البحث الرابع العوامل المساعدة على انتصار الإسلام وانتشاره

22 2 1
                                    

العوامل المساعدة على انتصار الإسلام وانتشاره:
وبعد ذلك الموجز الذي قدمناه لا بد أن نشير إلى بعض العوامل والظروف التي ساعدت على انتصار الإسلام وانتشاره، في منطقة لها تلك الصفات والمميزات المشار إليها في البحث السابق.

وبعض تلك العوامل يرجع إلى شخصية الرسول >صلى الله عليه وآله<، وبعضها يرجع إلى الرسالة نفسها، وبعضها يعود إلى أمور أخرى، خارجة عن هذا وذاك، ويمكن أن نلخص ما نريد الإشارة إليه في الأمور التالية:

1 ـ منطلق الدعوة: مكة:
أ ـ إنه يلاحظ أن الإسلام قد انطلق من أقدس بلدٍ لدى الإنسان العربي، بل ولدى غيره أيضاً، وهو المكان الذي تهوي إليه ثمار الأفئدة من كل مكان، وهو ملتقى لكل العواطف، ومحل آمال الناس، وغاية رجائهم.

ب ـ يقول البوطي: >البقعة الجغرافية للجزيرة العربية ترشحها للقيام بعبء مثل هذه الدعوة؛ بسبب أنها تقع ـ كما قلنا ـ في نقطة الوسط بين الأمم المختلفة التي من حولها، وهذا مما يجعل إشعاعات الدعوة الإسلامية تنتشر بين جميع الشعوب والدول المحيطة بها في سهولة ويسر<([1]).

وطبيعي: أن هذا الدين لو كان ظهر في بلاد كسرى؛ فإن أتباع قيصر لا يتبعونه، وكذلك العكس؛ وذلك بسبب المنافسة القائمة بين الإمبراطوريتين والحواجز النفسية الحاكمة والمهيمنة على الأمتين.

ج ـ لقد بدأ >صلى الله عليه وآله< دعوته في مكان بعيد عن نفوذ الدولتين العظيمتين: الرومان، والفرس، وغيرهما من الدول ذات القوة.

إذن، فلا قوة قاهرة تستطيع أن تضرب الضربة الحاسمة، وتقضي على دعوته في مهدها؛ وذلك لأن المحيط الذي بدأ فيه دعوته، والحجاز عموماً، كانت تسيطر عليه الروح القبلية، ويطغى عليه التعصب القبلي، والقوى فيه متكافئة تقريباً، وكانت القبائل المتعددة كثيرة ـ فبطون قريش وحدها كانت عشرة أو تزيد ـ يرقب بعضها بعضاً، ويخشى بعضها بأس بعض.

هذا كله، عدا عن أنها كانت تعرف: أنها إذا أرادت أن تنتهك حرمة الحرم، ويحارب بعضها بعضاً؛ فإن مكانتها واحترامها ـ وبالتالي مصالحها الحيوية سوف تتعرض لدى سائر العرب لنكسة قاسية، إن لم تكن قاضية.

2 ـ خصائص شخصية الرسول صلى الله عليه وآله:
أ ـ لقد كان صاحب هذه الدعوة: محمد >صلى الله عليه وآله< من قريش، أعظم قبـائل العرب خطراً، وقـوة، ونفوذاً، والتي كـان ينظر إليهـا ـ كل أحد ـ بعين الإجلال والإكبار، وبالأخص هو من البيت الهاشمي منها، الذي كان يمتاز بالنزاهة والطهر، وله السيادة والزعامة، والسؤدد في مكة، وله الشرف الرفيع الذي لا يدانيه ولا ينازعه فيه أحد.

فمحمد >صلى الله عليه وآله< إذن ليس بحاجة إلى الشرف والزعامة ليجعل من ادّعاء النبوة وسيلة للوصول إليها، والحصول عليها، وقد كان واضحاً ـ لو قيست الأمور بالمقاييس العادية ـ أن دعواه تلك لسوف تجر عليه الكثير من المتاعب والمصائب، ويكون بذلك قد فرط بكل ما لديه من رصيد اجتماعي في هذا المجال، فاستمراره في دعوته مع وضوح أخطارها له يعتبر أمراً غير منطقي، لو كان ما يدعيه لا واقعية له.

الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ج2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن