1

76 5 4
                                    

سارت المربية لارا جايك تجر اقدامها بخطى متثاقلة على الطريق المؤدي إلى بيت الطفلة التي كانت مسؤولة عنها، و التي ماتت الاسبوع الماضي، لقد كانت عائدة من مركز شرطة قرية سينت ميد رود و طلب منها المفتش المسؤول عن القضية عدم ترك القرية حتى انتهاء التحقيق الروتيني.
إن لارا كانت واثقة من أنها لم تكن مهملة ازاء الطفلة فوبي، فقد كانت عادة الفتاة ان تركض يومياً مسافة نصف ميل حتى تصل النهر، و تسلك ذلك المعبر الخشبي القديم المهترئ لتنظر إلى الطيور المائية و الى ما كان يتجمع من الحيوانات الأليفة الجميلة حول الأشجار القريبة من ذلك النهر .
كيف كان للارا أن تعرف بأنها ستسقط يوماً ما من ذلك المعبر الخشبي القديم، و تموت في النهر، و لكن في الواقع أن لارا حزينة جدا، فأن السنتين التي قضتها مع فوبي كانت كفيلة لتجعل بينهما أطر علاقة وطيدة؛ علاقة يمكن أن ترسم على أنها علاقة الأخت بأختها الصغيرة، و لكن ما فائدة هذا الآن، لن يصدق أحد شعورها السليم هذا، لقد سقطت في بئر مظلم ليس له مخرج؛ بئر أسود تشوبة رائحة العار .
لكن دعونا قليلا ننظر إلى الجانب المشرق و الإيجابي ، لقد فتحت الشرطة المحلية ملفا للتحقيق في قضية موت فوبي و هذا معناه أن من الممكن بأن أحدا ما قد دبر لموتها، و هذا يزيل بعض الهم من على كتفي لارا .
فكرت لارا، ما الذي سيحمل أحدا على قتل فوبي، لقد كانت فتاة ثرثارة لا تترك أحدا في حاله ، و لا تترك سرا حتى تكشفة أو تلمح ألية حتى ينكشف من تلقاء نفسه، أليس هذا دافعا لقتلها ؟
شخص ما أحس بأن فوبي قد عرفت ما لم يكن لها أن تعرفة، و بأنها كانت ثرثارة تستثار بتفوة الأشاعات و نقل أخبار الآخرين .
هل هذا يكفي لأن تكون لدينا جريمة؟ إن فوبي سقطت من المعبر الخشبي، و لم يكن بقربها أحد استناداً إلى إفادة الشابة راشيل كوثبيرت التي كانت حاضرة هناك لتطعم الحيوانات المائية بالخبز، كما قالت في جلسة التحقيق، و استناداً الى افادة أخرى من شخصين قد شاهدا الحادث من مسافة بعيدة فأن راشيل كوثبيرت لم تقترب من الفتاة كما قالت ذلك للقاضي في جلسة التحقيق .
كان القاضي قد بدأ جلسة التحقيق مع الفتى بيلي ماكسيميلين الذي حاول انقاذ فوبي و قفز في النهر ورائها ما أن سمع صرخة راشيل كوثبيرت و إشارة يدها إلى النهر . و بدا بيلي ماكسيميلين للارا ذا وجة وسيم نقي جعلة مألوفا لها و كأنها رأتة في مكان ما سابقاً .
سأل قاضي التحقيق بيلي ماكسيميلين بصوت هادئ : اشرح لي القصة بالتفصيل لو سمحت يا سيد ماكسيميلين .
و تذكرت لارا مقتطفات من حديث بيلي و كيف أنه كان يريد العبور على النهر لزيارة أحد أصدقائه المرضى في المشفى ، و كيف شرح تفاصيل الحادثة قبل و بعد و كيف أخرج الطفلة إلى البر جثة هالكة .
و تابع القاضي في التحقيق : هل اندفعت لتنقذ الطفلة فور رؤيتك لها و هي تسقط أم أنك سمعت صرخة الآنسة كوثبيرت و على أثر ذلك عرفت ان هناك خطب ما ؟
و أجاب بيلي : لقد سمعت صرخة الآنسة كوثبيرت، و رأيتها تشير لي بيدها نحو النهر و فور أن أتبعت عيناي اشارة يدها رأيت الطفلة تغط في المياة .
- ثم قفزت في النهر لتنقذها،  هل كانت ميتة عندما امسكتها في الأسفل تحت المياة ؟
- لم أدرك ذلك،  أقصد لم أكن بوعي يتيح لي أن استشعر بهذا،  فكان كل ما ادركة هي محاولتي أن انقذها و أخرجها من المياة سالمة .
- حسنا،  ماذا حدث بعد ذلك؟
- لقد خرجت من النهر و انا احملها على الجرف ، ثم وضعتها على أرض اليابسة، و حاولت اسعافها لكنها كانت ميتة على ما بدى .
ثم انتقل التحقيق الى راشيل كوثبيرت، و أشار لها قاضي التحقيق أن تحكي القصة كاملة، و تفوهت راشيل بشيء من التردد و الرهبة : لقد كنت في حالة تستدعي أن أخرج من البيت و قضاء بعض الوقت في التنزة ؛ فخرجت ثم اقتربت من النهر، و بدأت اوزع الطعام على البطات في مياة النهر من الخبز الذي حملتة لهن .و بعد حين جاءت الفتاة الصغيرة تركض، ثم عبرت المعبر الخشبي ، ثم حدث كل شيء بسرعة؛ أولا علقت قدم الفتاة بأحد القطع الخشبية المكونه لذلك المعبر، و كانت خائفة و تبكي، الطفلة المسكينة، ثم سقط جسدها كله في النهر، لقد بقيت مذهولة لثواني و لم أعرف ما افعلة سوى الصراخ، ثم لمحت السيد ماكسيميلين قادما من خلفي، و ركض نحو النهر ثم قفز لينقذها لكن حينها قد فات الأوان، للأسف .
- و كم هي المدة التي استغرقها السيد ماكسيميلين لأنقاذ الطفلة؟
- أظن أنه كان تقريبا أقل من ثلاثة دقائق .
- و عندما طرحت الفتاة الميتة على الأرض، هل حاولت ان تسعفيها ؟
- لا لقد كان السيد ماكسيميلين و جمهور من الناس الآخرين يقومون بذلك .
و بعد ذلك جرى التحقيق بشكل روتيني، و بوجود والد فوبي كريك هاورد و زوجتة اروين هاورد في المنزل فإن لا فائدة لذكر افادتهما على وجه التحقيق العملي للحادث .
عادت لارا بخيالها للماضي لتتذكر بعضا من الحوادث و ردات فعل عائلة فوبي عليها، ماذا رأت طفلتنا فوبي عندما أطلت لارا تنظر نحوها من نافذة الطابق العلوي،  حيث كانت تستعد لتجمع العاب فوبي و تنطلق نحوها، و لحاجة ما في نفسها أرادت أن تطمأن على فوبي فأزالت ستار النافذة و أطلت تنظر الى فوبي، و كانت فوبي تلعب في حديقة المنزل الأمامية، و إذ بها ترى الفتاة ساكنة النظرات و عيناها شاخصتان بأندهاش نحو باب المنزل . حتى أنها لم تسمع نداء لارا لها .
و هذا ليس فقط ما رأتة لارا في ذلك اليوم فقد رأت شيئاً خطيرا آخر بوقت لاحق، و هذه المرة لم يكن الأمر يخص سلوك الفتاة، فخلف الشجرة الكبيرة في حديقة المنزل تلك أنتصب ظل اسود لشخص بدا و كأنة يراقب فوبي، و لكن فوبي لم تكن منتبهه لوجودة .
أكان هذا الشخص هو السيد هاورد و أن خيال لارا ابتعد قليلا؟ً هل هناك علاقة بين الحادثين السابقين؟ و السؤال الأهم هل لهما علاقة بموت فوبي؟ .
تمنت لارا لو أنها كانت قد اهتمت أكثر بهذه الأمور، لكنها في السابق لم تكن كما الآن، لم تتصور يوماً بأن فوبي ستموت، و كانت تعطي أسبابا طبيعية لكل تلك الحوادث الغريبة . فمثلاً عندما رأت ذلك الظل اعتقدت بأنه والد الطفلة السيد هاورد و اعتقدت أيضاً بأنها رأت وجهه؛ رغم أنها الآن متأكدة بأنها لم ترى سوى ظل .
