الفصل الرابع

5.6K 132 8
                                    


الفصل الرابع
مساء الخميس....تلك الساعات التي يتحرر فيها رجال الحي الكادحين من الالتزام من عمل غد...لذا يخرجون للمقاهي االشعبية ليجالسون الاصدقاء...
وكحال الاخرين خرج رجال عائلة منصور لاحدي مقاهي الحي الاثرية والتي تعرفها مقاعدهم منذ الشباب...فتحملق قاسم وعدي واصلان وبعض الاصدقاء علي احدي الطاولات.
اما شباب العائلة فهجروا مقاهي الحي ....بعضهم احتراما لكبار لن يكونوا علي راحتهم امامهم...وبعضهم هربا من الكبار نفسهم...كحال معاذ.
علي طاولة كبيرة جلس معاذ وصقر وبهاء في انتظار شهاب...الذي لازال يقف خارج المقهي يتحدث في الهاتف ...بينما اقترب منهم بعد قليل عز وهلال واكرم
ليصيح عز مناديا معاذ بطريقة مستفزة ( اهلا يا خالو....كيف حالك يا خالو..... اشتر لي غداءا يا خااااالوووو)
خبطه معاذ بعنف علي كتفه وهو يهتف به حانقا ( خلخلوا ضروسك يا اخي....انا لست خالك حتي...هلال الذي انا خاله بالفعل يناديني معاذ)
مط عز شفتيه بأسي مبالغ فيه ( ماذنبي ان كان هلال عديم التربية؟...ثم اني لن ابتعد الا بعد ان تطلب لي طعاما..يا خاااالوووو)
وفي دقيقة كان معاذ يدفع ثروة صغيرة لصاحب عربة الطعام المركونة بجوار المقهي...خاصة انه من سيطعمهم مجموعة من الثيران ...
افترشت شطائر الكبدة والسجق الطاولة الكبيرة ولكن لم يبدأ اي من الرجال في الطعام وهم يراقبون صقر الذي امسك طبقا من صلصة الفلفل الاحمر الحار جدا يغمس بها قطع الخبز ويأكلها بإستمتاع كما لو كانت شيكولاتة.
دخل شهاب كإعصار غاضب وهو يصرخ علي صقر
_ماذا فعلت بالفتاة!!! انطق لاتثير اعصابي...الفتاة منهارة وترفض العودة.!
ابتسم باتساع فبدا حتي لشهاب مخيفا... حتي ان عز همس "تعاليلي يا امي"
كانت تطارد معاذ بنظرات الاعجاب ولا تلتفت لعملها.... فوضعت ثعبانا في حقيبتها
ضحك بهاء وهو يخبط ظهر صقر كأم فخورة بينما معاذ يبتسم له باتساع جعل شهاب يزيد في غيظه
( لاتشجعانه هكذا علي افعاله...بهذه الطريقة سنصحو يوما لنجده يأكل الاطفال الصغيرة...ما العمل الان لا نملك سكرتيرة ونحن علي وسك الغوص في عدة صفقات فارقة)
بالرغم من التزام شهاب في عمله مع والده الا انه لسنوات ساند معاذ وصقر ماديا حتي اصبح شريكا اساسيا في اعمالهم.
( عندي..حل) كان صوت عز من بين مضغاته مزعجا ولكن شهاب اشار له ان يفصح
فقال عز بقليل من التفاخر ( اعرف السكرتيرة المناسبة كما انها مستحيل تلاحق معاذ بنظرات الاعجاب)
تطلع شهاب وبهاء بصقر ووجههم تغوص في توتر خوفا من ان يطابق الاسم الذي سينطقه عز مطابقا لمخاوفهم ..،.اما معاذ فكانت انظاره التي تبارح طبقه مجمدة في الانتظار ليقول عز بلامبالة
( هوينا ابنة اختك يا معاذ...،الفتاة مناسبة جدا)
اوقف يونس سيارته امام منزل الحاج منصور الذي قال له بصوته الثابت من المقعد المجاور ( اتعبتك معي اليوم يا يونس ياولدي....ولكن احتاج الدار منا كل هذا الوقت الذي بذلناه الليلة)
هز يونس رأسه مؤيدا وهو يؤكد علي ماكان يصرح به للحاج منذ ايام ( نعم ياحاج ....للاسف نحن بحاحة لعاملات ولكن كما تري كلما اتتنا واحدة صرفناها لقسوة قلبها مع السيدات او هي هربت من الحمل)
اجابه الحاج منصور ( يفعل الله الخير دوما...وهؤلاء السيدات مريضات وبحاجة للمساعدة فبالتأكيد سيسوق لهم الله الشخص المناسب)
صمت لثوان دون ان يغادر السيارة قبل ان يلتفت ليونس مبتسما ( اشعر ان الله عوضني عن عبدالحميد رحمه الله...بك....تشبه طباعك طباعه كثيرا....ربما اكثر من اولاده نفسهم)
وامتلئت نفس يونس سعادة وهو يفقد لسانه وكلماته تماما امام ناقال الحاج الذي التفت مغادرا للسيارة الصغيرة بعد ماقال.
لم يحرك يونس السيارة بل ترجل منها منتشيا ليخرج سيجارته اليومية الوحيدة يدخنها قبل الرحيل.....فبالرغم من انقطاعه عن التدخين من سنوات...منذ اخر عملية جراحية ...الا انه يخصص يوميا سيجارة واحدة يستمتع بها بعيدا عن انظار امه كمراهق.
لم يكد ينهي سيجارته ليسحقها تحت قدمه وهو يراقب السيارات القليلة التي تمر بالحي قلل ان تقف احدي سيارات الاجرة امام منزل الحاج....لتنزل منها تلك الفتاة ذات الشعر القصير التي رأها من قبل في الحديقة.
رغما عنه غلي الدم في عروقه غيظا من تلك الفتاة التي تعود في هذا الوقت بملابس خليعة
( لاتكن مبالغا يا يونس ....فالساعة الحادية عشر فقط كما ان بنطالها الازرق هذا القميص الوردي ليسا خليعين ابدا)
ومع ذلك كانت انفاسه تتهدج غضبا وهو يفكر ( تري هل يعرف الحاج منصور بخروج احدي فتيات منزله لهذا الوقت.......)
وما زاد من غضبه حين التفتت لتراه يقف هناك ...وبدلا من ان تغض بصرها كأي فتاة مهذبة...حملقت فيه وكما بدا تعرفت عليه ...لذا رفعت يدها ملوحة له بذراع ملئ بالاساور البلاستيكية ذات الالوان المبهرجة حتي ان صوت قرقعتهم وصل اليه في وقفته....ثم التفت ببساطة لتدخل المنزل.
( لا لاهذا لايليق ابدا .....سأخبر الحاج غدا عن تلك الوقحة...فكما يبدو هي بحاجة للتأديب)
قبل دقائق .....دخل الحاج منصور للبيت الكبير ليفاجئ بمشهد اثار داخله بعض الدهشة والريبة
كانت سيدات البيت وفتياته بآكمله مجتمعات في الردهة الامامية فسلم بصوته الثابت ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته....متجمعين في بيت الله الحرام)
فآمن السيدات خلفه وهن ينتفضن واقفات ....بينما هزيمة تقترب بوجل وهي تهتف ( بارك لنا في عمرك ياحاج....لنذهب لغرفتنا لترتاح)
لكنه رفع يده لها ان تنتظر وهو يسأل بصوت غامض
( اين بتول...وهانيا؟)
عم الصمت لثوان كانت كافية لان يستنبط منصور ان هناك خطب ما....
كانت او من قطع الصمت هي سهر التي اجابت
( بتول مع زوجها بالاعلي لانه الوحيد الذي لم يذهب للمقهي...بينما هانيا نائمة منذ فترة)
لم ينظر منصور لمن تكلمت ولكن ظلت عينيه تتجول في الوجوه التي لم تعتاد الكذب او المداراة ....
تنهد بصوت عال وهو يقترب من احدي الكراسي الجانبية ليجلس وهو يقول بغموض
( حسنا...اشتقت لجلسة مع فتياتي...لذا اجلسن لنسهر لبعض الوقت)
وكأن هانيا وحبها للظهور لم تجد وقتا افضل من هذا لتدخل من الباب....
لم يكن في ملابسها مايشين لكن مع زينة الوجه التي صمم ساجد انها يجب ان تضعها حتي تتألق تحت اضواء مسرح المقهي...وبين قصاصات الورق الملونة التي التصقت بشعرها القصير بعد احتد التصفيق حين انهت وصلتها الغنائية علي مسرح المقهي....كل تلك العوامل جعلت مظهرها مريب.
اقتربت منها رقية تسأل بغضب ( اين كنت....كيف تخرجين دون اذني)
اجابت هانيا ببرود جبلت نفسها عليه حتي لاتنهار امام والدتها
( كنت في عيد مولد احدي صديقاتي....)
ثم ابتسمت بسخرية وهي تستطرد ( اوه عفوا اردت الاستئذان لكنك كنت تحادثين ابي علي الهاتف....فلم ارد مقاطعة لحظاتكم الثمينة)
قبضت رقية علي ذراعي ابنتها بغل وهي تهتف وقد فقدت كل قدرة علي التحمل
( ماذا فعلت في حياتي....لارزق بعاقة مثلك كأبنة)
اقتربت هانيا من وجه امها تهدر بصفاقة ( وماذا فعلت انا في حياتي لارزق بديكتاتور مثله كأب)
للحظات لم ترد رقية غلي نظرات ابنتها المتحدية قبل ان تهمس بارهاق واضح
( لا هذا كثير علي والله....سأهاتفه غدا وارسلك اليه ليأخذك لعنده يعيد تربيتك)
وقبل ان ترد هانيا جاء الصوت الثابت من نهاية الغرفة....صوتا لم تلحظ هانيا صاحبه قبل الان
( ترسليها لابيها ليعيد تربيتها....!هل عدمتني! ام اني اصبحت عجوزا بلا فائدة؟)
اسرعت رقية تقترب منه بجزع ( لا خالي اعذرني...لم اقصد هذا ابدا...)
رفع منصور يده يقاطع رقية ونظراته تتجه لهانيا قبل ان يقول بصوت غامض
( وانت يا فتاتي المتمردة...سأعيد تربيتك من جديد...حتي تتعلمي ان هناك فارق كبير بين المتمرد والثائر لقضية)
رغما عنها تلاعب بها شيطان الوقاحة لترد بغرور
( كيف ياجدي ستربيني! هل ستزوجني لرجل يقهرني كالافلام القديمة)
شهقات استنكار وخوف انطلقت من اناث العائلة بينما رد فعل منصور كان.....انفجار في الضحك
انهي ضحكاته التي لم يشاركها فيها احداهن وهو يمسح جانبي عينه ويتنهد...ثم اقترب حتي اصبح الفاصل بينه وبين هانيا...شعرة
صوته كان متسليا اما عيناه فكانت اياتا قوة
( لم ارم يوما بمسئولياتي لغيري....) اصابتها ارتجافة خوف وهو يستطرد
( ومن هذه اللحظة يا هانيا يا ابنة ابراهيم....اعادة تربيتك ...مسئوليتي)
دخلت مهيرة للقاعة الواسعة في شركة والدها الضخمة بخطوات.....صاخبة.
لم تكن مهيرة يوما كشبيهاتها من بنات اصحاب الأموال والاصول العريقة..... لذا كانت تأسر عيون شباب الشركة البسطاء.... وكأنها تخبرهم " أنا حلم ليس بمستحيل"
طرقت باب مكتب والدها السيد راجي العيساوي رئيس مجلس إدارة تلك المؤسسة الضخمة ..... تعرف ان المواجهة لن تكون سهلة ولكنها كما كانت دوما علي قدرها.
دخلت تهتف بمرح ( السلام عليكم يا سيد راجي) كانت تمازحه كعادتها ولكن ما ان وقعت نظراتها علي الجالس علي الأريكة مطرقا حتي شهقت وهي تندفع اليه تحتضنه بقوة إعادته للخلف خطوتين
( ابي حبيبي افتقدتك كثيرا كثيرا..... انت هنا؟)
لم يرد علاء وهو يعيدها الحضانه مقبلا قمة رأسها بحنان
وقف السيد راجي ليقترب نازعا إياها من احضان علاء بمزاح لايخفي الغيرة في نبراته
( هو ابي حبيبي وانا السيد راجي صحيح!)
ضحكت مهيرة وهي تحتضن هذا مرة وذاك مرة بسرعة وتتابع.
كان اول من قطع هذا الجو المازح هو علاء الذي سأل بصوت عميق
( لقد تلقيت مكالمة من احد أصدقائي في السفارة المصرية يخبرني ان ابنتي تورط نفسها في المشكلات ثانية)
لم ترد مهيرة ولكن الرد جاء من السيد راجي الذي هتف حانقا
( مهيرة .... ما الذي فعلتيه هذه المرة ليأتي علاء جريا لمنعك التورط)
رفعت مهيرة رأسها عاليا بفخر وهو تعلن بثبات
( لقد تورطت منذ زمن حين اختطفتني تلك العصابات لينقذني أباً علمني ان السعي خلف حاجات المظلومين هي الهدف الاسمي في الحياة(
التفتت لعلاء تهمس بإبتسامة ( لقد غرست بي قيم لن احاول اليوم التنازل عنها أبدا)
اجاب علاء وهو يحتضن وجهها بكفيه ... لا يراها تلك الشابة خريجة أفضل الجامعات في علوم الانسانية... يراها تمريته الصغيرة التي احتضنها طفلة
( لكن ماتسعين خلفه هذه المرة ليس بهين تمريتي.... عصابات تجارة الأعضاء غالبا تكون مسنودة بأهم الأسماء)
أجابت بتحد ( وانا خلف تلك الأسماء حتي أسقطهم جميعا..... ولهذا سأسافر.... لأتتبع خيوطهم)
كان يعرف تلك النظرة بعينيها جيدا.... نفس نظرة توبجيته التي زرعتها فيها بأموالها الثائرة لسنوات قبل ان تعود لكنف عائلتها الحقيقية
تنهد مستسلما وهو يؤكد ( قد نوافق علي سفرك..... لكن بشروط)

عانق اشواك ازهاريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن