدو عليه، فالمطعم الذي اختاره رونان لم يكن المفضل لديهما في المنطقة، إذ أنه لم يستطع أن يأخذها إلى ذلك المكان حيث عرض عليها الزواج وعند نهاية الأمسية، التفت ليلي إليه تقول بصدق : لم احظ منذ . سنوات بعيد ميلاد رائع كهذا يا رونان، اشكرك كثيراً، فقد استمتعت حقاً بكل شيء ..
لكنه لم يصغ إليها إذا كان انتباهه متجهاً إلى شيء غير مرئي وراء ظهرها، وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة غريبة خفية، واخذت العينان الفولاذيتان تلتمعان.
- رونان...ماذا. ..؟
اثار صوت خافت فضولها فالتفت لترى قالب الحلوى في يدي النادل، تحف به الشموع المشتعلة، فتجمدت رعباً.
وبهر عيناها اللهب الذهبي المتراقص إذ كان قريباً منها إلى حد انها شعرت بحرارته على جلدها، وسمعت الفحيح الخافت وهسيس النيران، وشمت رائحة الدخان المتصاعد.
_لا
وخنقها الذعر، واخذت دقات قلبها تتسارع وتصاعدت الدماء إلى
وجهها واخذ رأسها يدور وشعرت بالغثيان.
_عيد ميلاد سعيد، يا ليلي
في خضم تلك الفوضى، سمعت صوت رونان وكانه آتٍ من بعيد.
ولكنها عجزت عن الحراك أو الإجابة أو حتى الإفصاح عن خوفها.
_ليلي؟
كانت عيناها متسعين جامدتين برعب بالغ، وتصلبت اعضاؤها بفعل الخوف والرفض، ورفعت يدها تغطي فمها الذي كان مفتوحاً بصرخة صامتة فقد تحول شعاع الشموع الرقيق في رأسها إلى نيران هائجة، تحرق كل ما هو عزيز وغال على قلبها.
_لا
اطلقت صرخة عالية غربية، بصوتها الذي وتره الذعر، وذلك بعد ثوان من الاضطراب.
- لا، لا، آه، يا إلهي.. لا ابعده من هنا.
اخترق صوت هادىء دوامة الرعب في رأسها وقفز رونان واقفاً وهو يدفع النادل جانباً بيده القوية: خذ هذا الشيء اللعين من هنا، الآن.
ووقف بينها وبين اللهب المخيف قامة فارعة قوية، وصدر رحب
اختطفتها ذراعان قويتان تواسيانها وترفعانها وتضمانها إلى حرارة جسده، فوضعت رأسها على صدره حيث كانت خفقات قلبه المتسارعة.
_ليلي، حبيبتي، لا بأس عليك انت آمنة آمنة تماماً.
أمنة، اخذ صدى هذه الكلمة يتردد داخل رأس ليلي في محاكاة مزعجة لصرختها المذعورة .
ولكن حتى خلال الرعب، والذعر وألم الذكريات التي ايقضها منظر
اللهب، برز إحساس آخر .... إحساس دمّرها كلياً.
شعرت بموجة من السرور والبهجة في اللحظة التي اخذها فيها رونان بين ذراعيه، إحساس رائع بالأمان هو اشبه بالعودة إلى الديار بعد رحلة طويلة متعبة.
لكن الحقيقة المرة هي أن إحساسها بالأمان بني على أساس زائف،
فحركة واحدة خاطئة وتنهار معها علاقتهما الشامخة إلى الحضيض، لأن رونان لا يكن لها الحب بل مجرد رغبة حسية كما قال بوضوح تام.
كان قادراً تماماً على استغلالها لمتعته الخاصة ليرحل بعدها بهدوء دون أن يؤنبه ضميره، فقد سبق وفعلها مرة، وهي تعلم أنه مستعد تماماً لمعاودة الكرة.
حري بها إذن أن تواجه الخطر الذي هو أكبر من ذاك الذي يحدثه
اللهب، فخطر المشاعر التي تتعرض له أسوأ بكثير من أي خطر . جسدي، ولهذا لن يمكنها أن تكون آمنة مرة أخرى أبداً بعد اليوم.























بقايا ليل _كيت والكر _ مكتوبة💙حيث تعيش القصص. اكتشف الآن