و سار خيال لارا نحو زوجة أب فوبي السيدة اروين هاورد، كيف دخلت على حياتهم؟ لقد تزوجها السيد هاورد منذ سبعة أشهر، و يبدو أنه قد تعرف اليها في احدى الحانات الليلية، و هي شابة جميلة في منتصف الثلاثينات و ذات شخصية منعزلة فتبدو أحياناً قوية الشخصية بما يصب انعزالها عن  الآخرين أن تكون بعيدة عن الأنظار مما يعطيها الشخصية المتعالية القوية، فهي لا تهتم بالتخالط مع الناس في قرية سينت ميد رود، و لارا لا تتذكرها يوماً قد تحدثت معها بحديث قد يصل لأكثر من خمس دقائق، و لكنها دائما تتذكر ذلك الحوار القصير بينهما في غرفة الجلوس حيث كان الجو ممطرا و كانت فوبي نائمة، فجلست لارا عند الموقد قليلاً و لاحظت شرود ذهن السيدة هاورد، و فجأة انطلقت شفاهها تحدث لارا و قالت : ترى منذ متى و انتي تعملين كمربية؟
- في الواقع هذه المرة الأولى التي اعمل بها مربية، أن الدراسة تتطلب الكثير من المصاريف المالية و عائلتي من العوائل ذات الدرجة الاجتماعية المتوسطة، لذا حاولت أن اعتمد على نفسي .
- هذة مهارة منك، أنك تذكريني بأيام شبابي رغم أنه لم يمر الزمن الطويل عليها .
- هل عملتي كمربية ؟
- كنت أتمنى أي عمل، لكني كنت طائشة و لا أفكر سوى بالطرق الأسهل لكسب المال .
- حسنا اذن و كيف كنت تحصلين على المال ؟
- هذا ليس مهما، كنت أود سؤالك عن والدة فوبي، هل كنت تعرفيها ؟
- لا ، لقد عملت هنا بعد موتها بشهرين، و كنت أتذكر كيف كان الناس في سينت ميد رود يتحدثون عن الحادث وقتها، لقد كان حادث سيارة مروع على طريق في مقاطعة ويستلاند .
- لم يحدثني كريك عن موتها يوما، كنت أعلم بأن موتها كان مأساويا، لكني لم أكن أعرف أية تفاصيل عن هذه الحادثة .
- يقال بأنها كانت على خلاف مع السيد هاورد وقتها، لذا كانت تبكي أثناء قيادتها للسيارة، و قيل بأن دموعها غطت عينيها مما جعلها تفقد السيطرة على قيادة السيارة و صدمتها بعنف بعارضة الطريق الجانبية التي تنتشر في ذلك الطريق في مقاطعة ويستلاند .
- أوة، و هل ماتت على الفور ؟
- أجل، لقد قال الطبيب بأنها ماتت أثر الاصطدام المفاجئ للسيارة مع عارضة الطريق، و بعد ذلك حدث نزيف داخلي لجسدها، جعلها تموت على الفور .
- ترى كيف كانت الحال مع كريك بعد موتها ؟
- أنني أتذكر حالة السيد هاورد جيدا، عندما بدأت العمل هنا، لقد كان حزيناً متذمرا طوال الوقت، و كان لا يقضي وقتا كافيا مع ابنتة، كان فقط يجلس معنا على العشاء، و لا تجد منه فوبي أي حديث معها، غير "كلي طعامك يا فوبي، لا تصدري الأصوات أثناء العشاء"، و يوجة كلمتة الأخيرة دائماً لي حيث يقول "أرجوك يا انسه جايك اهتمي بها من فظلك" .
- اوه أنني أتخيل الموقف، لقد كان مظطرب الأحاسيس .
- اجل، و كنت أشفق عليه كثيرا، سيدي المسكين .
- اتعرفين شيئا يا لارا، انني احسد والدة فوبي كثيراً، مهما كانت علاقتي الزوجية مع كريك ممتازة فإنه لن يعطيني ذلك الحب العميق الذي تبحث عنه كل امرأة، لقد كان يحب زوجتة جدا و فجأة أخذها منه القدر، لذا فإنني أعتقد بأن حبه لها مستمرا، و زواجه مني ما هو إلا مواكبة للحياة و كسر الوحدة في حياته .
- أعتقد أن هذا مجرد هاجس لديك يا سيدتي، أن المرء عندما يفتح عقلة لهكذا أمور فأنها تسيطر على حياتة بشكل إلزامي، و كل ما يشعر به ما هو ألا مجرد هاجس بسبب الغيرة التي تنسب إلى الطبيعة البشرية لدى الإنسان .
- لكن كريك يختلف، و الرجال كائنات يسهل فهمها و قراءة ما يدور بعقلها من نظرة واحدة، لذلك فإنني افهم كريك جيدا،  حتى أنني في كثير من الأحيان أستطيع ادهاشة بذكري لمعلومات عنه يعتقد بأنه الوحيد الذي يعرفها .
- حسنا، أنني اتفق معك يا سيدتي على أن الرجال كائنات يسهل فهمها، و لكنهم في نفس الوقت يملكون أكثر من شخصية واحدة، و يمكنهم الفصل بينهما بسهولة، و يمكنه أن يحب امرأتين في آن واحد، اذا أخذنا في الحسبان انه ذا شخصيتين مختلفتين تسكنان جسد واحد، و كل شخصية لها اطباعها و معتقداتها التي تختلف عن الأخرى، فيمكن أن تحب شخصيتة الأولى امرأة أحبها بوقت مبكر من حياتة، و يحب أن يتذكرها دائما لذلك صنع لنفسة هذه الشخصية، أما الشخصية الثانية و هي شخصيتة الرئيسية فيمكنه بها أن يحب المرأة الحالية التي تعاشرة كزوجة أو صديقة . و يمكنه كذلك أن يفصل بين هاتين الشخصيتين و تأديتهما حسب مزاجة، فيمكنة مثلاً اليوم أن يكون الشخصية الأولى أو الثانية حسب ما يفضل عقلة الباطن، و بذلك فإن الرجال مختلفون عن النساء كثيراً .
- اوه كم هذه الفلسفة خطيرة، لا أكاد أصدق أنني أعيش مع رجل يحتفظ بجزء من عقلة لمحبوبته القديمة .
- و لكنها ميتة يا سيدتي !
امتعضت السيدة هاورد بشكل مأساوي و قالت : لا يهمني ذلك !
خرجت لارا قليلاً من أفكار عقلها لتفتح باب الحديقة المنزلية أثر وصولها للمنزل، تمشت قليلاً بدون طاقة منها أو حيوية في الحديقة، ثم سندت جسدها بوضع يدها على الشجرة . أجل الشجرة التي كان يختبأ خلفها ذلك الظل، هي لا تعرف حتى أن كان ظل امرأة أو رجل، هل كان حقا ما هو إلا السيد هاورد ؟ فهي تعتقد بأنها رأت وجهه، و لكن هناك أمر صارم من عقلها يرفض بأنها قد لمحت مع الظل وجه والد فوبي السيد كريك هاورد، و أن كان بالفعل هو، فما الذي رأتة باتجاه المنزل أثار دهشتها، و لكن الأطفال عادتا ما يسرحون قليلا ناظرين في الفضاء حولهم، لماذا يجب أن تضخم الأشياء عليها و لا تفكر بمنطقية أكبر .
ألصقت ظهرها على جذع الشجرة و جلست عليها و بدا ظل الشجرة واسع من حولها و بمجرد أن نظرت إلى حوافة بدا كأنة ظل لشمسية كبيرة، كانت تجلس كأنها امرأة في لوحة فنية تجسد الحزن و الأمل المسلوب و الجزع من الحياة .
و بدون وعي منها عادت أفكارها الى زوجة الأب اروين هاورد، و فكرت في علاقتها مع فوبي، إذا نظرنا بصورة عميقة الى هذه العلاقة فإنه لم تكن هناك علاقة في الأصل، فهي لم تكن تهتم لامر وجود طفلة لدى زوجها أو تعطيها حق وجودها، و بذلك لا يمكننا بناء عداوة بينهما، و من الممكن أو من الواقعية أن تكون اروين هاورد من أبعد ما يكون عن دائرة المشتبة بهم .
و ماذا عن علاقتها مع السيد هاورد والد فوبي، يمكن القول بأنها كانت علاقة عادية، أو هادئة فاترة لا تشوبها الخلافات الصورية، و بعكس ذلك فإن هناك خلافات حسية بينهما . فماذا حدث بينهما بعد موت فوبي؟ لقد تلاشت علاقتهما !، فكانا يجلسان على طاولة العشاء صامتين، و أصبح السيد هاورد يقضي اوقاتا اظافية في عملة، و عندما يحضر إلى البيت تقوم هي بالخروج الى السهرات الليلية، و لا يكترث هو لذلك بتاتاً . على النقيض سابقاً، أي قبل موت طفلتة، فقد حاولت زوجتة اروين ذات مرة أن تخرج وحدها لأحدى حفلات الرقص الموسيقية لأنة كان مظطرا لعمل طارئ يقوم به، و لم يقبل أن تذهب وحدها، ترى ما الذي تغير الآن ؟ أهو الانكسار لفقدة ابنتة أم هو نوع من معاقبة النفس بسبب تقصيرة تجاة ابنتة؟ و لكن ما ذنب زوجتة بكل ذلك؟  فهذا ليس سبباً قويا لاهمال زوجتة . ثم سلوك زوجتة الغريب، أليس من المفروض ان تبقى بجانب زوجها حتى تمر محنتة الأليمة هذه؟! لماذا تتحاشى زوجها، بل لماذا يتحاشيان بعضهما؟ .
و تذكرت لارا حديث غريب بينهما عاد الى ذاكرتها الآن فجأة، كانت لارا تجلس مع فوبي تحت الباب على المصطبة، و كانت أصواتهم تعلو و تنخفض، و استطاعت أذني لارا من أن تلتقط بعض الكلمات العابرة . و سمعت صوت السيد هاورد يقول بأستياء :"أريد جواباً منطقيا لما حصل يا اروين" ؟
و ردت علية السيدة اروين هاورد بصوت خفيض و لم تسمعها لارا .
و عاد صوت السيد هاورد المستاء يقول من جديد :"اروين أنك من بدأ هذا" .
و ردت اروين :"أرجوك يا كريك، حاول أن تفهمني، كان ذلك رغما عني" .
و قال السيد هاورد :"كان يمكنك أن تخبريني من البداية، لكي أتصرف، كان يمكنك فعل ذلك قبل أن أعرف بنفسي" .
و عند هذا الحد انقطعت هذه الذكرى من عقل لارا، و أصابها الذهول لما يحتويه هذا الحديث القصير من معاني مجهولة، كان حديثاً يحمل لغزا عميقاً، ليس من السهل حتى تخمينة . ترى ما الشيء الذي فعلتة السيدة هاورد جعل زوجها يستاء منها لهذه الدرجة و يوبخها، ما هو الشيء الذي يدور حوله الموضوع الذي كانا يتحدثان عنه؟ و هل له علاقة بموت فوبي ؟ .
على الأرجح فإن من الممكن أن يكون ذلك الحديث هو السبب الرئيسي لمقتل الطفلة، و الجريمة مدبر لها بعناية كي تبدوا على أنها حادث عرضي، رغم أنها ظاهرياً تبدوا كذلك، لكن مع سلوك الفتاة الفضولية و اعتاديها التنزة كل يوم في ذلك الموقع من النهر على المعبر الخشبي يفتح الباب الواسع للشك، و تيقنت لارا بأن القاتل لابد و أن يكون شخص قريب الى فوبي؛ شخص يعرف عنها الكثير و يستطيع أن يجعل الأمر لايعدوا أن يكون مجرد حادث .
و من جديد عندما تخيلت لارا الحادث فكرت براشيل كوثبيرت، كانت تطعم الحيوانات التي بالماء بالخبز الذي ترميه لهن كما قالت في جلسة التحقيق، و فجأة ألتمع ذهن لارا، أن التقرير الطبي لتشريح جثة لارا اتضخ من خلاله بأنها ماتت نتيجة للأختناق بالمادة السامة التي تنشرها بعض الحيوانات في المياة، و لكن أليس من الممكن أن ترمي راشيل كوثبيرت السم في النهر بالخفاء، و تظهر الخبز علانية كحجة على برائتها . ثم تسقط فوبي و تموت اختناقا بذلك السم، أليس هذا تحليل معقول .
و لكن ما الداعي للجريمة، إذا افترضنا بأن الانسة كوثبيرت هي القاتلة؛ ماذا تعرف عنها فوبي كي تقتلها، أو هناك عداوة مع الأب السيد هاورد و تنتقم منه عن طريق ابنتة .
أن راشيل فتاة غريبة، ظهرت فجأة في القرية، تقول بأنها كانت تعيش في مدن لندن الفاخرة ثم فجأة أرسلها والدها للريف، و كان والدها يملك ثروة طائلة كما تقول، أرسلها إلى سينت ميد رود لتعيش بعيدا عن صخب الحياة المليء بأنفاس الحقد و الكراهية و الأنتقام .
أهذا سيناريو لقصة عادية تتكرر كل يوم، أقصتها هذه التي تنشرها بين سكان القرية صحيحة، و أن كانت كاذبة ترى ماذا تكون في الحقيقة، أن لها ملامح حادة و جبهة صلبة بعض الشيء، أذن من الممكن أن تكون مجرمة خطيرة متسلسلة، أن أخذنا شكلها و طبقناة على الصفات الظاهرية الشكلية للمجرم البايولوجي الذي رسم له العلماء شكلة، و عادتا هذا المجرم ما يكون لدية أيادي طويلة ذات أصابع طويلة أيضاً و ملتوية تظهر عظامها بشكل واضح كأن جلد بشرتة مرئي . لكن أيادي راشيل ليست بهذا الطول و لا طويلة حتى كما في ذلك الشكل السابق، و لكن هذه الجريمة لم يكن المجرم بها بحاجة الى استخدام يدية أو قوة عظلية، و الجريمة مدبرة لتبدوا حادث، و عادتا ما تلجأ النساء لهكذا نوع من الجرائم، بحيث لا تتطلب منها أي قوة مبذولة سوى التخطيط في رأسها الماكر .
و من الواضح بأنها تأخرت حتى صرخت عند النهر، و ذلك بعد أن تأكدت من أن الطفلة قد ماتت، ثم صرخت مدعية بأنها سقطت للتو، و هذا التحليل يدعمة قول بيلي ماكسيميلين في جلسة التحقيق بأنه مضى سريعاً عند سماعة صرخة راشيل و ليس رؤيتة للفتاة الميتة في النهر .
هناك أمور عديدة حول راشيل كوثبيرت كان على الشرطة التحقق منها، و لكن هناك فرصة وحيدة و عنصر أقوى يصب في مصلحة راشيل، و يجعلها بعيدة عن الشبهات بشكل قاطع، فإن رجلان قد قدما اقوالهما للقاضي على ان راشيل لم تقترب من الفتاة، بل انها سقطت في النهر من تلقاء نفسها، و كانا قد شاهدا الحادث من مسافة بعيدة، و هذه نقطة تدعم حظ راشيل بشكل كبير، فإن من المتعارف علية بأن الشرطة و الخبراء في مجال الجريمة يهتمون أكثر بالدلائل الصورية، و مدى اقتراب الجاني من الضحية، و على هذا الأساس يشكلون قضاياهم .
و فجأة، تذكرت لارا الوجة الجميل لفوبي؛ كم كانت نشيطة و حيوية، كانت ذات وجة جميل عريض و خدين مرتفعين و تقع اسفلهما غمازتين ساحرتين، و كانت تشكل كتلة من الجمال مع شعرها الذهبي المسترسل . كانت فتاة لطيفة و عطوفة، رغم أنها ثرثارة و فضولية في كثير من الأحيان .
و تحسرت لارا بعمق و تنفست الصعداء بصعوبة وهي تسأل ذاتها :"ترى ما السر الذي كان يدور في عقل فوبي، و ماتت بسببة" .
***

ظل خلف الشجرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن