الحياة عبارةٌ عن مصادفات .....
🎬🎬🎬🎬🎬
في ليلة ماطرة .... يركض الجميع واضعاً يديه على رأسه ليحتمي من قطرات الماء .... و في أحد الزوايا ... تقف فتاة صغيرة السن بثياب بسيطة تمد أناملها الرقيقة تحت المطر ... تبتسم ثم تنظر الى السماء الملبدة بالغيوم ... يمسك بيدها أحدهم قائلاً: خديجة ... ما بكِ؟" تلتفت له ... ليردف " قائلاً: بمَ أنتِ مشغولة البال ؟
خديجة : عمي أحمد ... هل سنذهب الآن ؟
أحمد : نعم ... " ينظر الى عينيها الفرحتين .... ثم يسيران"
خديجة : قد بدأت الأمطار بالهطول .... عمي أحمد ... ألم أولد في مثل هذا اليوم ؟
" يسير أحمد وهو يستعيد ذكريات ذلك اليوم .... في يومٍ ماطر ... كان يجلس في الخارج ينتظر ولادة زوجة أخيه الأكبر خالد .... فهو أول مولودٍ له بعد خمس عشرة سنة ..... كان لا زال في الثانية عشر من عمره عندما أوصاه أخاه على زوجته و مولوده الذي في بطنها قبل أن يجند اجبارياً في الجيش العثماني ... كانت الحرب في نهايتها حين ... " تقطع حبل أفكاره الطفله التي لفت انتباهها صاحب سكاكر ملونة لتشير بيدها "قائلة : ها هي السكاكر التي أخبرتك عنها يا عمي " تركض باتجاه الدكان قاطعة الطريق غير مبالية بشدة المطر تشير الى الحلوى من خلف الزجاج قائلة : أريد من هذا ...
أحمد " يضع يده في جيبه ليخرج المال ... ليجد بأن ما جناه لا يكفي لشراء خبز حتى " : خديجة ... هيا سنتأخر على الشاحنة
خديجة : لكن .... أريد ان أشتري من هذه الحلوى ... تنظر لها بشغف .... واضعة يديها على خديها .. ثم تقول متنهدة : هاه ... لا مشكلة عندما أكبر سآتي الى هذا المحل و اشتري من هذه الحلوى .... تسكت لبرهه ثم تقول : عمي
احمد " وهو يسير ": اممممم
خديجة : هل يمكن ان تمطر السماء في يوم من الأيام السكاكر ؟
يبتسم أحمد ملتفتاً لخديجة : ها قد وصلنا الى الشاحنة هيا يا جميلتي " يحملها قائلاً: أوبا ....ثم يتسلق الشاحنة المزدحمة بالناس العائدين الى قراهم
************************************
يُطرق الباب ليُسمع صوت أحدهم .... ها أنا قادمة " امرأة في العشرين من عمرها ممسكة ظهرها يبرز بطنها أمامها " تفتح الباب : لقد وصلت أخيراً ... ولِمَ تحملُ خديجة هاه !... ستعاني من آلام في الظهر
أحمد " يدخل ...ثم يضع خديجة على الفراش": لقد تعبت اليوم معي يا شريفة
شريفة " باستهزاء": تعبت .... " ترفع صوتها "يجب أن تعمل ... اتعيش بيننا هكذا بالمجان
يقاطعها أحمد بنفس علو الصوت : لا تنسي بأنني يتيم و اخي من رباني ...." يشير يده لها قبل ان تتحدث "... أغلقي الموضوع ... لا اريد التحدث به اكثر فأنا منهك ....
