إسترداد: عودة

3.6K 412 143
                                    

فرق عناق جفنيه لتحتضنه شمس الصباح الدافئة، لم تكن كدفء قلبه حين تداعى إلى مسامعه صوت هاتفه، رسالة منها و كان هو الأعلم بأن رسائلها من تصنع صباحه رغم مضي أسبوع فقط على حديثه معها لأول مرة.

إستوى جالسا، لم يكن من النوع الذي يبتسم حالما يستيقظ لكن الأمر اختلف في هذه الأيام الأخيرة، منذ أصبح يفتتح نهاره بها و يختمه بها.
هي و كما ظن مختلفة، فمنذ أن سطّرته كأحد أهدافها راح يراقبها و هي تتقدم نحوه و تهدم الجدران بينهما، كيف كان لها الشجاعة بأن تجهر بأنها مهتمة به، بحثت عنه و تستعمل بدهاء ما تعلمه  ضده.

النساء هن الدواهي و الدواء هن، داهية هي تشوقه لمعرفة اسمها، ما تعرفه عنه و ما تخبأه له، داهية هي في كشفها لنفسها دون سابق أنذار ملتحفة بالغموض و هو عاشقه. دواء هي في كلماتها الصائبة الحكيمة، كالبلسم تداوي جروح وحدته و تشفي داخله السقيم.

-"صباح جميل كجمال وجهك الذي لم تبارك عيناي برؤياه بعد".
إبتسامته تتسع بعد كل حرف تقع عليه أعينه، تغازله دونما خجل و خلف كلماتها لطف ارتعشت له أوصاله، أتحسب فرق التوقيت بينهم لتكون أول من يحييه صباحا و آخر من يكلمه ليلا؟ بل متى تسنى لها أن تحفظ أوقات نومه و إستيقاظه؟

-"كيف أنتِ؟" سأل منتظرا جوابها.

-" وددت لو أجبت أني بخير قبل أن تسألني، سئمت سؤالك المعهود، أتصر أن ترى الجواب الذي أكافح لأطمره؟ أتود أن أخبرك حقيقة أني أنا فارغة دون تاء تخصك، دونك قلب خاوي، دونك أتهاوى فلم تبقى مني سوى قطعة واحدة تحملك أنتَ! دونك أنا بدون روح، فحدثني أنت كيف حالك روحي التي لم ألقاها بعد؟"

لما يشعر بأيسره يؤلمه ألما حلوا؟ أهذا ما شعر به تاي حين وقع لران؟ أوقعت لمجهولة لا أعرف منها سوى وجه و كلمات؟ فكر و لم يكن يدرك أنه منذ أن وقع في حفرة الفضول لم يقوى على النهوض فالتقطته أيدي الهيام.

"روحكِ تخشى سطوة الأعتراف، تؤمن أن الطريق الذي تسير عليه ذو إتجاه واحد و كل منافذه تؤدي إلي و بما أني خطوت الطريق و وصلتك فلا مجال للتراجع الآن.
بما أنك بعيدة الآن كفاية لأعترف أني وقعت من أول حرف، أول صورة، أول كلمة. لا أخبرك بهذا لأن اللحظة مناسبة للإعتراف و لا لأنك جميلة للحد الذي تداعى له قلبي منذ أول لحظة بل لأني تعثرت بجسد ضال فوقعت له و أصبحت روحا له"

أخبرها، أخيرا استمد من شجاعتها القليل و أخبرها ماذا تفعل به و لو كان هذا لا يحكي كل شيء لا يحكي كيف استحوذت وجدانه في ظرف قياسي، أوقع لها أول يوم حين جاءت تشكيه روحها الهائمة؟ أم منذ أول نظرة لوجها الباسم و لو كانت خلف الشاشة؟ هي إنسان قادر على جعله يجهل حتى نفسه و قلبه، قوية هي كيف أوقعته!

لم يكن يدري أن رسالته تلك قد أحدث سيلا من الدموع في الجانب الغربي للأرض، حدثته و كانت قد عادت توها للمنزل، حين دلفته أحست بوحشته دونها فراسلت أنيس قلبها و الذي فاجئها بما جعل أعينها تمطر غيثها مجددا، هي حتما لا تدري هل تبكي فرحة لما قال؟ أم شوقا لرؤياه؟ أم حزنا على فراقها؟

طفل القمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن