تخطى الجموع يفرق بين من قبله و عيناه تغشاهما ضبابة دموع كثيفة تنزل كالشلالات من محجريهما فتلمعان وحيدتين بين ثنايا الوجه الذي اصطبغ بحمرة شديدة لا أحد أدرك سببها حتى رسيم نفسه ...
ليينا ليينااا أفيقي أفيقي أرجوك ماذا فعلتي بنفسك ؟
ليناااا لماذا فعلتي ذلك ؟
أرجوك .......
دخل أحد الرجال بينهما مقاطعا شهقاته القوية و حالته المزرية وهي بين ذراعيه .
... هيا يجب نقلها الى المستشفى هي لا تفيق يجب أن نتأكد أنها بخير انهض ..
نقل الرجل لينا الى المستشفى رفقة رسيم حيث كانت مزرقة الوجه خامدة الحياة .... ماذا حدث لها ؟ يا الاهي .....بعد مدة.....
وحين كانت بين ايدي الأطباء أمرها لله كان يذرع الرواق جيئة وذهابا يعقد ذراعيه الى صدره بقوة و يفكهما بين الحين و الآخر يفرك شعره في قل صبر ...و فجأة قفزت فكرة متأخرة الى ذهنه.. تذكر هاتفه يجب أن يتصل بأهلها...
حمله ليجد الكثير من الاتصالات
أمه ..... سامي .... و و جده !! .... مستحيل كيف لجده أن يتصل به و في هذا الوقت ....
أسرع يطلب رقم والدته .....
_ أمي ....مرحبا
_ رسيم بني ما بك ؟ اتصلت بك مرارا أين كنت يا رسيم ؟
_ أمي ...اتصل جدي ...
صمت مطبق من كلا الجانبين كلاهما يبتلعان الريق من الترقب و المفاجأة ...
_ مم م م ماذا جدك .....لم يرى رسيم نظرة الهلع التي ارتسمت في وجه والدته حينها لكنه شعر بها... نظرة عميقة تتخلها الكثير من الدموع طبعا ....هذا ما يحدث في كل مرة يذكر جده أمامها ...
نعم يا أماه لا أدري لم اتصل بي .
لا تجب يا رسيم ....
لا تعد الاتصال و لا تجب ان اعاد محاولة الاتصال ...اسمعني جيدا ....أحذرك من ذلك أتفهم ؟ حذاري ان تعصي أمك يا رسيم .....
أمي .....
لن أعيد كلامي ...لا تعد فتح هذا الموضوع مجددا ......
شددت الام على كل حرف يخرج من فاهها تبث كل ما تملكه الام من نبرة الامر لابنها الذي خفف عنها بخبر فاجع آخر اقل من اتصال جده...
_ أمي لينا في المستشفى .
_ حقا؟ ما بها ؟
_ لقد كادت أن تنتحر من أعلى بناية قريبة .
_ أرأيت أخبرتك أنهم أناس غير أسوياء ليسوا منا ولا نحن منهم يا بني ...لا تقترب منهم مجددا .... المهم أن الفتاة لم تمت الآن .... ابتعد عن هناك و لا تقترب لا من لينا و لا منهم ....
شعر رسيم بغصة تشكلت في حلقه و مرارة تسري في عروقه لحظتها لكنه لم يقو على مناقشتة أمه أكثر ...يحفظ ذلك التسجيل عن ظهر قلب ...بل يعرف جيدا المعنى المخفي خلف حرص امه عن الابتعاد عن لينا و اهلها ..لكن ...و رغم ذلك هناك طاقة هائلة كامنة في اعماقه تصارع هذا الرفض ما يجعله في عاصفة داخلية أشد من كل سابقاتها .حسنا يا أمي ...قال ذلك باقتضاب و أغلق الخط ليسمح لأشجانه بالعبث به وهو يهم بالخروج من المستشفى هائما على وجهه لا يدري أين الملجأ .....
...........رأيت رسيم من بعيد يمشي حزينا منكسرا فأسرعت إليه ..
مابك يا رجل لم تمشي الهوينى ؟
دعني من سماجتك يا سامي لا يخصني سواها ..
اجابه رسيم بنبرة غاضبة...
_ أووو رسيم توقف عن احراج صديقك العزيز حين يحاول اطفاء بعض المرح على الأجواء...ماذا هناك أخبرني؟
نظر رسيم نحو صديقه الحميم نظرة تحمل معاني الدنيا بين طياتها تلخصت كلها في هنيهات قليلة ....توقف سامي مندهشا كأنه لم يقدر الوضع حتى اللحظة ..
اخذتها قبل قليل الى المستشفى ...اكتفى بالقول بينما ذبلت ملامحه كلها ليظهر بدل الشاب القمحي اليافع كهل متعب انكسرت ملامحه في ليلة لا تضيئها سوى انوار الشوارع و السيارات العابرة .
من هي يا رسيم ؟
ظل رسيم محدقا بسامي كأنه يحكي كل شيء بتواصل الاعين ....
_ يا إلاهي أتقصد لينا ...
_ نعم ..... و أردف ..لينا...
_ و مؤكد أنك تكلمت مع أمك و أمرتك بالابتعاد أيضا ...
أومأ رسيم موافقا ليضرب سامي يديه ببعضها متذمرا ...
_ يا الاهي الى متى سيستمر ذلك ...رسيم أنت تقتل نفسك يا رجل ..... توقف عن ايلام قلبك هكذا ....توقف ...
أنت تحبها يا رسيم .... كل ما يمنعك هو كبرياء أمك رغم أن المسكينة ليس لها صلة بما حدث في الماضي ....
أنتما تدفنان حبكما تحت أسباب واهية ....أنا لم أفهم علاقات عائلاتكم الغريبة هذه ... لستم أشخاصا طبيعيين دائما هناك مشاكل ....مشاكل ...مشاكل
ألا يمكن للشخص أن يحلم أن يحب أن يعيش حرا سعيدا ..
دائما يقف أحدكم في وجه الحياة يبتغي تعقيدها ....
رغم أن كل ما يتفوه به هذا الشاب صحيح الا انه آخر ما أراد رسيم سماعه في تلك الحال فانتفض بآذر ذرات القوة المتبقية من ذلك اليوم ....
_ أنت تضيف الملح الى الجرح يا سامي من يدري ما بقلبها...لا أحد يعرف ان حملت نفس المشاعر تجاهي يا سامي .... لقد ......
شعرت بحرق هنا ..... قلبي آلمني ...حين تلقيت الإتصال ...
لم أحتمل فكرة أن أخسر لينا .... لكنها أرادت أن تخسرنا جميعا .....هي تعيش داخل قوقعتها الخاصة ....قال الطبيب أنها تحاول الهروب من العالم الواقعي الى عالم أحلامها ....
لقد بلغت مرحلة خطيرة ....لقد أصبحت لا تعي ما تقول أو تفعل ...
لقد أصبحت أسيرة عالمها تحاول الخروج من حزنها بأية طريقة.
انفعل رسيم و صار يتحدث و يضرب صدره كأنه يحاول أن يوقف ألمه...ويحبس تلك الدموع التي تريد التحرر...
ثم غادر تاركا سامي قلقا بشأنه ترى أين سيذهب ؟
أنت تقرأ
أحلام طفولتنا
Romanceقد نمضي أحيانا في درب الدنيا متأكدين من مدى نضوجنا قد نستمر في تقوية أنفسنا بكلام كاذب ...أنا أكبر من أفعل ذلك ....أنا أعقل من أن أسقط في هذا الفخ ....أنا أقوى من أتعرض لذاك لكن ماذا ان لحدث لحياتنا ما يقلبها رأسا على عقب فجأة و انهار كل ما ظننا أن...