تفتح ذلك الكيس الذي وضعه جانباً"تصرخ متفاجئة ": ما هذا الطعام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ؟ الا تدرك بأنني امرأة حامل و لديك ولدان ..." تضع يديها على خصرها" : أم اطعمت هذه الفتاه اللعينة طعام الأولاد ؟
أحمد" يُسند ظهره بعد أن كان متكئاً": ما الذي تقولينه ..... انا و هي لم نتناول سوى رغيف الخبز الذي اعطيتنا اياه في الصباح الباكر ... "يرفع سبابته لها محذراً" اياكِ ثم اياكِ أن تنعتي ابنة أخي باللعينة مرة أخرى أفهمتِ؟.... هذا الطعام" مشيراً له " الذي لا يعجبك مقدار ما تنتجينه من سلال في البيت و البيض و بعض الثمار الذي في حقلنا ..." يدير وجهه ليرجعه " قائلاً : هاه ولا تنسي بأن لخديجة نصيبٌ من ذلك الحقل
شريفه : هاه .... انت تعلم بأن ولادتي قد اقتربت ... لذلك اترك خديجة عندي لتساعدني في صنع السلال ... حتى ننجز أكثر و نستطيع جلب طعام اكثر من هذا
أحمد " بنعس " حسنٌ حسن .... الصباح رباح
************************************
في صباح اليوم التالي ...... كعادتها تستيقظ خديجة لتوقظ عمها و زوجته و تصلي الفجر .... ثم تخرج لتحضر البيض و تنظر الى شروق الشمس ....
خديجة .... خديجة أين انتِ؟
خديجة : ها انا قادمة خالتي .... " تركض بسرعة لتسقط على الأرض قبل وصولها الى البيت تركض شريفة لتجد خديجة واقعة على الأرض و البيض مكسور ... و بسرعة تهم عليها لتمسك بأذنها قائلة : كم مرة قلتُ لكِ و أنتِ تأتين بالبيض انتبهي ... هاه
خديجة " بتلعثم ": لللللمممممم أقصصصد ذلك
أحمد " يخرج من البيت .... بفزع ": ما هذا ؟! ما الذي تفعلينه يا امرأة " يمسك خديجة و يحضنها بين ذراعيه "
شريفة " رافعةً حاجبها و هي متخصرة ": هذه الفتاة التي تدللها الآن كسرت فطور أولادك " رافعةً صوتها " من أين نحضر الآن طعاماً لأولادك ؟هاه
أحمد " يقفُ مقابلها ": أولاً أخفضي صوتك ثانياً و هو الأهم ممنوع منعاً باتاً أن تلمسي حتى شعرةً منها " بصوتٍ عالٍ " مفهوم " يحمل خديجة التي تبكي بين ذراعيه و يهم بدخول البيت " ....
ينتهون من الفطور ... يخرج أحمد للعمل تاركاً خديجة مع زوجته لتساعدها .... يقابل أحمد صديقه ماهر لينطلقا الى العمل ....
شريفة : أين أنتِ يا مقصوفة العمر ؟
خديجة " بتلعثم ... مطأطئة الرأس واضعة يد على الأخرى ": ها أنننااااا يا خالتي
تقف شريفة من على الطعام بعد ان انتهت و لعقت أصابعها واضعةً يدها خلف بطنها قائلةً: هيا ايتها اللعينة عجلي لتصنعي السلال .... ولكن قبل ذلك خذي البيض من تحت الفراخ و اجمعي بعض الثمار و اذهبي لبيعها لأهالي القرية .... هيا هيا
خديجة " مسرعة المشي ": حاضر خالتي
تمشي خديجة بين تلك الزقاق الضيقة تنادي على البيض والثمار التي معها تحت زخات المطر ... لعلَّ و عسى أن ياتيَ احد لأخذ شئ من يدي هذه الطفلة الصغيرة ... تسمعُ صوت أطفالٍ صغار .... لتنجذب الى صوتِ رجلٍ كبيرً في السن يرتل القرآن و يردد بعده الأطفال .... تضع ما في يدها جنياً لترفع قدميها و تنظر عبر الشباك الصغير ... لكن لا فائدة فهي قصيرة على ذلك ... تلتفتُ يميناً و يسراً فتجد أحجاراً .... تجمعها فوقَ بعضها البعض ثم تنظر من الشباك ... وضعت يديها على خديها تفكر .... هل لو كنتُ ولد لأتيت الى هذا المكان و لتعلمتُ مثلهم ؟.... و فجأة تسمع صوت أحدهم يقول : يا فتاة ماذا تفعلين عندك ؟
تنزل احدى قدميها على الأرض فتلتوي و تقع على ركبتها .... ينطلقُ ذلك الشاب الوسيم لمساعدتها على الوقوف .... ينحني ليرى ركبتها التي تنزفُ دماً...قائلاً: انظري ما الذي فعلتيه ... لقد اصبتِ .." تُبعد قدمها عنه قائلةً " وهي مرتبكة ": لقدددد تأخررررتُ كثيراً "تحمل سلتها لتذهب ... يمسكُ بيدها الصغيرة " قائلاً: الى أين يا صغيرتي " تقاطعه " قائلةً: أنا لستُ صغيرة أحد ... و قد نبهني عمي الا اكلم الغرباء " رد عليها " قائلاً: سأداويكِ أولاً ثم ارحلي هيا فعيادتي قريبةٌ من هنا
خديجة : عيادتك؟! و لكن لا يوجد عياداتٌ هنا ...
ابتسم قائلاً: انها ليست بعيادةٍ كبيرة ولكن فيها كل شئ يلزم
خديجة : هل أنتَ طبيب؟
....... : الى حدٍ ما ... سوف أكمل ان شاء الله ... هيا كفي عن الأسئلة و تعالي معي الى العيادة " يمسك سلتها بيد ... و يدها بالأخرى "
.... : ها قد وصلنا... هيا اجلسي " يحضر لها كرسي " كي أضمد لكِ جرحكِ..." و هو يضمد الجرح " : هاه لم تقولي ما اسمكِ ؟ و كم عمركِ ؟
خديجة : لن اقول لكَ اسمي ... أما عمري فعمري بالأمس اصبح عشرُ سنوات..... و انتَ ... ما اسمكَ ؟
...... : لن أخبركِ باسمي و لكن سأخبركِ بعمري أنا عشرون سنة
خديجة " متعجبة الوجه " : أوه أنتَ أكبرُ مني بعشر سنين أي أن عمركَ كان عشرة عندما ولدتُ أنا
...... : هاه ... انتِ جيدة بالحساب ! ممتاز ... هاه انتهينا من تضميده ... قولي لي هل تذهبين الى المدرسة
خديجة " تضحك" : لا طبعاً .... فالتعليم هنا للصبيان لا للبنات... اوه لقد تأخرت و خالتي ستعاقبني ان لم ابع ما في السلة ...
..... : انتظري انتظري ... هذه السلة لن تخرج من هنا فأنا احتاجها ... خذي سأعطيكِ المال ...
خديجة : لا لا اريد ... فهنا لا نتعامل بالنقود
...... : بماذا اذاً ؟
خديجة : مثلاً أُعطيكَ بيضاً تعطيني رغيف خبزٍ و هكذا ....
...... : أها .... اذاً خذي هذه .... و تعالي كل يوم و أعطيني السلة هذه الى ان أغادر
خديجة " فرحة ": كلَ هذا .... " وفجأة تقطبُ حاجبيها " ولكن الى أين ستذهب ؟
....... : الى لبنان .... فهناكَ سأُكملُ تعليمي
خديجة : أوه .... و أين هذه البلاد ؟
........ : في شمال بلادنا "يؤشر " أه و كل يوم ساعلمكِ شيئاً جديداً من كتابة و حساب
خديجة " فرحة ": شكراً لكَ يا " بيك"
...... : العفو أيتها الأنسة الصغيرة
تخرجُ خديجة من عنده و كأنها تحلقُ كطير .... لم تشعر بقطرات المطر التي تسقطُ عليها .... مسرعةً الى بيتها ... تفتح الباب " صوت الباب يُسمع "
شريفة " باستغراب" : أراكِ فرحة؟
خديجة " بعد أن مُسحت من على شفتيها ابتسامتها ": نعم فلقد بعتُ كل ما كان في السلةِ و حصلتُ على كمية كبيرة من الطعام مقابلها
شريفة " رافعةً حاجبها " : أرني ...."تلاحظ الضماد على ركبتها ": ما هذا يا فتاة ؟
خديجة " مرتبكة ": ممممماذااااا؟
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
أتمنى أن يكون هذا الجزء قد نال اعجابكملا تنسوا
Vote +comment
أنت تقرأ
ألوان مزيفة
Mystery / Thrillerقصة تدور احداثها بعد نهاية الحرب العالمية الأولى التي انتهت بخسارة دول المحور التي كانت من ضمنها الدولة العثمانية " كانت تلقب آن ذاك بالرجل المريض" بعدها قُسمت الدول العربية لتقع فلسطين و مصر و الأردن و غيرها من الدول العربية تحت وطأة الانتداب البري...