|

197 14 27
                                    

- لا زال شتاء أذار منكولا بحزنه ، يبكي على أعقاب المدينة اليتيمة أمطارا باردة

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.


- لا زال شتاء أذار منكولا بحزنه ، يبكي على أعقاب المدينة اليتيمة أمطارا باردة .

- و لا زالت شاحنة النقل المدرسي الصفراء ، تمخر عباب الأوحال ، فاقع لونها لا تسر الناظرين ، تخطو في غير اتزان ، و تلفظ من بين ثناياها أنفاسا رمادية بائسة تتداعى في الفضاء ، فتزيد اللوحة الشتوية صبغة من المأساة ، تتمختر ذات اليمين و ذات الشمال في اعوجاج .

- تتوقف الحافلة في قارعة الشارع فجأة لتستفرغ من بين أحشائها جمعا من تلاميذ ذوي أوجه غبراء كالحة ، تطبعها المعاناة ، متداعين هنا و هناك ، إلى حيث الحرية ، بعدما كانوا قبل قليل مندسين في غير انتظام وسط الحافلة المتهالكة ، التي قضى فيها الدهر ماربه .

- نزل محسن بعد جهد جهيد من العلبة الصفيحية الصدئة المنتصبة في اعوجاج ، فقصر قامته لا يسمح له بالاندفاع مع ذاك القطيع الغفير ، نفض عنه حبات الزخم العالقة بثيابه الخفيفة ، ثم سمح لنسمات الهواء العليل أن تتغزل ببشرته القمحية ، و أن تداعب خصلات شعره الفاحمة المنسدلة في إهمال ، تحسس لوهلة الخمسين درهما التي مدتها له والدته ليلة البارحة ، خوفا من ضياعها . كانت هي كنزه الثمين الذي وجب أن يربطه ببقايا الحياة لمدة أسبوعين .

- رفع محفظته البالية التي تكاد تستفرغ ما بداخلها من كتب ، و نصف رغيف قمحي ملفوف بعناية وسط منديل منزلي متهالك ، ثم خطى نحو الأمام ، يتجاوز برك الماء المتداعية هنا و هناك .

- و ما هي إلا برهة من الزمن ، حتى كان داخل مدرسته ، حث الخطى بسرعة نحو قاعته لئلا يتأخر ، فهو ابن البدوية البسيط جدا ، سيكون من العسير عليه أن يقف أمام المدير المنتفخ الأوداج ، الكث الشاربين ، لأجل ورقة تبرر التأخير ، هو الذي يرى فيه رقما أكثر مما يرى فيه تلميذا .

- دخل قاعة الفيزياء ، ليسمح لجسده بالتهاوي على المقعد الأخير ، انكمش على نفسه محتميا بزملائه الأطول قامة ، فقد كان أسوء مخاوفه أن يقع نظر الأستاذ عليه ، فيقف مجبرا إلى السبورة ليحل معضلة من معضلات هذه المادة ، التي لطالما شكلت له لعنة سوداء لا سبيل للانعتاق من أصفادها .

- لشد ما يكره الفيزياء ..

- لم يكن لبصره المحدود الأفق يوما ، أن يستوعب فائدة تلك الأسهم المتداعية في الفضاء ؛ المدعوة قوى ، و لا أن يفقه شيئا في خبايا محلول كيميائي تسعى الأيونات بين ثناياه إلى الاستقرار ، و لا أن يعرف حتى القليل عن ماهية رابطة تساهمية أنشأتها المصلحة بين نظيرين . هو بالفعل يريد أن يصل ، و أن يحصل على وظيفة و مستقبل زاهر بعيد كل البعد عن واقعه العقيم ، لكن هاته المادة اللعينة ، بأصفارها المنهالة تباعا عليه مع كل امتحان ، تحول دون ذاك القليل من الأمل الذي يعتريه .

- مبدأ القصور حيث تعيش القصص. اكتشف الآن