البحث الثالث: شروط النهضة

18 3 0
                                    


هناك عدة أمور تعتبر ضرورية وحتمية في بناء الحضارة، وحصول النهضة لأي شعب كان، وأية أمة كانت، ونود أن نشير إلى بعض مقومات وعناصر ذلك عموماً.

ثم.. وبمقارنة بسيطة وموجزة، نستطيع أن نتعرف على جانب من عظمة الإسلام وسموّه، وأصالته.

ومن أجل تسهيل تصور ما نريد عرضه على القارئ، نقوم بمقارنة محدودة بين واقع وظروف عرب شمال الجزيرة العربية، وهم أهل الحجاز، وبين واقع وظروف عرب جنوبها، وهم أهل اليمن.

فنقول:

ألف: لقد عاش اليمنيون في منطقة غنية وثرية، وتستطيع إذا ما اشتغل أهلها بزراعتها: أن توفر لهم لقمة العيش، وهي بالإضافة إلى ذلك أرض جبلية، صعبة المسالك، فهي إذن تستطيع في كثير من الأحيان أن توفر لهم حماية طبيعية، وقدرة على مقاومة الأعداء.

وإذا كان اليمنيون يشتغلون بزراعة أرضهم، ويستفيدون منها، ويعتبرونها المصدر الأول والأساس لحياتهم، واستمرار وجودهم؛ فمن الطبيعي أن يتولد فيهم لذلك شعور مبهم بمحبة هذه الأرض، والتمسك بها، والحنين إليها.

وهذا بالطبع هو المهم عادة في حب الناس لأوطانهم، وحنينهم إليها، حتى إنهم قد يبذلون كل غال ونفيس حتى دماءهم في سبيل الدفاع عنها، بل وحتى عن شبر واحد منها؛ فمحبة الوطن تنشأ غالباً من محبة الأرض، ومحبة الأرض تنشأ (عموماً) من الشعور بأنها تعطيه كل مقومات الحياة، وبأنها تحفظ له استمرار بقائه ووجوده، بالشكل المرضي له، والمقبول عنده.

ب: وكان في اليمن أيضاً حكومة مركزية مهيمنة تفرض النظام والقانون، وتهتم بإشاعة الطمأنينة، والأمن والسلام.

وإذا كان الإنسان يشعر بالأمن، ويعيش في ظل القانون، ولا يتخوف من أي عدو يتربص به الغوائل، فإنه يجد الفرصة للتفكير في تغيير الوضع الحياتي الذي يعيشه، إلى وضع أفضل وأكمل.

ج: ثم تتاح الفرصة لآمال وتطلعات هذا الإنسان للتعبير عن نفسها، وفرض وجودها، فتدفعه إلى بذل المحاولة، والتصرف فيما تناله قدراته في توجيهه في هذا السبيل.

د: ثم يأتي دور الأهم والأقوى تأثيراً في النهضة، ألا وهو النظام الأكمل والأشمل والأصلح، الذي يستطيع أن يبني الإنسان من الداخل، ويحافظ عليه من الخارج، ويزيل من طريقه كل العقبات التي يمكن أن تعترض سبيل تقدمه؛ ولتنمو وتتكامل في ظل ذلك النظام ـ من ثم ـ ملكات هذا الإنسان، وخصائصه، ولتجد طاقاته وإمكاناته الفرصة للتأثير في عملية التغيير للحاضر الذي يعيشه، والتخطيط الصحيح والسليم للمستقبل الذي يقدم عليه.

فإذا توفرت كل تلك العناصر لأية أمة، فإنها ولا شك سوف تكون قادرة على أن تبني حضارة، وتصنع لنفسها مستقبلاً مغرياً وزاهراً ومجيداً.

الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ج2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن