١- الطريق إلى بوسطن.

2K 137 146
                                    

صوت احتكاكِ عجلاتِ السياراتِ مُختلِفة الأحجامِ بأسفلتِ الطُرقِ الفرعية.

خطواتُ السكانِ بأحذيتِهِم على الأرصِفة المُقابِلة.

خشخشة أوراقِ الشجرِ بعد ضربِ الهواءِ عليها بارِدًا.

تدّفُق المياه داخِل الأنابيبِ العتيقة في جُدرانِ المنازِل.

ها هو ذا.

قد وصَل دربُه أخيرًا إلى بوسطِن المُزدحِمة.

شهرُه الكامِل مِن البحثِ, كُل اللياليِ التي كانت فيها عيناه على وشكِ خذلِه مِن الساعاتِ المُستمرة التي قضاها مُحدِقًا بشاشةِ الحاسوب, جميع المواقِع التي فتحها, قرأها, لم يجِد ضالتَهُ فيها, ثم عاد مِرارًا لتفقُدِها, لقد انتهَت جميعًا, قد وصَل المكانَ المنشود.

أو هذا ما تمنى أن يكون واقِعًا.

تنهَد بارتِجافٍ غير مقصود, من كان يدري أن يومًا سيأتي سيقومُ فيهِ بالقدومِ مِن الطرفِ المُقابِل للعالم إلى هُنا.

اقتَرب ضعيفًا وضغَطَ بأصبعِهِ على مِكبسِ الجرسِ الذي تجمَعَ الغُبارُ على سطحِه البلاستيكي, قفز قلبُه وعاد سريعًا أدراجَهُ من على سلالِم واجِهةِ المنزِلِ الثلاثِ حتى يقِف على الرصيفِ الرمادي ينتظِر.

لم يشعَر بحركةِ أي شيءٍ مِن الطرفِ المُقابِل لِلبابِ, في كُل لحظة تهرُب كان يفقِدُ الشعورَ بقدميهِ أكثر, صدرُهُ يؤلِمُه مِن قوةِ صفعِ قلبِه, ماذا لو تحولَ كُل شيءٍ إلى هباءٍ منثور؟

اختلَت أنفاسُه بشِدة, كان من غير المُستبعَد أن تغرقَ عيناهُ بالدموع ويُجهَش بالبكاءِ لو لَم ينجَحِ الأمر, كيف وقد يتحَول أملُه الأخير لرؤيتِهِم مُجددًا إلى سراب, بعد كُل ما عانى وطولِ الطريقِ الذي قطَعَ.

مرَ ما زادَ عنِ الخمسةِ دقائِق أبصرها بِساعةِ هاتِفِه و أحس بها دهرًا, لم يفتِحِ أحدُ البابَ بعد, عليهِ الانتِظار طويلًا, لن يستسلِم بتِلك السُرعة.

أملُه ينبُذُه, قَد أوشَكَ على الهلاك صائِحًا بعقلِه أن جميعَ رِحلتِه ضربٌ مِن الجنونِ التامِ لا أكثَر ولا أقَل.

كان داخِلُه بالفعلِ يذبُل كزهرة في وسطِ حرارةِ الصحراء.

حتى سمِع صوت خشخشةِ قُفلٍ مِن وراءِ البابِ.

وكأنَ أحدًا صعقهُ بِجُرعةِ كهرباءٍ انتفَضَ جميعُ جسدِه, صوتُ تراجُع العديدِ مِن الأقفالِ خلفَ البابِ عَن مُهمِتها في إغلاقِه وكأنها تحمي زِنزانة ما, ثم وأخيرًا انحشر جزء صغيِر مِن جسدٍ بمعطَف صوفي رمادي خارجًا وتدلى معَهُ شعرٌ داكِن.

Photograph || صورةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن