١-زهرة الليزانثس.

146 12 9
                                    


النّفس البشرية طمّاعة، لطالما إتسمت بهذه الصفّة سواءًا بغضنا الأمر أم إستصغناه، وعلى هذا فإن الروح تشقى وتهلك باحثةً عن سقيا لمطامع النفس، باحثةً عن مخرج من الأفكار التي تُختلق في النفس، لطالما كانت النفس تطمَع ولا تكتفِ

إلّا إن حلّت فاجعة أو شقاء يعتليها طوال أمد مديد، فحينها فقط ستروّض كفرس هائج سقط ليهدأ من جديد.

لطالما ظللت أحلل النفس البشرية، أنتقدها وأذمّها، وكأنه مسلّم أمري، ولكن في نشوة الأمور، أجدني أنصاع لها، أنصاع لطمعها ودناءتها، والأمر سيّان على السنين ومهما كانت الحلول، ولا أستطيع إلقاء اللوم على حالي، فحينها سيكون عذري أقبح من الذّنب نفسه.

عشت في بيئة تخرج فيها مطامع النّفس على أوجها، نبلاء؟ هراء، ظننت المسمى كنايَة عن الشهامة ورقيّ الأخلاق وعظمة الخيارات في الأمور، أما الآن فأصبح مرمى القذارة، تملك المال فأنت نبيل، أخلاقك لا تباع بالبخس الواحد.

حتى أن مدرستي والتي حازت على الأفضلية في البلاد ينصّ قانونها على التفرقه بين الطلاب ذوي مراسم الدفع والآخرين ذوي البعثة العلمية عن طريق الأزياء، بحق الله ما الفائدة المستخرجة من قرار ساذج كهذا غير التفرقه وتعزيز العنصرية المبتذلة بين مختلف الطبقات؟.

ولكنني بالرغم من كل إستنكاري المستميت، لازلت أنصاع لنفسي ولا زلت، وشخص عنيد قويّ مخيف يملك الجرأة للوقوف أمامي لا يزيد في الطين إلا بلّه، كلما رأيته إهتاجت نفسي الحيوانية، إهتاجت رغبتي في إذلالة وتبديد قواه أمام الجميع في ثوانّ،اللعنه عليه ذلك الغُراب! ومن غيره؟ ماريا؟

-أورلاندو؟

جفلت للحظه ونهضتُ من شرودي لإلتفت لمصدر الصوت، والذي كان يصاحبه أزواج من العيون المترقبه، تكلّفت بإبتسامة صفراء لأبادلهم أطراف الحديث والذي تصبّرت إنتهائه بيأس، كيف لا وهم مجموعة أشخاص يطمعون مالك، يغدرونك طنعًا في ظهرك، كلّما تشنّجت عزيمتك على شفا الهاوية ترقبوا سقوطك وتمنّوا دفعك.

-فكما تعلم، أنت طالب أولويّ لذا لك الإمكانيه في إقراضي بعضًا من المال،صحيح؟

نهضت من شرودي للمرّة الثانيه على ذات الأمر الذي سرحت فيه، تنهدت وتأففّت بتململ، أعدت رأسي للخلف مخلخلًا أصابعي النحيلة في شعري الأشقر بغرور بالغ

-ألم أقرضك الأسبوع الفائت ألفي دولار؟ أين ذهبت؟ هباء منثورًا؟.
-لا! ولكن تعلم المشاكل الماديـ-
-أرى على صدرك شعار طلاب الاولويه؟ الا يعني هذا أنك تملك المال الكافي بما أنك دفعت رسوم المدرسه بالفعل؟

قلتها بسخرية ونظره حادّة، نهضت بسخط مسقطًا الكرسي من خلفي، أترجل خارج الفصل الكريه، فعليًا أنا أكتفيت، ظللت أتنهد مرارًا وتكرارًا، أمرر أصابعي في شعري مرارًا وتكرارًا، أحرك الخواتم التي أعتلتها تارّةً وأضع كفاي في جيبيّ تارّةً أخرى.

كدت أتنهد للمره الألف لولا الكتف المألوف الذي أصطدم بخاصتي، كاد يعتذر لولا أنه لمح ملامحي وتعرف عليها ليخرس بوقاحة، وحسنًا أنا لا املك موقف قويّ هنا سوى كوني أمام الإدارة، لولا هذا فلا مساواة بيننا، جسدي هزيل وخاصته أهلكته التمارين، مع فارق الطول البسيط، يرجح كفته أكثر.

ولكن ماكان يرجح كفتي دائمًا، هو امتلاكي للمال، عكسه هو، امتلك المال وستملك القوة الغبيه.

زهقت بوقاحه لاتبع قولي

-ظننت أني أصطدمت بنفاية، أعذرني.

لكمَة توسّطت خدي الأيمن لتطرحنِي أرضًا، زهقت ضاحكًا عندما أدركت وجود كدمات عميقة تعتلي وجهه الأسمر، وهذا أشار على نجاح خطتي التي لطالما إتسمت بالنّجاح.

-يبدو أن حاشيتي التي ترعاها أموالي لم يحسنوا تربيتك رغم إعطائي لهم الكثير من المال!يا صاحب البعثة الفقيرة!.

شددت على حروفي الأخيرة لأشعل فيه فتيل الغضب، وثب عليّ لينهال بالضرب الذي إستحال على قدرتي تجنبه، ورغم هذا أنا شعرت بالرضا عندما رأيت وجهه يعلوه الألم.

شدّ يده ليلكمني لكمة حملت آخر قواه، ولكنه وجهها للأرض بجانب خدّي المتورم، مما دفعني لأزهق ضاحكًا مرة أخرى، هل أغضبته للدرجه التي جعلته يفقد صوابه وتركيزه؟

هذا فقط مافعله قبل أن ينهض تاركًا إياي بلا أن ينبس ببنت شفه، مسحت الدماء التي عانقت طرف فاهي بقرف، اللعنه عليه ذلك الهائج، نهضت بصعوبة لأرى الطلاب من طرفي الرواق لا يكفّون النظر، توقفت بتهديد رافعًا إحدى حاجباي ليغيروا وجهاتهم.

يبدو أنهم لا يملكون من الأحداث سوى نزاعي أنا وماريا الذي لا ينتهي إلا بنفاذ أنفاس أحدنا قبل الآخر، أو هذا ما ظننته.

شارفت الشمس على المغيب، وكشخص إعتلته علامات الضرب المبرح، سأتعلق بكلّ منها كعذر يمنعني من إكمال الإستماع للهراء الذي يتلى على مسامعي طيلة الصباح وحتى المغيب.

عبرت مُختلف الطّرق وهممت أقطع كل سبيل لا يُرتسم ولا يكتظّه أنفاس البشر، كساعة خلوه مع نفسي، كشخص يكاد يحتمل ثقل الأرض بينما نفسه لاتقوى أحتمالًا.

كادت تكون سويعة مرّت على معابري كالدقيقة الساهيه، ولكنّها تجمدت فور رؤيتي لتلّة صماء تعلوها شجرة عريقة ملؤها البأس الشّديد، غريقة بأزهار الليزانثس الحزينه، لعلّها كانت موضع عاشق هجَره حبيبه وتركه مع حبّ عقيم كسير.

ولعلها أيضًا كانت موضع ضائع يائس يتمنى الخلاص، يكافح على شفا هاوية منتظرًا أكفًا دافئه تدفعه لأرض النعيم بعيدًا عن موضعه من الجحيم،

لعلّه يدعو، ودعائه إثر صدقه أستجاب.

دَارَة الشمس وهَالَة القمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن