زهرة النرجس واحدة من الزهور المنتشرة في بلاد الاغريق منذ أقدم العصور. شدت انتباه الرجل الإغريقي بمنظرها الجميل وطابعها الحزين. نسج حولها قصة ظلت تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيلًا.نركسوس وهو الاسم الإغريقي لنرجس، هو ابن إله النهر كفيسوس. احتضن نهر كفيسوس بشراينه المائية المتعرجة حورية إحدى المروج الخضراء تدعي ليريوبي. قذف بمياهها المتدفقة في جوفها الخصب فخرج إلي عالم الحياء مولود أسماه والداه نركسوس. وهبت الآلهة نركسوس منذ طفولته حسنا رائعًا وجمالًا لا يقاوم.
نشأ نركسوس الجميل في أحضان المياه الجارية والمروج الخضراء. لم يره إنسان أو إله دون أن يعجب بجماله. تخطى نركسوس مرحله الصبا. أصبح في ريعان الشباب. كان يزداد جمالًا وبهاءً كلما تقدم في العمر. أحبه رفاقه وأصدقاؤه وأعجب به الذكور والإناث. كان نركسوس مدركا لجماله وإطلالته الجذابة. كان يعرف أنه جدير بإعجاب الجميع وحبهم. لكنه كان لا يتحاب مع أحد من المعجبين به. كان يصدهم جميعا- ذكورًا وإناثًا- لم يكن يعرف الحب. لم يكن يقيم للعواطف وزنًا. لكنه مع ذلك ظل محط أنظار الجميع ومركز إشعاع للسحر والفتنة.
إيكو ونركسوس.
من بين من أحبوا نركسوس وأعجب بجماله حورية تدعي إيكو (إيخو). وإيخو كلمه يونانية معناها الصدى -إيكو فتاة رائعة الجمال فائقة الحسن. متحدثة لبقه. تعرف كيف تدير دفة الحديث. تقدر على التأثير بحديثها على من يستمع إليها. طليقة اللسان وبارعة في القول. عاشت إيكو وسط المروج الخضراء. و علي ضفاف البحيرات والاغادير. كانت مولعة بالتحدث مع المار والغادي.
في ذات يوم جلست إيكو -كعادتها- فوق ربوة فيحاء تتأمل في الرائح والغادي. رأت من بعيد كبير الآلهة زيوس في صحبة حورية حسناء.ثم أتت هيرا الزوجة الشرعية لزيوس-تسعي لاهثة وقد بدت على ملاحمها علامات السخط والغضب استوقفتها إيكو. سألتها عن سبب سخطها وغضبها. علمت أنها تبحث عن زوجها زيوس. فقد نما إلي علمها أنه جاء إلي تلك المنطقة لمقابة إحدى الحوريات. سألتها هيرا عن زيوس . إدعت أنها لم تره في تلك المنطقة قط. ظلت تتحدث مع هيرا بصوت مسموع. أخذت تقص عليها قصص مسلية. وكلما همت هيرا بمغادرة المكان لتبحث عن زيوس استوقفتها إيكو، وبدأت تروي لها قصة جديدة. كانت إيكو حلوة الحديث، بارعة في القول. قادرة على شد انتباه من يستمع إليها. ذهب عن هيرا غضبها وسخطها. هدأت نفسها. نسيت ما جاءت من أجله. ظلت هيرا تستمع في شوق إلي أحاديث إيكو.
غابت الشمس وأقبل الليل وامتلأت السماء بالنجوم. ومازالت هيرا تنصت إلي أحاديث إيكو. فجأة لمحت هيرا زوجها زيوس وهو ينطلق من خلفها هاربًا نحو مملكة الألومبوس.انطلقت هيرا تطارده وقد عاد لهيب الغضب يلهب مشاعرها ونار الغيرة تأكل قلبها. إن هيرا قاسية لا ترحم. عاقبت إيكو عقابا شديدا. حرمتها حلاوة الحديث والقدرة على الكلام. لم تعد إيكو قادرة على المبادرة في الحديث. لكنها تستطيع فقط أن تردد بعض المقاطع الأخيرة من العبارات التي ينطق بها المتحدث. وها نحن حتى الآن نلاحظ أن الصدى هو ترديد بعض المقاطع الأخيرة من عبارات المتحدث.