أمواج الحب ❤

15.3K 308 8
                                    













_هل أنت مسرورة؟
همس بصوت دافئ في أذن ليلي ، بينما كان رأسه محنياً قرب رأسها وأنفاسه  الدافئة تداعب جلدها.
_هممم
كانت تشعر بالسرور حتى الآن بالنسبة إلى السهرة، مع أنها لم تتوقع قط ان تشعر بالمتعة، ولكن منذ اللحظة التي ظهرت فيها عند أسفل السلم عند الساعة السابعة بالضبط،
بدأ وكان الليلة ستكون متميزة.
كانت قد امضت وقتاً طويلاً تفكر في ما ستلبه قبل أن يستقر رأيها على ثوب بلون الشفق تصل تنورته إلى ما فوق ركبتيها مباشرة، زينته بقرطين فضيين وعقد ملائم، أما حذاؤها العالي الكعبين فمنحها مزيداً من الثقة بنفسها وهي تبدو من الطول بحيث تمكنت من النظر إلى وجهه لترى تاثير مظهرها عليه.
ولكن ما رأته في عينيه سرها وأخافها في آن معاً.
- جميل جداً.
قال ذلك ببطء، وقد اثرت البحة في نبرته على أعصابها وجعلها تأخذ نفساً عميقاً وتطلق شهقة صغيرة مرتجفة .
_ولا بأس بملابسك أيضاً
وأرغمت نفسها على المضي في تقويمة مروراً بقامته الفارعة الضامرة في بذلته الرمادية الفضية الإيطالية الطراز، وقميصه الأبيض وأخذ قلبها بخفق غريزياً وهي تشعر بانجذاب قوي نحو هذا الرجل الواقف أمامها.
بدا لها جذاباً في ظل اشعة الشمس المائلة للغروب التي أحالت
خصلات شعره النحاسية إلى لهب برونزية وكشفت عن رجولته البارزة.
وبالرغم من جهودها الشاقة للحفاظ على هدوئها، إلا أن جاذبيته
المغناطيسية كانت تشيع الدفء في كيانها لتجعلها بالغة الضعف إزاءها.
لعلها ربحت المعركة بشكل عام، ولكن الحرب بينهما لم تنته بعد.
وإن ساورها الشك في الأمر، فقد حصل ذلك هنا وجسم رونان قريب منها، ونظراته مسمرة على وجهها، وقد ارتسمت ابتسامة غريبة على شفتيه المعبرتين.
كان يريح يده على كتفها العارية مذكراً إياها بشعورها عندما كانت هذه اليد تضمها لم تستطع البقاء جامدة، عليها أن تفعل شيئاً وإلا سقطت بين ذراعيه.
تململت في مكانها عاجزة عن التخلص منه أو تجاهله.
_فلنرقص مرة أخرى.
فتأوة باحتجاج: أريد أن أشرب شيئاً.
- إنت ضعيف وجبان.
قالت ذلك بحدة لتتخلص من ذلك الإغراء الذي حدثتها به نفسها
ومن دون أن تعي ما تفعل، أمسكت بيده القويتين، قائلة: هيا، لا يمكننا الجلوس هنا طوال الليل بهذا الشكل، فقد جئت معك .
لأستمتع بوقتي
وجذبته نحو حلبة الرقص الخشبية الصغيرة، شاقة طريقها بين الجمع المزدحم ثم راحت تنتقل على الأنغام محاولة كبح جماح افكارها أكثر من التجاوب مع الموسيقى.
وكم دهشت وهي ترى رونان يرقص برشاقة طبيعية غربية بالنسبة إلى حجمه فابتسمت مسرورة، وهي تحاول أن تحول أفكارها إلى شيء أكثر إمتاعاً
كانت خطواتهما . منسجمة، وجسداهما يتمايلان متجاوبين مع موسيقى القيثارة والطبل من المسرح.
_انهم يجيدون العزف.
وأشارت برأسها إلى الفرقة الموسيقية المحتشدة في زاوية والمؤلفة من أربعة فتية لا يكادون يتجاوزون سن المراهقة، ويفتقدون إلى الهندام الحسن، ولكن يعزفون بشكل حيوي ومناسب لليلة كهذه.
_يستحسن أن يستمروا بالعمل هنا إن قررت شراء هذا المكان
جاهدت لترفع صوتها فوق دقات الطبل وإذا بها تشهق وهو يمسك بيديها ويديرها نحوه: اتظنين ذلك؟".
القى عليها هذا السؤال وشفتاه تكادان تلمسان اذنها، ما جعلها
تتصلب متوترة الأعصاب.
_حسناً لقد أحببتهم، ولكني لست خبيرة في هذا الميدان.
_انت أخت ديڤي وكان عليك أن تتعلمي شيئاً . من المؤكد أنه ليس الوحيد الذي يملك موهبة موسيقية في أسرتك .
ما أن ذكر اسم ديڤي، حتى تبددت البهجة التي كانت تشعر بها.
بذكرى اخيها وأحلامه الضائعة، تلك الأحلام التي كانت تراوده منذ الصبا
اعادتها إلى واقعها، وذكرها بذلك الوضع الصعب الذي فرضه
رونان على أخيها، وحوله إلى إنسان بائس مدمر وتغير مزاجها فجاة.
وتسمرت قدماها وكأنما قيدتهما فجأة بثقل من حديد، فوقفت وسط حلبة الرقص دونما حراك، غافلة عن الأجساد التي تدور حولها .
فأخذ رونان يعنف نفسه...يالي من احمق غبي ما الذي جعلني أذكر اسم ديڤي بعد ان بدأت تسترخي وتستمتع بالحفلة، إذا بي أذكرها به
كان وجوده مع ليلي اشبه بدوامة من المشاعر تارة تعلو وطوراً تهبط ولكن، إذا حدث وفكر في التخلي عنها، فما عليه إلا أن يتذكر مظهرها وهي ترقص فصورتها وهي تتمايل على وقع الأنغام مبتسمةتكفي لتضرم شوقه ولهفته إليها ذلك الشوق الذي تحول هاجساً في الأيام الأخيرة.
نظر إلى وجه ليلي الجامد، وراى التعنيف المر في عينيها، فتغير مزاجه على الفور .
- نعم، أنا أخت ديڤي، ولهذا علي أن أحذر أولئك الفتيان من التعامل معك، لأنك لن تكتفي بموسيقاهم، وموهبتهم، وإنما ستدمر حياتهم وتمتص دماءهم وتقبض على أرواحهم.
- لا أريد الانتقام من أحد غير ديڤي.
رد عليها بذلك ببرودة، والقناعة التامة في صوته.
ارسل الحقد الأسود الذي شاب كلماته قشعريرة خوف باردة في
جسمها الذي كان يتوهع حرارة، ما جعلها ترتجف متشنجة، عليها أن تبتعد عنه الآن وإلا أصيبت بنوبة عنيفة من القيء، هنا في وسط حلبة الرقص.
_... يجب أن أذهب إلى غرفة السيدات.
قالت ذلك وهي تشهق مرتجفة وتقفز سرعة قبل أن يستوعب ذهنها تماماً التواء فمه الساخر لعذرها الكاذب هذا.
وفي غرفة السيدات، غسلت وجهها بالماء البارد واضعة معصميها تحت صنبور الماء لتهدىء من تسارع نبضها .. ليتها لم ترافقه؛ إنها تكره رونان، تكرهه وتعشقه في أن معاً ، وقد يرتد ذلك عليها سلباً إن اشتعلت شرارة اخرى في جسمها حين يقترب منها.
إنها تكرهه الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن هذه الهدنة القصيرة التي سادت بينهما الليلة جعلت معالجة الأمور بينهما أصعب وأكثر استحالة عند عودتهما إلى حياتهما العادية، ستشعر بأنها أشبه بالسندريلا عندما دقت الساعة الثانية عشرة، ولكن الأسوا هو أن عربيتها والحصانين قد تحولت إلى يقطينة وزوج من الجرذان، وحتى الأمير الجميل نفسه تحول إلى الجرذ الأكبر
بينهما.
بقيت في غرفة الاستراحة لبعض الوقت، ولم تخرج منها إلا بعد أن تأكدت من أنها لو تأخرت لحظه أخرى فسيحطم رونان الباب ويخرجها بالقوة كانت تتوقع تماماً أن تجده منتظراً في الخارج ليقبض عليها حالما تخرج، وكم كانت دهشتها بالغة وهي تراه واقفاً عند القصف بكل مدره،
_ظننتك إما هربت من النافذة.
قال لها ذلك بنبرة هادئة ، فأذهلها بدقة تكهناته لأفكارها، وتابع
يقول: "وإما أنك أقفلت الباب على نفسك
_أنا.......
وأخذت تفكر في جواب مناسب، لكن رونان لم يكن يصغي، بل
أضاف يقول: "علينا أن نذهب، حان الوقت لتغيير المشهد
وحان الوقت لمواجهته بجرأة، فرفعت رأسها بعزم وقالت: وماذا لو أني لم اشأ ذلك؟".
_أتريدين البقاء هنا؟
وأشار بازدراء، إلى حلبة الرقص الضيقة المزدحمة، والديكور القذر
والجو الخانق بالدخان.
عندما نظرت ليلي حولها، إذا بفتى في آخر البار يغمزها بعينه بشكل فاسق رافعاً كأسه ليشرب نخبها متفوهاً بكلام بذيء، ولحسن الحظ كانتْ الموسيقى مرتفعة جداً بحيث طغت على الكلمات البذيئة التي قذفها في وجهها.
_أنا..
حاولت الكلام ولكنها لم تستطع أن تكمل جملتها.
فقد أطبق رونان على معصمها بقبضته بقوة أجفلتها، ثم جذبها بعنف مرغماً إياها على أن تتبعه متعثرة وهو يغادر المكان بخطوات واسعة جعلتها تهرول مرتبكة لتجارية في السير.
- دعني، يا متوحش
لم تكن واثقة إن كان سمعها، لكن وقف فجأة فاصطدمت بظهره
وعندما استعادت توازنها، عادت تقول: "دعني اذهب،
واستعملت يدها الطليقة لتضرب بعنف ذراعه التي تمسك بها، شاعرة بقوة عضلاته تحت قماش سترته الحريري.
- كيف تجرؤ على معاملتي على غرار رجل الكهف الذي كان يجر امرأته من شعرها
- لو كنت أعلم أن هذا ما تفضليته.
تعمد رونان جرحها بهذه الكلمات كانت واثقة من ذلك رغم أنها لم
تحب الطريقة التي أخذت يده غير المسكة بيدها تلامس شعرها الذهبي المنسدل على ظهرها ، ولم يتركها إلا عندما أخذت تصفر ضيقاً، فابتسم ساخراً وهو يقول بهدوء: أردت إبعادك عن ذلك المكان. لا أريد أن أقف وأتفرج على حثالة البشر يتوددون إلى زوجتي .
انفجرت تقول: «زوجتك؟ أنا لست زوجتك.... انا
ولم تستطع أن تكمل جملتها لأن رونان امسك بيدها اليسرى ورفعها حتى اخذ الخاتم الذهبي العريض الذي وضعه في إصبعها منذ أكثر من شهر يلمع في ضوء مصباح الشارع.
- إنك تلبسين خاتمي.
قال ذلك بثقة بالغة بالنفس، دمرت سيطرتها على نفسها، فهبت في وجهه قائلة: " إنه دمغة التملك التي دمغتني بها ..
ونزعت الخاتم من إصبعها وامسكت به مضيفة: إنه ليس خاتم
زواج.. دليل حب وعهود، إنه أداة للتعذيب، وطوق العبيد وضعته في رقبتي شأنك في ذلك شأن المستبدين القساة الذين لا يعرفون سوى التملك والتدمير.
ودفعته إليه بعنف فكاد يصيب وجهه: خذ لن البسه بعد ذلك لأنه
يلوثني
لم يحرك رونان ساكناً لياخذ الخاتم منها، ولكنه أخذ ينظر إليها بثبات وقد تحولت عيناه إلى قطعتين من حجر
- لا تريده ؟ حسنأ ساريك رأيي فيه؛
واستدارت، تواجه قناة الري التي تمر بمحاذاة موقف السيارات،
وقذفت الخاتم في مياهها التي بدت سوداء معيفة في ضوء القمر , ثم راحت تنظر إليه يتقلب في الجو قبل أن يندفع ساقطاً بعنف نحو سطح الماء المصقول كالمرأة، ولكن عندما سمعت صوت ارتطامه بالماء شعرت بالألم وكأن يداً  وحشية اعتصرت قلبها بقوة .
مضت لحظه مفزعة ظنت أثناءها ان رونان سيعاقبها بعنف على مافعلته ، فقد ازداد توتر كل عضلة في جسمه، وانقبضت يداه وهو ينظر في عينيها بعينين ملتهبتين ، فاستجمعت ليلي شجاعتها لمواجهة الانفجار الذي كان على وشك أن يحدث.
- ربما كان هذا للأفضل، أو ربما للأسوأ.
تمتم ذلك بغموض، تاركاً ليلي عاجزة عن فك رموز  الكلمات الخفية،
فقالت غاضبة: "بل للأسوا، وإن كنت لا أدري كيف يعقل ان تسوء الأمور اكثر مما هي عليه الآن».
_تريدين الذهاب إلى البيت؟
ادهشها هذا السؤال إلى حد مضت ثوان لم تستطع فيها أن تستوعبه البيت.....ذاك البناء الذي سيجمعها مع رونان في سكون الليل، حيث ستذهب إلى فراشها وهي تعلم بانه على مقربة منها، كما كان يحصل في كل ليلة من الأسبوع المنصرم، فتسمع أصوات تحركاته وهو يستعد للنوم وفجأة، بدت لها الأصوات المجهولة في النادي أفضل كثيراً.
- ظننتك جئت إلى هنا في عمل.
شعرت بالزهو لعدم الاكتراث الذي تمكنت من إظهاره، مسرورة لانها لم تكشف عن المشاعر التي كانت تساورها فعلاً.
- لا أريد أن أعيقك على كل حال، ما زال الليل في أوله.
_أتريدين متابعة السهر!!
- لا أريد أن أعود
تجنبت بحذر النطق بكلمة (البيت).
- ومن يعلم بما اني لم اعد مدموغة بطابع ملكيك.
لوّحت بشكل استفزازي بيظها الخالية من الخاتم تحت أنفه، مركزة نظراتها على شرارة الغضب التي كانت تطاير من معبه.
_لعلني اتعرف إلى شخص يجعلني أقضي وقتاً طبياً
كان المكان الثاني الذي اصطحبها إليه مختلفاً عن النادي الذي غادراه للتو، وشعرت ليلي بفرحة كبيرة لرؤية نفسها آمنة داخل هذه الحانة الصغيرة القديمة الطراز، حيث الجو مريح و هادىء بعكس جو النادي الصاخب والمثير
وصلا إلى الحانة بعد رحلة قصيرة في السيارة، لم ينطق خلالها رونان بكلمة واحدة.
سألها باختصار عندما أصبحت داخل الحانة : أتريدين شراباً
- مياهاً معدنية، من فضلك.
كان عليها أن تشرب شيئاً لتهدىء أعصابها بعد تلك الرحلة المفزعة في الشوارع المظلمة، لكنها رفضت أن تدع رونان يشعر بالانزعاج الذي سببه لها. كان رونان يقف أمام المقصف عندما شعرت بيد تلمسها برفق. فالتفت بحدة، لترى امرأة شابة طويلة القامة شعرها اسود ومفاتنها بارزة،
فابتسمت لها بتوتر قائلة: عفواً، ولكن هل أنت مع السيد غيرين؟.
عندما أومات ليلي بحيرة ، بدت ابتسامة الفتاة أكثر ثقة: اسمي آلي غوردون يدير والداي هذا المكان.
قالت ليلى : يدهشني أن يريد ابوك البيع
ـ آه، إنه لا يريد البيع، ولكن مرغم على ذلك.
وبدا الأسى في عينيها الزرقاوين الواسعتين .
- أردت التحدث إليك من هذا الموضوع، إن أبي مريض . لقد اكتشفنا لتونا أنه يعاني من الزهايمر، ويحتاج إلى رعاية دائمة، ولا تستطيع أمي رعايته وإدارة هذا المكان في آن معاً، إن المال ينقصنا.
كان رونان عائداً فتمتمت ليلي بسرعة : سأرى ما بإمكاني فعله، قبل أن تذهب آلي مسرعة .
ماذا ستفعل الآن كيف ستقنع رونان بأن يشتري الحانة يثمن يفي
بمتطلبات أسرة غوردون؟
_حسناً، ما رأيك؟
قطع سؤال رونان غير المتوقع عليها أفكارها وجعلها تقول بعفوية :
- عليك أن تشتري هذا المكان.
فأجاب ساخراً:
- ألهذه القناعة المفاجئة علاقة بما قالت لك الآنسة غوردون؟ أه نعم لقد رأيتها تسرع مبتعدة عنك، ألاتخشين أن آخذ منها كل شيء ثم أستنزفها حتى الجفاف.
كان لهب الغضب في عينيه يتلاءم مع الابتسامة المظلمة التي أنبأتها بانه واع تماماً للارتباك الذي سببه لها سؤاله الساخر، وضحك متجهماً بصوت خافت وهو يتابع قائلاً: اسمعي، سأدعك تحضرين المناقشات، وإن رأيت أنني أخدعها، فكوني صريحة معي ، لم هذا الارتياب يا حبيبتي؟ أعدك بأن اشطب البنود التي لا تعجبك عن عقد البيع.
_لكنني لا أعرف شيئاً عن.....
ـ أنك لست غبية يا ليلي، وتميزين بين العدل والظلم فكري فقط في ماتتمنينه لديڤي، وطبقيه هنا.
(فكري في ما تتمنينه لديڤي)
بدا لها وكان صدى هذه الكلمات يتردد في أنحاء القاعة، حاملاً في طياته معان خفية.
_رونان....؟
لكنه تركها وتوجه إلى البار حيث كانت تقف غورمون، ولوت ليلي
يديها معاً في حجرها وقد ملأتها الرهبة وهي تفكر في الدور الذي ستلعبه في مستقبل هذه الفتاة وأسرتها.
ولكن من اللحظة التي دعا فيها رونان الفتاة إلى مائدتهما، وقدم لها شراباً قبل أن يبدأ في تقديم عرضه أدركت ليلي أن ما من داع للخوف، فلم يكن في كل ما قاله ما يمكنها الاعتراض عليه، على الرغم من عدم خبرتها في المعاملات التجارية .
_حسناً
سألها رونان بعد أن انتهت المفاوضات، وتركتهما آلي وحدهما وعلى وجهها ابتسامة واسعة مبتهجة.
- أليس لديك ما تقوليه؟ لم أتوقع أن تلتزمي الصمت.
_ليس لدي ما أنتقده، إنك اكتر كرماً مما كنت أتصور.
اعترفت ليلي بذلك صادقة فقال: «هذا ما حصل عليه ديڤي، .
وقطب جبينه عندما نظرت إليه بارتياب: آه، بحق الله، يا ليلي هل
اعتقدت حقاً انني قدمت لهذه الفتاة عرضاً أفضل ما قدمتهه لأخيك؟ فقط لأنها انثى رائعة الجمال ولها قوام فينوس، .
_ل....لا.
لم تشعر بالارتياح وهي تدرك أن الشعور الذي أخرس لسانها لم يكن سببه تعليقاته عن اخيها، بل الغيرة المرة من وصفة للفتاة الأخرى بالرائعة الجمال والمثيرة.
حاولت، بسرعة، أن تغير الموضوع قائلة : أدهشتني الليلة في ذلك النادي إذ لم أحسبك قط معجباً بموسيقى الروك
_أنا أحب كافة أنواع الموسيقى.
ـ اتحب الاستماع إليها فقط أم أنك تؤلف قطعاً موسيقية ايضاً هل تعزف على آلة موسيقية؟
_ياليت لكنها مهارة لم أستطع اكتسابها.
القت ليلي رأسها إلى الخلف وقد اتسعت عيناها وارتسمت ابتسامة على شفتيها الممتلئتين
- رونان غيرين العظيم يعترف بالفشل إنك تدهشني فعلاً.
_جيد
وتراقصت عيناه، وأضواء الصالة تضفي عليهما بريقاً ذهبياً.
_أعرف أن لديك تصورات خيالية عني وأحب أن أحررك منها
مست كلماته وتراً حساساً وهو يشير إلى ملاحظة كان قد أدلى بها عن ديڤي منذ لحظات، مدمراً بذلك الوئام الذي نعما به.
_أتقصد مسألة انك لم تحبني قط ؟ أه، لا تقلق؛ فأنا لم أعد أكافح في سبيل ذلك الوهم، فأنت. حررتني منه تماماً.
فرد عليها بحدة: وهل ادعيت يوماً انني احببتك؟
هل فعل ذلك؟ وعادت بذاكرتها إلى الأسابيع القصيرة التي سبقت
زواجها، فقد قال لها (أريدك أن تكون لي، عليك أن تتزوجيني) ولكنه لم ينطق قط كلمة عن الحب.
وعلى غرار أي فتاة، اعمت المشاعر قلبها فضاعت في أحلام السعادة والهناء، وسدت حاجتها إلى تلك الكلمات وهي توهم نفسها بالاعتقاد بانها سمعتها منه فعلاً ، وقالت تعترف ببطء : لا، لا، لم تفعل، .
أوما راضياً بعبوس إذ أصبحت الدعوة واضحة ولم يعد ثمة مجال النقاش.
- والآن،
لكن ليلي لم تستطع الاحتمال أكثر من ذلك لن تجلس مكتوفة اليدين وهي تعي مبلغ تفاهة ما كانت تعني بالنسبة إليه، واستغلاله لها بأنانية بالغة لأجل هدفه القاسي
فهبت واقفة دافعة كرسيها إلى الخلف، محدثة بذلك صريراً مزعجاً: انا متعبة، وأريد أن أذهب إلى البيت.
لكن منزل بليڤرد لم يعد في نظرها بيتاً. فمنذ اصطحبها رونان إليه يوم زفافهما، فقد معناه، ولم يعد يمثل لها الملاذ الدافئ، وها هي تنظر إليه وكأنه وهم من نسج بدي رونان.
_هل تشعرين بالبرد.
وكان رونان قد رأى رجفة الحزن التي تملكتها.
_ قليلاً .. لقد برّد المطر الجو.
على الرغم من أن انهمار الأمطار صحبة صقيع، كانت ليلي تعلم أن إحساسها بالبرد هو نفساني أكثر من جسدي.
_سأشعل النار حتى تدفأ الغرفة بسرعة.
لم تستطع احتمال الرعشة التي سرت في كافة انحاء جسمها.
- لا حاجة لذلك.
- لن يستغرق ذلك طويلاً.
زاد إصراره من توتر أعصابها، ففي كل ليلة كانت تصعد إلى غرفتها ساعة تشاء، من دون تعليق أو احتجاج لكنه الآن يحاول أن يبقيها هنا ليطيل السهرة.
- قلت لا حاجة لذلك، إني متعبة وساكون أكثر دفئاً في السرير.
_وحدك؟
- طبعاً وحدي.
لكن جسدها الغادر اخذ يخزها مستعيداً ذكرى الأحاسيس التي
ساورتها ورونان معها .
- لماذا أنت حريصة على الصعود إلى غرفة نومك فجأة
ضاقت عيناه وهي يدور بهما في انحاء الغرفة وكأنه يبحث عن شيء ما: هل عاد ديڤي؟ هل رأيت..... ؟.
_ديڤي!! لا
ارتعش صوتها وهي تنطق بهذه الكلمات. لقد كادت تنسى هذه الليلة مسألة ديڤي، وترصد رونان له بالانتقام، وللحظات قليلة تملكتها الرغبة في أن تعود علاقتها مع رونان إلى سابق عهدها، خالية من التعقيدات، وأثناء السهرة، غالباً ما كانت ترفع عينيها لتجد عينيه مسمرتين عليها بشكل غريب.
وكانت في نظراته المحرقة، الحدة في المشاعر التي لم يحاول قط أن يخفيها. حتى عندما غضب منها بقي ذلك التيار الكهربائي يقدح شرراً بينهما،جامعاً إياهما معاً بمغناطيسية هي أقوى من أن تنكرها .
ربما حري بها أن تستغل ذلك الشعور لمساعدة أخيها.
_رونان. ارجوك ، بالنسبة إلى ديڤي
- لا أريد أن أسمع شيئاً عن أخيك المجرم.
قال رونان ذلك وقد استشاط غضباً ولكنها أرغمت نفسها على أن تلح عليه رغم الشراسة في نظراته إليها، والوعيد الذي تخلل كلماته
_ ولكن عليك أن تصغي إلي لماذا لا تستعيد هذا المنزل أو دعني ابيعة حتى أعطيك ثمنه مقابل ما يدين لك اخي به؟
_فتخسرين بيتك بعد ان تخليت عن شقتك، وأين ستعيشين عندها؟
_سأتدبر امري.
ركزت ليلي انتباهها علي ردة فعل رونان وقد أدركت بأن اهتمامة
برفاهيتها وسعادتها كان صادقاً وغير متحفظ، ما جعلها تشعر بقلق غريب.
- لا أريد أن أسمع شيئاً من الموضوع، ولا أريد مناقشته بعد اليوم ، أريد أن أنسى كل شيء عن ديڤي وآثامه ، هذه الليلة.. أريد أن اتحدث عنا ، نحن الاثنين.
_سبق أن قلت لك إنه ليس من شيء يجمع بيننا.
ولكنها أدركت وهي تتكلم، مدى كذبها، فما قالته مجرد درع هش ضد تأثيره على عقلها وقلبها، ولو استطاع رونان أن يرى مدى هشاشة درعها هذا لأزاحه جانباً بحركة ازدراء من يده أو بالكلمات المناسبة.
- بلى....فقط إن انت سمحت بذلك.
احاطتها رقة صوته كالبخور العطري الدافئ ما جعلها تحاول مقاومة تأثيرها المغري بينما هو يتابع :
- ونحن هنا معاً....
فقاطعته بقولها: "إنها مجرد صدفة؛ فالسبب الوحيد الذي جمعنا معاً هنا.......
ولم تجرؤ على أن تذكر ديڤي مرة أخرى حتى لا تجازف بان تعرض السلام الضئيل الذي حل بينهما، للزوال.
_فسبب وجودك هنا يجعل ذلك مستحيلاً.
_ليس من المنطق أن ننكر
- نحن....ننكر....أنا لست!!
لم تستطع أن توضح بالكلمات ما كانت تخشى أنه يعنيه.
- لقد عدت تكذبين على نفسك، يا عزيزتي.
لم يحرك رونان ساكناً، ولم يتقدم خطوة نحوها ، بل ساد صمت عميق بينهما وكأنه السكون الذي يسبق العاصفة، وتوقعت أن تسمع في أي لحظة هزيم الرعد وترى لمعان البرق، وأدركت أن حياتها كلها على المحك.
- لا شيء يقف بيننا سوى ذلك الرجل الذي لن نذكر اسمه، وهو ليس هنا الآن، فما الذي يمنعنا من قضاء بقية الليل معاً؟
ما يمنعنا هو أنني أحبك وأنت لاتحبني
كانت واعية تماماً لضخامة بنيتخ وهو يقف بجانبها ، فكل عصب فيها تنبه إلى رائحة عطره، وقد سقط شعره اللامع على جبينه فوق عينيه المتألقتين، كان من المستحيل الا تتذكر البهجة التي شعرت بها عندما رقصا معاً، وتلك السعادة التي كانت تشعر بها كلما لمسها.
لم تقل رغبتها في هذا الرجل من ليلة عرسها مثقال ذرة، فيومها، كانت لا تزال بريئة جاهلة بكل ما له علاقة بالحب، وكل ما جرى بينهما منذ ذلك الحين، لم يغير شيئاً.
عندما سمعت هانا عن هجر رونان لها قالت لها بساطة : لا عليك.
ثمة الكثيرون سواه
لكنها لم تكن تريد شخصاً آخر، كما أنها لم تكن تريد إلا أن يحضنها بين ذراعيه وينهال عليها قبلاً ويغرقها في بحر السعادة.
(ما الذي يمنعنا من قضاء بقية الليلة معاً)
وأخذت نفساً عميقاً، وهي تعلم أن ليس لسؤاله هذا سوى جواب
واحد: لاشىء
سمعت صوتها يقول ذلك قبل أن تكتمل هذه الفكرة في رأسها.
_لاشيء
ردد رونان كلامها بنبرة مختلفة تماماً، ولكن رغم ذلك لم يحرك ساكناً.
إذ كانت ليلي واثقة من أنه يبادلها الإحساس بالارتباك . حركة واحدة خاطئة وتهرب إلى غرفتها الآمنة كطائر مذعور رأى قطاً جائعاً.
ولكن كل لحظة تمكثها هنا، تزيد من شوقها إليه وهذا الشوق ينهشها الآن من الأعماق، حتى انها شعرت بالمسافة الضئيلة بينهما، وكأنها هوة بالغة الاتساع
_أتعرفين ما تقولين ؟
أتعرف حقاً؟ لم تستطع أن تفكر ، كانت كتلة من المشاعر المخضبة بالشوق، إنها متلهفة إليه وخائفة من تملكه لها.
_أظن أنه من الأفضل أن أغادر الغرفة .
قال ذلك وهو يتوجه نحو الباب ، ولكنها هتفت، من دون أن تعي ماتقوله: كلا
_ أتقصدين أن وجودي غير مرغوب فيه أم أنك لاتريدين أن اذهب؟
_أنا..
شعرت بغصة في حلقها هددتها بالاختناق، حتى أصبحت عاجزة عن النطق بكلمة ولكنها كانت مضطرة إلى أن تتكلم فإن هو خرج من الباب فقد تموت: أنا ..
ورفعت يديها بيأس أمام وجهها بإشارة تنم عن الخوف، والدفاع
_ليلي
وتقدم رونان نحوها يمسك يديها ويخفضهما إلى أسفل بسهولة جعلت مقاومتها له عبثاً، ورفعت إليه وجهاً شاحباً منهكاً وعينين ذهبيتين واسعتين متألقتين، فقال بخشونة: وأنا لا أحب هذه المشاعر اكثر مما تحبينها انت ولكن ليس بيدنا حيلة، فالنيران مشتعلة يا ليلي شئنا أم أبينا، وتتأجج كلما اجتمعنا معاً، ومن الجنون أن نتجاهلها أو تحاول كبحها، لأنها تقتات من ذاتها وتزداد حدة أكثر مما نتصور.
ـ أعرف.. هذا.
ألم يسبق ان حاولت تجاهلها هي نفسها، فأخذت تزداد تجذراً في أعماقها مع كل نفسي تتنفسه، وازداد الشوق مع كل دقيقة تمضيها في صحبة رونان
لكن تلهفها إليها يغذية الحب الذي تكنه له، بينما رغبته هي مجرد رغبة بحتة خالية من المشاعر كما اعترف بنفسه منذ فترة.
- ولكن ماذا بإمكاننا ان نفعل؟
- يمكننا أن نتوقف عن مقاومتها، يا جميلتي ليلي قبل أن نستسلم إلى ما نشعر به، فنطلق له العنان حتى يدمرنا، لم ندعو من أعماقنا بأن يخف، مع الوقت، ويتبدد
واقترب منها ووضع ذراعه حول خصرها بشدها إليه لتشعر بخفقات قلبه التي تدوي بين جنبيه.
- يمكننا أن نفعل هذا.
وضغطت شفتاه المشتعلتان على خدها وحول ذقنها: هل هذا ما
تريدينه
اخذ قلبها يخفق بعنف إلى حد أن وقعه في اذنيها كان أشبه بالرعد.
فراحت تطلق أصوات متقطعة : سأريك
كان وجه قريباً من وجهها إلى حد خطر، لكن ما زال ممسكاً عن
معانقتا متعمداً بذلك تعذيبها، وهاتان العينان المتألقتان العميقتان تراقبانها بعنف وهي تئن محتجة.
- ليلي كلمة واحدة منك هي (نعم) أم (لا) تكفي، ولكني أريد أن
اسمعها، أخبريني هل تريدين هذا أم....!
لكن صبرها نفد وقد خرجت مشاعرها عن السيطرة، وشعرت أنها
ستموت إن لم يعانقها الآن فقالت بصوت خافت: نعم
لكنها خافت الا يكون سمعها جيداً فكررت بلهفة: نعم، نعم،
جوابي هو نعم












بقايا ليل _كيت والكر _ مكتوبة💙حيث تعيش القصص. اكتشف الآن